عقد شاب قرانه على فتاة مسلمة، هل يحق له أن يأمرها بالصلاة والحجاب وهي عند أهلها أو لا؟.. سؤال أجابت عنه دار الإفتاء.
عقدت قراني على فتاة فهل يحق لي إلزامها بالصلاة والحجاب؟
وقالت الإفتاء، إنه من المقرر شرعًا أن الحجاب للمرأة فرض عليها لا يجوز لها أن تُفرِّطَ فيه؛ وذلك لقوله تعالى: ﴿وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ﴾ [النور: 31].
وقد ورد في الحديث الصحيح الذي رواه أبو داود عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما دَخَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وَعَلَيْهَا ثِيَابٌ رِقَاقٌ، فَأَعْرَضَ عَنْهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، وَقَالَ: «يَا أَسْمَاءُ، إِنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا بَلَغَتِ الْمَحِيضَ لَمْ تَصْلُحْ أَنْ يُرَى مِنْهَا إِلَّا هَذَا وَهَذَا» وَأَشَارَ إِلَى وَجْهِهِ وَكَفَّيْهِ.
وشددت الإفتاء: لذلك كان لزامًا على المرأة المسلمة البالغة أن تستر جسدها جميعه عدا الوجه والكفين، ومن المقرر شرعًا أن من حق الزوج على زوجته أن تطيعه وتُلَبِّي طلباته المشروعة سواء كانت هذه الزوجة في منزل والدها أم في منزله؛ لأنه بمجرد العقد عليها صارت زوجة له ويحق له أن يأمرها بالصلاة والحجاب وهي عند أهلها؛ لأنهما فرضان وجب عليها العمل بهما من نفسها، وعليها أن تتقي الله فيما فرضه عليها من صلاة وحجاب.
تكرار الحلف على شيء واحد
يرغب سائل في الزواج من ابنة عمّه، وقد حدث ما جعله يحلف بالآتي: أقسم بهذا المصحف الشريف أن لا أتزوج بنت عمّي إلى الأبد. وكرر هذا اليمين عشر مرات. والآن يرغب زواج بنت عمه المذكورة؛ لزوال الموانع التي دفعته للحلف. وطلب بيان الحكم الشرعي في هذه الأيمان، وهل يحل له زواج بنت عمه، أو لا؟
وقالت دار الإفتاء، هذا الحلف يعتبر يمينًا شرعًا وهي يمين منعقدة؛ فإذا قصد إنشاء اليمين في كل مرة حلف فيها ثم أراد الحنث بعد ذلك تجب عليه كفارات متعددة بعدد مرات الحلف، أما إذا أراد بالتكرار التأكيد ومجرد الإعادة يصدق ديانة وفيما بينه وبين الله تعالى، وتجب حينئذٍ بالحنث كفارة واحدة، وكفارة اليمين إطعام عشرة مساكين مما يشبع البطن أو كسوتهم بما يستر البدن، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام.
وبينت أن الحلف على المصحف يمين بالله تعالى؛ قال صاحب "مجمع الأنهر": [وفي "الفتح": وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْحَلِفَ بِالْمُصْحَفِ الْآنَ مُتَعَارَفٌ فَيَكُونُ يَمِينًا. وَقَالَ الْعَيْنِيُّ: لَوْ حَلَفَ بِالْمُصْحَفِ أَوْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ أَوْ قَالَ: وَحَقُّ هَذَا فَهُوَ يَمِينٌ، وَلَا سِيَّمَا فِي هَذَا الزَّمَانِ الَّذِي كَثُرَ فِيهِ الْحَلِفُ بِهِ] اهـ.
وأكدت أنه من باب الحلف الشرعي؛ لأنه حلف بكلام الله تعالى وهو صفة من صفاته فلا يعتبر حلفًا بغير الله.
وقد قال العلامة ابن الهمام في "الفتح" من ( كتاب الأيمان في تعدد الأيمان ووحدتها): [لَوْ قَالَ: وَاللهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا ثُمَّ أَعَادَهُ بِعَيْنِهِ فَكَفَّارَتَانِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: وَاللهِ لَا أَقْرَبُك، ثُمَّ قَالَ: وَاللهِ لَا أَقْرَبُك فَقَرُبَهَا مَرَّةً لَزِمَهُ كَفَّارَتَانِ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رضي الله عنه، وَسَوَاءٌ كَانَ فِي مَجْلِسٍ أَوْ مَجَالِسَ.
وَرَوَى الْحَسَنُ أَنَّهُ إنْ نَوَى بِالثَّانِي الْخَبَرَ عَنْ الْأَوَّلِ صَدَقَ دِيَانَةً، وَهِيَ عِبَارَةٌ مُتَسَاهَلٌ فِيهَا، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يُرِيدَ بِالثَّانِي تَكْرَارَ الْأَوَّلِ وَتَأْكِيدَهُ.. وعن أبي حنيفة: إِذَا حَلَفَ بِأَيْمَانٍ؛ عَلَيْهِ لِكُلِّ يَمِينٍ كَفَّارَةٌ وَالْمَجْلِسُ وَالْمَجَالِسُ فِيهِ سَوَاءٌ..
وَمَا فِي الْأَصْلِ: مِنْ أَنَّهُ إذَا قَالَ: هُوَ يَهُودِيٌّ هُوَ نَصْرَانِيٌّ إنْ فَعَلَ كَذَا فَهِيَ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ، وَلَوْ قَالَ: هُوَ يَهُودِيٌّ إنْ فَعَلَ كَذَا هُوَ نَصْرَانِيٌّ إنْ فَعَلَ كَذَا فَيَمِينَانِ؛ يُفِيدُ أَنَّ فِي مِثْلِهِ تَعَدُّدَ الْيَمِينِ مَنُوطٌ بِتَكَرُّرِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ مَعَ تَكَرُّرِ الِالْتِزَامِ بِالْكُفْرِ] اهـ.
وفي حادثة السؤال: يقول السائل إنه حلف بقوله: أقسم بهذا المصحف الشريف ألا أتزوج بنت عمي إلى الأبد والنهاية مهما كانت الظروف والأسباب، وأنه كرر هذا القسم عشر مرات.
وتطبيقًا لما تدل عليه النصوص المذكورة: هذا الحلف يعتبر يمينًا شرعًا وهي يمين منعقدة، وإذا حنث السائل وتزوج بنت عمه المذكورة فإنه تجب عليه كفارات متعددة بعدد مرات الحلف، وإذا قال: إنه أراد بالتكرار التأكيد ومجرد الإعادة يصدق ديانة وفيما بينه وبين الله تعالى، وتجب حينئذ بالحنث كفارة واحدة.
ولفتت إلى أن كفارة اليمين هي المنصوص عليها في قوله تعالى: ﴿لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ﴾ [المائدة: 89].
وقال عليه الصلاة والسلام: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ، فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ، وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ» رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، والطعام ما أشبع البطن، والكسوة ما تستر البدن عرفًا.