ارتفاع فواتير الكهرباء.. تشهد أسواق الطاقة في أوروبا أزمة شديدة الاضطراب حالياً، ويعود السبب في ذلك بشكل أساسي إلى الحرب الأوكرانية الروسية التي ألقت بظلالها على دول العالم ، وصعوبة إيجاد بدائل تستطيع أن تغنى عن الإمدادات الروسية التي فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات عليها.
ولكن بعض الخبراء أيضاً يقولون إن عوامل أخرى بينها التغير المناخي والتصحر أدت إلى ارتفاع الأسعار، حيث أثرت تلك العوامل على الإنتاج في بلدان مثل النرويج، أحد أبرز موردي الغاز لبلجيكا، وعلى إنتاج الكهرباء في فرنسا، أحد أبرز موردي الكهرباء لبروكسل
ارتفاع أسعار فواتير الطاقة السنوية
ونشرت صحيفة "ليكو" البلجيكية، تقريرًا حول ارتفاع محتمل فى أسعار فواتير الطاقة السنوية بالنسبة للأسر البلجيكية، قد تصل إلى 8 الاف يورو سنويًا أى ما يعادل 600 يورو شهريًا.
واعتمدت التقديرات على الأسعار الحالية للكهرباء والغاز، حيث وصل سعر الميجاوات في الساعة للكهرباء حالياً في بلجيكا 295 يورو والغاز 562 يورو، وإذا استمرت الأسعار كما هي حالياً، ستتأثر الأسر البلجيكية بشكل كبير بها.
وبحسب حسابات الصحيفة، فإن معدل فاتورة الأسرة السنوية للغاز والكهرباء قد يصل إلى 7920 يورو (5320 يورو للغاز و2580 يورو للكهرباء) بناء على سعر الطاقة في الأسواق اليوم 28 أغسطس 2022.
ويحذر داميان إرنست، الأستاذ في جامعة لياج من أن قيمة الفاتورة الشهرية للطاقة ستعادل ما إذا استمرت الأحوال بهذا الشكل قيمة الإيجار تقريباً، وتضيف أن البلاد "واقعة في وضع خطير للغاية والأسر مقبلة على مأساة مالية".
ومنذ العام 2020 تضاعف سعر الغاز 20 مرة في بلجيكا، حيث يبلغ الآن 295 يورو للميجاوات في الساعة، لقاء 18 يورو في 2020، أما سعر الكهرباء فتضاعف عشر مرات
تسعى الحكومات الأوروبية جاهدة لإيجاد سبل يمكن من خلالها دعم وحماية الأسر والشركات
الزاحفة تحت تأثير الارتفاعات القياسية لأسعار الطاقة.
وكتب بوريس جونسون رئيس وزراء بريطانيا المستقيل في مقالة لصحيفة "ديلي ميل": "ستكون الأشهر القليلة المقبلة صعبة، وربما صعبة للغاية. ستكون فواتير الطاقة الكهربائية مذهلة للسكان".
وأضاف: "بالفعل باتت فواتير تدفئة المنازل مخيفة جدا بالنسبة للكثيرين منا".
في وقت سابق، أعلنت الهيئة البريطانية لتنظيم الطاقة Ofgem عن زيادة بنسبة 80% في الحد الأقصى لفاتورة الكهرباء المسموح بها للمستهلكين اعتبارا من 1 أكتوبر بسبب ارتفاع أسعار الطاقة العالمية.
وبهذا الشكل، قد يرتفع الحد الأقصى للفاتورة للبريطانيين بمقدار 1578 جنيها إسترلينيا، أو 80% حتى الآن كان الحد الأقصى يبلغ 1971 جنيها إسترلينيا.
وفي التشيك، التي تتولى الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي، تُدرس إمكانية الدعوة إلى قمة طارئة للتكتل قد تناقش تحديد سقف للأسعار، وفق ما قال وزير الصناعة جوزف سيكيلا، الذي نقلت عنه وسائل إعلام تشيكية قوله إن "السوق خرج عن نطاق السيطرة إلى حد ما.. المشكلة في كل أوروبا، وبالطبع، إذا كان لديك سوق أوروبية ومشكلة أوروبية، فيمكن إيجاد الحل الأسهل على المستوى الأوروبي".
وأضاف سيكيلا أن فرض حد أقصى لسعر الطاقة على المستوى الأوروبي سيكون أحد الإجراءات الممكنة، وأن جمهورية التشيك ستدعم ذلك إذا قرر الاتحاد الأوروبي النظر فيه.
أزمة ارتفاع فواتير الكهرباء بأوروبا
وتواجه أوروبا ارتفاعاً حاداً في فواتير الكهرباء مدفوعاً بالارتفاع الهائل في أسعار الغاز.
وخفضت روسيا كمية الغاز التي ترسلها إلى أوروبا لترتفع الأسعار وسط مخاوف من أن موسكو ستزيد من خفض الإمدادات رداً على العقوبات الغربية بسبب غزوها لأوكرانيا.
وفي إيطاليا، قال رئيس الوزراء ماريو دراغي إنه يتعين على دول الاتحاد الأوروبي الاتفاق على حد أقصى لسعر الغاز الذي تستورده من روسيا.
إسبانيا والبرتغال حدتا بالفعل من أسعار الطاقة المحلية القائمة على الغاز، بينما حدت فرنسا من ارتفاع أسعار الكهرباء.
ودعا رئيس فرنسا إيمانويل ماكرون، إلى الوحدة في حكومته في مواجهة ما وصفه بـ "اضطراب كبير" و "نهاية الوفرة".
ما رأى فيه معلقون سياسيون محاولة من ماكرون أن يعد البلاد لأوقات عصيبة في المستقبل، لكنه تعرض لانتقادات من شخصيات يسارية اتهمته بالاغتراب عن الملايين الذين يعانون بالفعل ولا يمكن اعتبار أن حياتهم وتجاربهم اليومية فيها "وفرة".
أما ألمانيا، فاعتمدت سلسلة من الإجراءات لتوفير الطاقة، ودعت الأفراد والشركات أن تحذو حذوها.
وسيكون هناك حد أقصى للتدفئة في المكاتب والمباني العامة الألمانية عند 19 درجة اعتباراً من 1 سبتمبر، وستُخفض الحرارة إلى 12 درجة في الأماكن التي يقوم فيها الموظفون بعمل بدني مكثف، ولن تُشغّل في المناطق العامة مثل الممرات، ولن يكون هناك ماء ساخن لغسل اليدين.
كذلك سيتم تشجيع القطاع الخاص، ولكن دون إجبار، على خفض درجات الحرارة.
لكن ستبقى المستشفيات والمؤسسات الاجتماعية معفاة من الإجراءات التي تهدف إلى تقليل استهلاك الغاز في ألمانيا بنسبة 2٪.
وقال وزير الاقتصاد روبرت هابيك: "لا نريد قياس درجات الحرارة في غرف النوم، ويجب أن تسود الحرية الفردية"، داعياً إلى الشعور "بالمسؤولية" بين الأسر "للمساهمة" في تقليل استهلاك الطاقة.
سيتعين على أكبر اقتصاد في أوروبا خفض استهلاكه بنسبة 20٪ إذا أراد تجنب النقص هذا الشتاء، وفقاً للخبراء.
في وقت سابق من هذا الأسبوع، ارتفعت أسعار الغاز في الاتحاد الأوروبي بنسبة 13٪ بين عشية وضحاها لتصل إلى ذروة قياسية، بعد أن تضاعفت في شهر واحد فقط لتكون أعلى 14 مرة من متوسط العقد الماضي.
وقالت المفوضية الأوروبية هذا الشهر إنها "تجري تقييماً عاجلاً للإمكانيات المختلفة لفرض حدود قصوى لأسعار الغاز"، دون أن توضح الشكل الذي سيتخذه مثل هذا الحد الأقصى.
وقالت بروكسل إنها ستتشاور مع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بشأن تحديد سقف للأسعار وستعود بمقترحات في الخريف إذا لزم الأمر.
ومن المقرر أن يجتمع وزراء الطاقة من دول الاتحاد الأوروبي بالفعل في قمة في أكتوبر.
سبب ارتفاع فواتير الكهرباء بأوروبا
من جانبه علق المستشار الاقتصادي، أحمد خزيم، على ارتفاع قيمة فواتير الكهرباء في أوروبا وحالة التزمر التي تعيشها شعوب أوروبا نتيجة النقص فى الوقود، الذي يستخدم في توليد الكهرباء، قائلا: جميع ما يحدث هو تداعيات الحرب الأوكرانية الروسية التي تسببت في وقف سلاسل الإمداد في الطاقة والحبوب.
وأوضح أن العالم عندما شعر أنه أصبح يعاني من أزمة غذاء اتجه نحو إيجاد حل بتوفير ممر أمن لعبور شاحنات الحبوب، مما ساهم في خفض أسعار الحبوب لمعدلها الطبيعي.
وأضاف خزيم - خلال تصريحات خاصة لـ“صدى البلد”، أن أزمة الطاقة ظلت عالقة حتى الأن، مشيراً إلى إغلاق عدد من المصانع في إنجلترا وإيطاليا بسبب أزمة الوقود ، التى نجمت عن الحرب الاوكرانية الروسية.
وأشار إلى أن العالم الأن يمر بمرحلة اقتصاد الصدمة، حيث تعاني دول العالم من التضخم بسبب تحريك سعر الدولار، الذي أثر على قيمة باقي العملات في الخارج، وكل دولة تحاول جاهدة أن توجد حلولاً بطريقتها.
وتابع : إذا تم الإتفاق النووى الإيراني بين أمريكا سوف يساهم في خفض أسعار الطاقة حول العالم، لافتاً أن هناك عدة عوامل تتحكم في اقتصاد العالم منها الدورة الاقتصادية التي أوشكت على الانتهاء وسوف تبدأ دورة جديدة أو عالم جديد، حيث إننا نودع العالم القديم ونستقبل العالم الجديد تتصدره الصين بجانب أمريكا وألمانيا وفرنسا، حيث يمثلون قوى إقتصادية عالمية.
وأشار: هناك عوامل أخرى أدت إلى الأزمات الاقتصادية التي يشهدها العالم والنقص في الطاقة ، تعود إلى إزمة كورونا التي استمرت عامين وأطاحت باقتصاديات بعض الدول الكبرى، "لم تشهد مثلها منذ أربعين عاماً"، وأزمة الصين مع تايوان، وأوكرانيا مع روسيا.
وأردف: لجأت دول أوروبا بل دول العالم إلى خفض استهلاك الطاقة لحين توافر بدائل، ومعالجة التضخم الاقتصادي الذي أصابها بطريقتها طبقا لظروفها، مع توفير برامج حماية اجتماعية للفقراء لمواجهة الأزمة.
وأوضح خزيم، أن هناك مصانع تم إغلاقها في بعض دول أوروبا، لأنها تعمل بالوقود لحين تغيرها لتعمل بالطاقة المتجددة أو توفير بدائل، مجزماً إنه لا يمكن التنبؤ بأي شيء مستقبلاً نظراً لوجود متغيرات سريعة على الساحة تتحكم فى مصير العالم.
وأشار: من المؤكد إنه إذا نجح الاتفاق النووي الإيراني مع أمريكا سوف يشهد العالم انفراجة قوية في أزمة الوقود ومن ثم خفض الأسعار،
منوها أن دول العالم مقبلة على أزمة اقتصادية كبيرة فى ظل استمرار ارتفاع التضخم ونقص الوقود وحالة الركود.