أكد الشيخ فيصل بن جميل الغزاوي خطيب الحرم المكي، أن من المخاطر التي تهدد بنيان الأسر المسلمة التأثرَ بمقاطع بعض مشاهير التواصل الاجتماعي التي تحمل في ثناياها رسائل هدم للبيوت ودمار للقيم والمبادئ فالحذر الحذر من ذلك، كما أن من أخطر ما يفسد العلاقة الزوجية التخبيبَ وهو من كبائر الذنوب قال عليه الصلاة والسلام: (ليسَ منَّا من خبَّبَ امرأةً علَى زوجِها).
ليسَ منَّا من خبَّبَ امرأةً علَى زوجِها
وتابع قائلا: ألا فليتق الله أولئك الّذين يسعَون بالفتنة بين الأصفياء ويلتمسون العنت للبرآء؛ فكم من بيوت آمنة تفرق جمعها وتصدع بنيانها وكم من أسر متماسكة تشتت شملها وتقاطع أفرادها من جراء هذا الجرم العظيم والفعل الأثيم.
وليحذر الزوجان ما يفسد العشرة بينهما وألا يكونا سمّاعَين لمن يريد الوقيعة بينهما من القرابة أو من غيرهم فإن المخببين جند لإبليس في مُهمته المتمثلة في إلقاء العداوة بين الزوجين، بتزهيد الزوج في امرأته بغير حق، بذكر مساوئها عنده وتحقيرها في عينه حتى ينقلب عليها بغضا وذما، وتزهيدِ المرأة في زوجها بغير حق، بذكر مساوئه عندها والقدح فيه وإيغار صدرها عليه؛ حتى تنفر منه وتؤذيَه.
وتابع: انظروا -رحمكم الله- الفرق بين عمل المخببين وعمل المصلحين الذين ينشدون أن تكون بيوت المسلمين هادئة مطمئنة مستقرة وصلةُ الزوجين قويةً متماسكة مستمرة، ويحرصون على بقاء أواصر الصلة بين الزوجين محكمة لا تنقطع لمجرد خلافات طارئة ولا تضعف لأسباب تافهة؛ فقد كان صلى الله عليه وسلم حريصا على معالجة الخلافات الزوجية كما صنع مع ابنته فاطمة وزوجها علي رضي الله عنهما، بعد أن حصل بينهما شيء، وكان يشفع للإصلاح بين الزوجين كما شفع لزوج بريرة أن تراجعه.
وتابع: كم من بيت كاد أن يتهدّم بسبب خلاف يسير نشأ بين الزوجين وأوشك الزوج أن يوقع الطلاق فإذا بأحد المصلحين من مفاتيح الخير بكلمة طيبة ونصيحة غالية يصلح بينهما بفضل الله وتوفيقه؛ فهؤلاء المصلحون يؤرقهم ويقلقهم ما يرونه من تشتت الأسر وضياع الذرية فيعملون على الإصلاح بين المتقاطعين من أفراد الأسرة وإزالة الخلاف بينهم، وشعارهم: ﴿إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت﴾.
وأمَّ إمام وخطيب الحرم المكي المصلين في يوم الجمعة، حيث استهل خطبة قائلاً: إن الأسرة المسلمة هي نواة المجتمع الإسلامي وأساس بنيانه، وقد حرَص الإسلام على إرساء وتثبيت الأسرة والمحافظة على تماسكها واستقرارها والتحذير من أسباب تفككها وعوامل تصدعها.
وأوضح خطيب الحرم المكي: من أهم مُهمات إبليس إفساد الصلات الأُسْرية ونقض العلاقات الزوجية، فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إنَّ إبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ علَى الماءِ، ثُمَّ يَبْعَثُ سَراياهُ، فأدْناهُمْ منه مَنْزِلَةً أعْظَمُهُمْ فِتْنَةً، يَجِيءُ أحَدُهُمْ فيَقولُ: فَعَلْتُ كَذا وكَذا، فيَقولُ: ما صَنَعْتَ شيئًا، قالَ ثُمَّ يَجِيءُ أحَدُهُمْ فيَقولُ: ما تَرَكْتُهُ حتَّى فَرَّقْتُ بيْنَهُ وبيْنَ امْرَأَتِهِ، قالَ: فيُدْنِيهِ منه ويقولُ: نِعْمَ أنْتَ)، والتَّفريق بين الزَّوجينِ يُعجب إبليس لما يترتب عليه مِن مفاسد عظيمة كانقطاع النسل، وسوء تربية الأطفال، وتشتت الأولاد وضياعهم، وقطيعة الرحم، وما في ذلك مِن التباغض والتشاحن وإثارة العداوات بين الناس.
وقال خطيب الحرم المكي : كان النبي صلى الله عليه وسلم خير الناس لأهله وأحسنهم عشرة لأزواجه وقد بين ذلك بقوله: (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهله). والواجب على الزوجين أن يعاشر كل منهما الآخر بالمعروف، قال جل وعلا: ﴿وعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ وقال تعالى: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ وذلك بأن يتعاونا على الخير ويكون كل واحد منهما ناصحا للآخر حريصًا على القيام بحقه في مودة ووئام، وبُعدٍ عن النزاع والخصام والتنابز والشتام، وجرح المشاعر وكسر الخواطر، ويكون ديدنَهما التصافي وحفظُ الجميل، والثناءُ على الفعل النبيل والاعترافُ بالخطأ والاعتذار، والتماسُ الأعذار.
ومن وصاياه صلى الله عليه وسلم في حسن العشرة قوله: (ألا واسْتَوصُوا بالنِّساءِ خَيْراً فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٍ عِنْدَكُمْ) فعلى كل زوج أن يتقي الله ربه في زوجته التي جعلها الله تحت ولايته وفي عصمته، وهذا يقتضي رعايتها وحفظها وصيانتها، فهو القائم على مصالحها كما قال تعالى: ﴿الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ﴾ وهي قوامة إصلاح ورعاية وإدارة وتدبير، وليست قوامةَ تسلط وبغي وأذية وتنفير، كما يستوجب معاملتَها بالإحسان والرحمة والصفح والغفران، لقوله صلى الله عليه وسلم: (لاَ يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقاً رَضِيَ مِنْهَا آخَر)، ولا يعني ذلك أن يطيعها في معصية ربه استرضاء لها.