ضرب الجفاف العالم وتسبب في جفاف الأنهار الكبرى في العديد من الدول مثل نهر الراين الشهير في ألمانيا ونهر الفرات، ونهر لوار ونهر دوردون في فرنسا، وكأنه إنذار للعالم بمدى خطورة أزمة التغير المناخي.
انحسار مياه الفراط في العراق
وانحسرت مياه نهر الفرات وانخفض منسوب المياه 7 أمتار، وأعلنت السلطات العراقية، أن البلاد تعاني من أزمة مياه تتفاقم يومًا بعد يوم، وذلك بدءًا من عدم التزام كل من تركيا وإيران بالاتفاقيات الدولية الموقعة والضامنة لحق كل دولة في الحصص المائية وتعديهما على حصص العراق، مرورًا بظروف داخلية مثل الفساد وسوء الإدارة والمحسوبية، وصولاً إلى مشكلة التغير المناخي وتقلص كميات الأمطار.
وأصبح العراق أرض دجلة والفرات وبلاد الهلال الخصيب يُعاني العطش للموسم الثالث على التوالي، مما أدى إلى تفاقم أزمة المياه التي تعتبر من أشد المخاطر الأساسية في العراق، ويعتمد العراق بشكل أساسي في تأمين المياه على نهري دجلة والفرات وروافدهما التي تنبع جميعها من تركيا وإيران، وقد أدّت المشاريع التّي ينفذها البلدان إلى تقليص حصص العراق المائية.
وأدى تراجع منسوب المياه في نهر الفرات إلى خروج مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية عن الخدمة مما يهدد سبل معيشة نسبة كبيرة من أبناء العراق وشمالي وشرقي سوريا الذين يعتمدون على الزراعة، حيث توقف العديد من محطات ضخ المياه الخاصة بالشرب أو الري في العديد من المناطق بسبب ابتعاد مجرى النهر عنها.
ومن أسباب انخفاض منسوب نهر الفرات أن تركيا أقامت 5 سدود عملاقة على نهر الفرات في إطار مشروع الغاب الذي بدأت العمل فيه في سبعينيات القرن الماضي، وما زال العمل جار في سدين آخرين، ومن بين السدود المقامة على النهر سد أتاتورك العملاق، حيث تبلغ الطاقة التخزينية لبحيرة السد 48 مليار متر مكعب، وأدت المشاريع التركية إلى تراجع حصة العراق من النهرين بنسبة 80% حتى قبل الأزمة الحالية بينما حصة سوريا انخفضت بنسبة 40%.
أسباب إنحسار الماء عن العراق
ومن جانبه قال الدكتور رائد العزاوي، رئيس مركز الأمصار للدراسات، إن المشكلة في العراق كبيرة نتيجة لجفاف نهر الفرات خاصة أن العراق دولة مصب لنهري الفرات ودجلة وهما ينبعان من تركيا، مروا بسوريا ثم وصولا للعراق، وبسبب قيام تركيا بإقامة العديد من السدود الضخمة على نهري دجلة والفرات تسببت في نقص إمدادات العراق من المياه.
وأضاف العزاوي، في تصريحات لـ “صدى البلد”، أن هناك مشكلة حقيقية كبيرة لدى إدارة الموارد المائية لدى العراق، وكان هناك إهدار كبير في هذه الموارد للأسف، وفي إيران قامت مجموعة كبيرة بتحويل المسارات إلى الأنهر الفرعية والتي تسقط في العراق ومنعت دخول المياه من هذه الأنهر، وللأسف الشديد استغلت إيران وتركيا الأوضاع السياسية في العراق، وأضروا كثيرا بنهري دجلة والفراط في العراق.
وأوضح العزاوي، أن العراق تقدم بالكثير من القضايا وأن هناك عدة اتفاقيات بين العراق وإيران وتركيا ولكن لم تلتزم الدول بذلك، وهناك سعي من قبل قيادات حكومة كاظم لإيجاد حلول ومن أجل البحث عن مخارج، وهناك شكوى قدمت للأمم المتحدة فيما يخص تركيا وإيران، في مسألة تحويل مسارات مياه الأنهر تجاه العراق، وكذلك وزارة الموارد المائية تعمل على حل المشكلة، ولكن درجة الحرارة في العراق صعبة وعالية جدا لذلك فحل المشكلة صعب جدا، ولكن نأمل أن تحل الأزمة.
جفاف نهر لورا في فرنسا
وأدى تغير المناخ إلى جفاف نهر لوار الذي ينبع من جبال إقليم الأرديش جنوب شرقي فرنسا ويمتد مساره حتى يصب في المحيط الأطلسي، واشتد الجفاف في فرنسا، مما أدى إلى انتفاء المياه من النهر تقريبا وهذا لم يحدث منذ أكثر من 5 قرون، وتستمر حرائق الغابات في فرنسا رغم وصول فرق الإطفاء من الدول الأوروبية.
وتواصل فرنسا تسجيل أرقام قياسية على صعيد الجفاف، مما أدى إلى تضاءل كميات المياه الجارية في أنهارها العظيمة، مثل نهر لوار ونهر دوردون، واختفت المياه كليا في بعض المناطق مثل البحيرات الإقليمية والخزانات، وصار أغلب مواطني فرنسا يخضعون لنوع من القيود على استخدام المياه، وفي بعض المناطق تم تقنين مياه الصنابير وقطعها تماما مع نفاد الإمدادات، بعد أن كان يضرب المثل بفرنسا في وفرة المياه.
سبب جفاف نهر لورا
ومن جانبه قال خالد شقير، الخبير في الشأن الفرنسي، إن موجة ارتفاع درجات الحرارة التي تشهدها فرنسا في الأيام الأخيرة، هي ما أدت لقلة الأمطار والجفاف الذي تشهده معظم أجزاء البلاد وبصفة خاصة في الجنوب الغربي ووسط والجنوب الشرقي لفرنسا، وتسبب ذلك في الفترة السابقة إلى أن أزمة الجفاف أثرت على حوالي 100 مدينة وقرية في إحدى المناطق ما أدى إلى إمداد بمياه الشرب الأمطار قلت بنسبة كبيرة جدًا ومن المتوقع خلال الخمس السنوات القادمة أن تقل بنسبة من 10-20%.
وأضاف شقير في تصريحات لـ “صدى البلد”، أن السلطات المحلية في هذه المناطق قامت بإصدار قرارات وقوانين منع رش وري الحدائق العامة و أيضًا كانت هناك مطالبات بمنع ري ملاعب الاسكواش في هذه المناطق من قبل بعض الجمعيات المحافظة على البيئة مثل مدينة تروز
وهناك حركة من التمرد ضد الانقراض من قبل مجموعة من النشطاء من أنصار البيئة.
وأوضح شقير أن موجة الحر هذه نتجت عن قلة تساقط الأمطار المرتبطة بالتغير المناخي وهذه الظاهرة لم تحدث في فرنسا فقط بل وصلت لبعض الدول الأوروبية، مضيفا أن الحكومة الفرنسية تحاول أن تجد مخرج من تلك الأزمة وهذا جعل الرئيس الفرنسي يؤكد على أنه سيلتقي بكل السلطات المحلية في الأماكن التي شهدت حرائق في الغابات في محاولة إيجاد حلول والتعرف على مطالب هذه المناطق.
ولفت شقير أنه خلال هذه الفترة تتعرض بعض المناطق لبعض الأمطار الرعدية التي أدت إلى انتهاء حصار بعض الحرائق التي كانت منتشرة إلا أن بعضها لم يتم السيطرة عليها، كما أن مشكلة الجفاف تؤرق الفرنسين وبصفة خاصة العاملين في مجال الانتاج الزراعي والحيواني في ظل ارتفاع أسعار الطاقة وانخفاض معدل الأنهار والجفاف التي تشهدها فرنسا سيتسبب في مشاكل أخرى لو لم يتحرك العالم لإيجاد حل.
إنقراض الجبن التقليدي في فرنسا
ويذكر أنه من أبرز تداعيات الوضع في فرنسا، أن أصبح الجبن التقليدي إحدى ضحايا الجفاف الذي يضرب فرنسا، بعد أن توقف إنتاج جبن السالير في منطقة أوفيرني الوسطى، بسبب نقص العشب الذي تحتاجه الأبقار، ودرجات الحرارة الحارقة هذا الصيف أصابت معظم المزارعين الـ76 الذين يُستخدم حليب أبقارهم في إنتاج جبن سالير باليأس، بعد أن تحولت مراعيهم الخضراء إلى اللون الأصفر بسبب الجفاف، وتم اتُّخاذ قرار بوقف إنتاج الجبن مؤقتاً على أمل أن تهطل الأمطار في سبتمبر، وتعود المراعي لطبيعتها.
ويُتوقع أن ينخفض محصول الذرة بنسبة 18.5% هذا العام، وقال المزارعون إن محاصيل الحبوب والفاكهة والخضروات الأخرى تعاني أيضاً.
جفاف نهر الراين في ألمانيا
وانخفضت مستويات نهر الراين، وهو أكبر الأنهار في ألمانيا، بسبب الجفاف المستمر في ألمانيا وأماكن أخرى في أوروبا، مما زاد من تقييد توزيع الفحم والبنزين والقمح والسلع الأخرى.
انخفض منسوب المياه في كاوب بالقرب من فرانكفورت- نقطة وسيطة رئيسية حيث يكون الممر المائي أقل عمقًا من أي مكان آخر على النهر- إلى أقل من 40 سم وهو المستوى الذي لم يعد مناسبًا للعديد من المراكب لعبور النهر، وهذا المستوى يفرض مزيدا من الأعباء الاقتصادية على العديد من الحركات التجارية لمراكب عبور النهر.
ووفق تقدير نشرة يومية صادرة عن إدارة الممرات المائية والشحن الفيدرالية الألمانية، كانت مناسيب المياه في الممر المائي الرئيسي منخفضة لمستوى غير عادي في هذه المرحلة من العام، ويُرجح أنها ستشهد انخفاضا آخر خلال الأيام المقبلة، ولكن توقعات الطقس للأيام الـ14 المقبلة تتنبأ بارتفاع مستويات المياه من منتصف الأسبوع المقبل.
سبب جفاف نهر الراين
ومن جانبه قال محمد صلاح، المستشار الاجتماعي بشؤون اللجوء والهجرة، ومؤسس أمانة المهاجرين بالحزب الاشتراكي الديمقراطي الحاكم SPD بولاية براندنبورغ، إن أنهار أوروبا جافة جدًا ومنخفضة جدًا وحارة جدا، نستطيع القول أنهارنا تجف، بينما تنخفض مستويات المياه في الأنهار الكبيرة كنهر الراين الشريان الحيوي لألمانيا وفرنسا وسويسرا.
وأضاف صلاح في تصريحات لـ "صدى البلد"، أن الاحتباس الحراري أو التغير المناخي العالمي من صنع الإنسان وتأثيره كبير وخطير ومدمر على البشر وعلى والتنوع البيولوجي والمياه، وإن درجات الحرارة الأكثر دفئًا وزيادة التبخر وتغير نظام هطول الأمطار لها تأثير مباشر على توازن المياه، مضيفا في الواقع يتسبب استمرار الحرارة بسبب تغير المناخ في قلة الأمطار في أجزاء كبيرة من أوروبا مما تسبب في جفاف العديد من الأنهار الكبيرة.
وأشار إلى أن هذا له عواقب وخيمة ليس فقط على البشر وانما الحيوانات والزراعة التي ستتغير ملامحها كثيرا وان لم يكن كليا وأيضا على الاقتصاد المعتمد على النقل النهري كحال شركة بوش العالمية التي تعتمد على 40 % من نقل مواد الخام عبر الأنهار إلا أنه الأن لم يوجد تأثير ملحوظ حسبما صرح مسؤول بالشركة الكيميائية.
أهمية الطرق المائية في أوروبا
وقال المستشار الاجتماعي بشؤون اللجوء والهجرة، إن القنوات المائية في أوروبا تعتبر طرقًا اقتصادية مهمة وأنظمة بيئية ومعالم المدن التي تتعرج من خلالها منذ قرون عده، ولكن مع ارتفاع درجات الحرارة والجفاف الذي طال أمده الذي تعاني منه البلدان في جميع أنحاء القارة، أصبحت الأنهار منخفضة أو شديدة الحرارة.
وأضاف صلاح أن نهر الراين المياه به منخفضه، وعادة يبلغ متوسط العمق في النهر حوالي مترين في هذا الوقت من العام. ومع ذلك فقد انخفض الآن في عدة أماكن إلى ما دون المتر، وهو ليس بعيدًا عن مدينة كوبلنز الألمانية، حيث كان منسوب المياه 56 سم فقط في بداية شهر أغسطس كما صرحت الجهات المعنية.
وتابع: "يعتبر نهر الراين من أكثر الممرات المائية ازدحامًا في العالم. يتسبب انخفاض المياه في فرض قيود صارمة على سفن الشحن من أجل عبور عنق الزجاجة بالقرب من كوبلنز محملة بالكامل، على سبيل المثال، ستحتاج السفن إلى عمق مياه يبلغ 1.50 متر، ولا يمكن تحميل السفن إلا لجزء بسيط ، مما يزيد من أسعار البضائع التي تنقلها، وإذا لم ترتفع المياه قريبًا، فلن تتمكن بعض السفن من الإبحار على الإطلاق".
وأكد أنه لم يعد أمام الحكومات والشعوب حول العالم بالتضامن سويا وبادراك حجم وخطورة الامر الذي يهدد وجود البشرية بأسرها بسبب خطورة التغير المناخي الذي تسبب فيه الانسان وحده ويتحمل هذا الوزر وحده.
وأكمل صلاح قائلا: "من موقعي هذا انظر بنظرة تفاؤل وأمل عن مؤتمر المناخ القادم بمصر النسخة Cop27 والذي سوف يكون له وضع خاص جدا خصوصا بعدما ظهرت جليا تحولات وكوارث تعاني منه البشرية من هذا التغير".
وأشار إلى أن هذا المؤتمر الخاص بالمناخ فرصه واعده لمصر بأن تقدم نفسها بشكل لائق وحضاري وتستغل الفرص الواعدة التي سوف تتجه لها دول العالم خصوصا الدول الصناعية التي تسعي للاعتماد على الطاقات النظيفة كالهيدروجين الأخضر.
موجة جفاف تضرب أوروبا
وتشهد أوروبا أشد جفاف منذ عقود، في ظل حالة انخفاض منسوب المياه في عدد من الأنهار والبحيرات، بسبب ارتفاع درجات الحرارة وقلة الأمطار، وهذا الأمر جعل الحكومة البريطانية، تُعلن رسميا، حالة الجفاف في جنوب، ووسط وشرق المملكة، بسبب ارتفاع درجات الحرارة وقلة الأمطار، وهو الأمر الذي دفع المجموعة الوطنية للجفاف، التابعة لوكالة البيئة البريطانية، للإعلان أن الحكومة ستفرض قيودا على الاستخدام التجاري للمياه في المناطق المتضررة، إثر إعلان حالة الجفاف النادرة.
وفي ظل هذا الصيف الحار والجاف سجل أرقاما قياسية في درجات الحرارة في جميع أنحاء الدول الأوروبية، بدأت أنهار القارة تتبخر، وفي مواجهة هذه الموجة الحارة غير المسبوقة في بريطانيا، تم إلغاء العديد من رحلات القطارات، وسجلت أكثر من 20 محطة أرصاد جوية في فرنسا، أعلى درجات الحرارة على الإطلاق، واندلعت حرائق الغابات في العديد من المناطق في فرنسا وإسبانيا والبرتغال وإيطاليا واليونان، وفق تقارير صحفية.
أما في القارة الآسيوية، فقد وصلت درجة الحرارة في بعض المقاطعات الصينية، إلى نحو 40 درجة مئوية، وبلغت في شنغهاي 40.9 درجة، وهي أعلى درجة حرارة تعرفها المدينة منذ بدء رصد درجات الحرارة في سنة 1873، ولم تحدث سوى مرة واحدة كانت في سنة 2017.
وأدت ظاهرة التغير المناخي إلى تفاقم الجفاف في أوروبا، وتأجج الأمر بسبب الصيف غير الطبيعي هذا العام، حيث قللت الحرارة الشديدة من إمدادات المياه الجوفية، كما تضررت الأنهار كثيرا، واختزلت صورة تداولها رواد مواقع التواصل لنهر لوار، التأثير الهائل الذي تركه تغير المناخ، حيث أظهرت جسرا يمر فوق النهر، لكن لا مياه تتدفق تحت الجسر، إنما أرض جرداء تتخللها بقع مائية متناثرة هنا وهناك.