تأثر بمفاهيم الديمقراطية الغربية، وحاول إدخال مفاهيم الانفتاح والتنمية إلى الاتحاد السوفيتي، فاعتبره البعض خائنا ساهم في انهيار الاتحاد السوفيتي، واعتبره البعض الآخر مجرد حالم لم يحالفه الحظ.. إنه آخر زعماء الاتحاد السوفيتي، ميخائيل جورباتشوف، الذي وافته المنية اليوم عن عمر يناهز 92 عاما.
الحياة الشخصية ورحلته نحو السياسة
وُلد ميخائيل جورباتشوف في 2 مارس 1931، بقرية بريفولنو، قرب ستافروبول في شمال القوقاز، لعائلة من الفلاحين هاجرت من تشيرنيهيف، وهي مدينة في شمال أوكرانيا.
عندما كان مراهقاً، عمل جورباتشوف في قيادة الآلات الزراعية بمحطة محلية للجرارات الآلية، ولا شك في أن تجربة جورباتشوف الزراعية ساعدته في التعرف على مشاكل إنتاج الغذاء التي كانت بوابته إلى دخول الحزب الشيوعي.
في يونيو 1941، غزت ألمانيا النازية الاتحاد السوفيتي، فتم تجنيد جورباتشوف في أغسطس بالجيش، وتولى قيادة فرقة هندسية قتالية، وشارك في العديد من المعارك.
دخوله الجيش ساعده على أن يكون أكثر دراية بسيطرة المخابرات السوفيتية، وهي المعرفة التي من شأنها أن تخدمه بشكل جيد في حياته المهنية المستقبلية.
في عام 1952، انضم جورباتشوف إلى الحزب الشيوعي وبدأ الدراسة بجامعة موسكو الحكومية، حيث تخرج في قسم القانون عام 1955، كما التقى وتزوج زميلته ريسا تيتورينكو في عام 1953.
ومع وفاة رئيس الوزراء السوفيتي جوزيف ستالين في 1953، بدأ الاتحاد السوفيتي يعيش فترة من الاضطرابات السياسية والفكرية التي مهدت الطريق لإعادة هيكلة كبرى للنظام السياسي والإدارة الاقتصادية في الاتحاد السوفيتي، وبالنسبة لنشطاء الحزب الشباب مثل غورباتشوف، كانت هذه فترة من التغييرات والتحديات المثيرة لهم.
بعد تخرجه، عاد جورباتشوف إلى ستافروبول منظماً لحزب كومسومول (رابطة الشباب الشيوعي)، وبدأ حياته المهنية الناجحة مسؤولاً حزبياً وزعيماً إقليمياً.
في عام 1962 تمت ترقيته إلى منصب منظم الحزب للمزارع الجماعية والمزارع الحكومية في منطقة ستافروبول، وسرعان ما تولى مسؤوليات رئيسية للجنة مدينة ستافروبول أيضاً.
في العام 1966، قام زعيم الحزب الشيوعي ليونيد بريجنيف بمكافأة غورباتشوف على قدراته في تولي زمام أمور المزارع في منطقته بتعيينه سكرتيراً أول للمنطقة، وهو ما يعادل رتبة عمدة أو محافظ المدينة.
الوصول إلى السلطة وأوهام الديمقراطية الغربية
في العام 1985، تولى جورباتشوف منصب الأمين العام للجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفيتي وهو لقب يمنح لرئيس الحزب الشيوعي، فجلب معه روحاً جديدة إلى الكرملين، وهي روح الشباب، إذ كان ينظر إلى جورباتشوف على أنه شاب نشيط متزوج بامرأة جذابة وأنيقة ومتعلمة، وهو ما جعله يمثل جيلاً جديداً من القادة السوفييت والبعيد كل البعد عن سياسة ستالين.
كانت الخطوات الأولى لجورباتشوف في منصبه رئيساً للحزب تهدف إلى تحسين الإنتاجية الاقتصادية، فبدأ بحملة نشطة ضد عدم الكفاءة والهدر، وأشار إلى نيته فصل العمال الكسالى وغير الفعالين في كل مجال من مجالات الحياة السوفيتية، وضمن ذلك الحزب.
بعد فترة وجيزة من توليه السلطة، تحرك جورباتشوف أيضاً لتطوير علاقة أكبر مع المواطنين العاديين، حيث نزل إلى الشوارع في عدة مناسبات؛ لمناقشة آرائهم.
وسعى جورباتشوف أثناء فترة ولايته إلى إصلاح الحزب واقتصاد الدولة عن طريق إدخال مفاهيم الانفتاح وإعادة الهيكلة والديمقراطية والتنمية الاقتصادية، وعلاوةً على ذلك، فقد أحدث العديد من التطورات التكنولوجية التي أدت إلى زيادة الإنتاجية. أدت جهوده الرامية إلى إضفاء طابعٍ ديمقراطي على النظام السياسي في البلاد واعتماد اللامركزية في الاقتصاد إلى سقوط الشيوعية وانهيار الاتحاد السوفيتي في عام 1991.
علاقته بالولايات المتحدة الأمريكية
سعى جورباتشوف أيضاً إلى إقامة علاقات أفضل مع الولايات المتحدة؛ حتى يستطيع تخفيض ميزانية الإنفاق العسكري السوفيتي لصالح السلع الاستهلاكية.
في نوفمبر 1985، التقى الرئيسَ ريجان في جنيف؛ لمناقشة المشاكل الوطنية والدولية، وتم إحراز تقدم ضئيل، لكن الزعيمين اتفقا على عقد اجتماع "قمة" آخر بالولايات المتحدة في عام 1986.
عندما تطورت التوترات الجديدة بين البلدين القويين، اتفق الزعيمان على عقد اجتماع تمهيدي في ريكيافيك بآيسلندا، في 11-12 أكتوبر 1986.
أما أوضح العلامات على تحسن العلاقات السوفيتية-الأمريكية فجاءت في عام 1988 عندما ترك جورباتشوف انطباعاً إيجابياً حينما دخل إلى حشد من المتفرجين في مدينة نيويورك لمصافحة الناس، الأمر الذي جعل ريجان يزور موسكو في العام نفسه.
الجلاسنوست والبريسترويكا
بسبب الاقتصاد المتهاوي الذي كان الاتحاد السوفيتي يعاني منه، بدأ غورباتشوف اتباع سياستي الجلاسنوست (الانفتاح) والبريسترويكا (إعادة الإعمار)؛ لمواجهة تحديات الأمة التي يرى المؤرخون أنها كانت سبباً في سرعة تفكك الاتحاد السوفيتي.
كانت الجلاسنوست، التي بدأت في أواخر الثمانينيات، بمثابة دفع للشفافية في الحكم، فحدت من رقابة الدولة، مما سمح لوسائل الإعلام السوفيتية بنقل الحقائق المؤلمة التي تم التستر عليها منذ فترة طويلة.
مثل حقيقة أن إدمان الكحول ومعدل وفيات الرضع آخذان في الزيادة، وأن مستويات المعيشة في الغرب تفوق تلك الموجودة بالاتحاد السوفيتي، كما سمح للأحزاب غير الشيوعية بالمشاركة في الانتخابات.
أما البيريسترويكا، فكانت عملية إصلاح اقتصادي تهدف إلى "إحياء الاقتصاد" الذي كانت تسيطر عليه الحكومة.
السقوط من السلطة
في أغسطس 1991، قامت مجموعة من المحافظين في الحزب الشيوعي بمحاولة القبض على جورباتشوف بينما كان يقضي إجازة في شبه جزيرة القرم وتحركت للاستيلاء على السلطة.
من بين هؤلاء الرجال كان رئيس الوزراء فالنتين بافلوف الذي يعتقد أنه من قاد الانقلاب الذي فشل بمجرد عودة جورباتشوف إلى موسكو.
في 25 ديسمبر وعشية عيد الميلاد الغربي، صدم الرئيس ميخائيل غورباتشوف العالم عندما أعلن حلّ الاتحاد السوفيتي واستقالته من منصبه، في خطاب وجهه إلى الشعب عبر التلفزيون الرسمي للاتحاد السوفيتي.
وأشار في الخطاب إلى أن مكتب رئيس اتحاد الجمهوريات السوفيتية الاشتراكية قد تم إلغاؤه، وأعلن تسليم كافة سلطاته الدستورية وضمنها السلطة على الأسلحة النووية الروسية، إلى الرئيس الروسي بوريس يلتسن، ليكون بذلك آخر رئيس للاتحاد السوفيتي.