قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

صدى البلد

اقتصاد العالم على المحك.. هل يسيطر الاحتياطي الفيدرالي على التضخم بسياسات السبعينيات

البطالة نتيجة متوقعة لإجراءات الاحتياطي الفيدرالي
البطالة نتيجة متوقعة لإجراءات الاحتياطي الفيدرالي
×

عندما قال رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي (البنك المركزي) جيروم باول، أمس الجمعة، إن الاحتياطي الفيدرالي سيستخدم "أدواته بقوة" من أجل كبح التضخم، فُهم على الفور أن المقصود هو رفع أسعار الفائدة، باعتباره الإجراء التقليدي المعتاد لسحب المعروض النقدي الزائد من الأسواق.

وأدلى رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بتصريحاته تلك خلال التجمع السنوي لرؤساء البنوك المركزية والخبراء الاقتصاديين في منتجع جاكسون هول بولاية وايومنج، فقط ليظهر الفارق الشاسع بين حديثه هذا العام وحديثه في نفس التجمع خلال العام السابق.

رئيس الاحتياطي الفيدرالي يعترف بقسوة إجراءات كبح التضخم

وبحسب مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، كان رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول قد أعلن خلال تجمع جاكسون هول العام الماضي تدشين حقبة جديدة من السياسة الاقتصادية، يسعى خلالها الاحتياطي الفيدرالي إلى رفع نسبة التضخم المنخفضة لتتجاوز بقليل المعدل المقبول لها عند 2%، ولم يكن أحد يعرف حينها أن الاحتياطي الفيدرالي سيجاهد بكل قوته كي يخفض معدل التضخم الذي ارتفع بسرعة الصاروخ ليبلغ حاليًا 8%، بعد عام واحد من حديث باول المتفائل، وفي أسرع وتيرة لارتفاع التضخم منذ عقد السبعينيات.

وأضافت "فورين بوليسي" أن رئيس الاحتياطي الفيدرالي، الذي حذر في خطابه أمس الجمعة من أن إجراءات كبح التضخم ستكون مؤلمة بالنسبة لكثير من الأمريكيين، كان يبدو كما لو كان يستدعي التاريخ لا الاقتصاد للتدليل على صحة موقفه.

وأوضحت المجلة أن جيروم باول ألقى خطابًا مفعمًا بالإشارات إلى عقدي السبعينيات والثمانينيات، ووجه التحية إلى ثلاثة من أسلافه في رئاسة الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، وهم بول فولكر وآلان جرينسبان وبن بيرنانكي، وخرج المستمعون بانطباع أن الاحتياطي الفيدرالي "يسير بظهره نحو المستقبل"، أو بالأحرى يعود رأسًا إلى حقبة السبعينيات.

في خريف العام الماضي 2021، كان رئيس الاحتياطي الفيدرالي لا يزال يتحدث عن التضخم باعتباره مشكلة عابرة وناجمة عن خلل في جانب العرض بسبب الاختناقات في سلاسل الإمداد وارتفاع أسعار النفط، وهناك من الأسباب ما يدفع للتوقع أن مثل هذه المشكلات ستختفي في المستقبل القريب، لكن جيروم باول لم يكن ليخدم موقفه لو تحدث بنبرة متفائلة عن زوال المشكلات في جانب العرض، لذا فقد اختار بدلًا من ذلك التركيز على أسباب التضخم الكامنة في جانب الطلب، مثل التنامي السريع في الأجور، لتبرير اتجاه الاحتياطي الفيدرالي إلى رفع أسعار الفائدة وتشجيع الادخار وتشديد شروط الاقتراض، وإن كان ذلك سيؤدي باعتراف باول نفسه إلى نمو بالسالب وفقدان الكثير من الوظائف، أو بكلمة أخرى: الركود.

والسؤال المطروح في الأسواق المالية الآن هو ما إذا كان الاحتياطي الفيدرالي لديه الجرأة لخوض معركة طويلة، وهل سيكون باول واللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة على استعداد للسماح للبطالة بالارتفاع الحاد إذا كان ذلك ضروريًا لخفض التضخم؟

وتكمن صعوبة الإجابة على هذا السؤال في التناقض بين مشهدين، فمن ناحية تشير أسعار السندات إلى أن المستثمرين يعتقدون أن الاحتياطي الفيدرالي سينجح في كبح التضخم حتى لو استلزم الأمر فرض إجراءات صارمة، ومن ناحية أخرى ينبئ الانتعاش في أسواق الأسهم الأمريكية خلال الصيف بأن المستثمرين في الأسهم كانوا يراهنون على أن الاحتياطي الفيدرالي لن يكون مستعدًا لرفع أسعار الفائدة إلى حد كبير.

خفض التضخم بأي ثمن

كان رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأسبق خلال حقبة السبعينيات بول فولكر هو من حول تجمع جاكسون هول إلى مؤتمر سنوي لرؤساء البنوك المركزية حول العالم اعتبارًا من عام 1982، وكان فولكر قد عالج مشكلة تضخم قاسية في عهده برفع أسعار الفائدة، متسببًا في ركود حاد جعل منه محط انتقادات لاذعة، لكن مناعته تجاه الانتقادات ولامبالاته بها هي التي أسست لنموذج رئيس البنك المركزي الذي يرى أن مهمته الأساسية هي خفض التضخم بأي ثمن، وبعد 40 عامًا يستلهم جيروم باول هذا النموذج بالضبط في معركته ضد التضخم.

وخلال حقبة السبعينيات أيضًا، عرف مسؤولو البنوك المركزية مدى أهمية توقعات التضخم، فكما قال فولكر عام 1979 "يتغذى التضخم جزئيًا على نفسه، لذا فإن جزءًا من مهمة العودة إلى اقتصاد أكثر استقرارًا وإنتاجية يجب أن يكون كسر قبضة التوقعات التضخمية، وكلما طالت الفترة الحالية من التضخم المرتفع، زادت فرصة ترسخ توقعات ارتفاع التضخم".

وبحسب "فورين بوليسي"، فإن الهدف ليس خفض التضخم فحسب وإنما القضاء على كونه مشكلة حتى لو كان موجودًا بنسبة ضئيلة، وهنا يبقى المعيار هو تعريف رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأسبق آلان جرينسبان لاستقرار الأسعار، الذي يحدث عندما "تكون توقعات التغير في متوسط الأسعار صغيرة وتدريجية بما يكفي لكي لا تؤثر على القرارات المالية للشركات والأسر"، فعند هذه النقطة لا يشكل التضخم مصدر قلق كبير، وبالتالي لا يكون هناك داع لفرض إجراءات قاسية بأثمان باهظة لخفضه.

لكن المشكلة، كما أوضح خطاب رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول خلال تجمع جاكسون هول أمس الجمعة، أن هذا الوضع المتوازن بعيد كل البعد عن الواقع الحالي، فالتضخم الآن "في بؤرة تفكير كل شخص" كما قال، والأهم أن باول بذلك أرسل رسالة مفادها أن الاحتياطي الفيدرالي مصمم على رفع أسعار الفائدة بقفزات تبلغ 50 أو 75 نقطة أساس إلى أن يسيطر على التضخم المنفلت، ولذا لم تكن صدفة أن سجلت أسواق الأسهم الأمريكية أسوأ مؤشرات لها منذ شهور بعد تداول رسالة باول المتشائمة.

ربما يكون خطاب رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول في تجمع جاكسون هول تشاؤميًا إلى أقصى حد، ولكن المؤكد أنه ينتقي كلماته بعناية وبدقة. المشكلة هنا أن كلمات باول خلّفت انطباعًا بأن الاحتياطي الفيدرالي الآن يعيد تمثيل الدور الذي لعبه إبان معركته للسيطرة على التضخم الكبير في السبعينيات، ولكن بأداء تمثيلي مبالغ فيه يعرف الجمهور معه متى يصفر مستهجنًا ومتى يصفق مستحسنًا، المهم في كل ذلك أن ملايين الوظائف ومصير الاقتصاد العالمي على المحك.