الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

كان أحد العودة

د غادة جابر
د غادة جابر

الأحد هو يوم العودة إلي العمل، فكان الأحد الرابع عشر من أغسطس، يوماً عادياً ، ذهبتُ إلي عملي ، وفي طريقي أستمعُ ، إلي الإذاعة ، فهي أفضل رفيق لي في الطريق ، وبينما في الدقيقة الأولي من التاسعة صباحاً ، استمعت لخبر نشوب حريق في كنيسة بمنطقة إمبابة ، كان سماعي للخبر وقت وصولي إلي محل عملي ، اتجهت إلي مكتبي وأنا أدعو يارب سلم ، فاليوم الأحد يوم قداس وصلاة في الكنيسة وعودة ! ، ولم يمض سوى ساعة واحدة ، إلا وكان اتصال من زميلي ، يسألني بنبرة صوت حزينة ، عرفتي سبب حريق كنيسة إمبابة ؟ فأجبت معرفتش حاجة إلا خبر سمعته من الإذاعة  ، فرد متأثراً " في ناس كتير جوه " سألني بحكم اهتمامي الدائم بمعرفة الأخبار وقراءتها ، وانتهت المكالمة ، وأسرعتُ باحثة عن حريق كنيسة إمبابة ، إلا ووجدتُ مؤشر البحث في جوجل أكمل باقي الجملة ، فكان الأكثر بحثاً ، حريق كنيسة أبو سيفين بإمبابة. 

مأساة بكل المقاييس ، خبر الحريق تحول إلي فاجعة إنسانية ، التهمت النار ذلك المبني ، الكائن في عمارة سكنية ، بحارة تكتظ بالسكان الطيبين  " كثافة سكانية "، الذين أتخذوا كنيسة أبو سيفين ، مكان العبادة والقداس والصلاة ، وبها أيضاً حضانة ترعي الأطفال من أبناء الحي ، وكانت الحضانة ممتلئة بالأطفال بحكم أحد العودة !، توجهتُ إلي مستشفى العجوزة التي استقبلت ، عدد من الضحايا و المصابين ،أكثر من عشرون متوفي بينهم عشرة أطفال ، وحالات الإصابة تم خروجهم من المستشفى إلا حالة واحدة بالعناية المركزة ، وكان ذلك تصريحاً من مدير المستشفى ، أعانه الله علي تكبد هذا اليوم الصعب المأساوى ، و كانت الزيارة بعد التشاور بيننا مجلس الشباب المصرى ، من أجل ذهابنا وفداً ، يقوم بدوره في العمل بالمجتمع المدني ، والعمل الإنساني ، فكان هدفنا ، مواساة أهالينا ، من أهالي الضحايا ،  والاطمئنان علي المصابين ، ومتابعة حالتهم الصحية ، وشهادة حق وجدنا خلية نحل تعمل بجد وقوة ورحابة في هذا الحدث الجلل ، وما كان إلا مشهد تقشعر له الأبدان ، وفوداً كثيرة مهرولة إلي مكان الحدث ، يتسارعون  لتقديم أى شئ قد يهون أو يسعف في هذا المصاب ، أهالينا في كل مكان بين الصراخ والبكاء والأنين ، شاهدت عدد كبير من الصناديق التي تحمل الموتي إلي مثواهم الأخير مشهد العودة ! ، وسط صراخ وكلمات رغم نطقها بوهن ، إلا أنها حادة تقطع القلب ، وتبكي العين. 

الوداع أصعب اللحظات ، بل لحظة وداع كارثية ، وهنا يتحدث الوطن نحن هنا ، لأن المصيبة حدثت في وطني ، وأصابت أبناء وطني ، بكينا ، وعانينا ممن شاهدناه ، واسينا الأهالي ، احتضناهم ، متمنيين أن نخفف عنهم ألامهم ، دعونا للمصابين أن ينجيهم الله ويعودوا لحياتهم ، نسينا تماماً خانة الديانة ، واختلاف الأسماء ، وما وجدنا إلا وحدة لا فرق بيننا ، حب حقيقي وتبادل مشاعر لا أستطيع وصفه ، مواقف نبيلة دائماً بيننا ، هنا يتحدث ويتصرف المصريون ، فقط المواطنة التي تجمعنا ، وعن سبب الحريق ، فالرواية الأكثر وضوحاً ، أن كنيسة أبو سيفين ، التي تقع في عمارة في منطقة بها كثافة سكانية ، في تمام الثامنة صباحاً ، أنقطع التيار الكهربائي ، فحاولوا أن يعيدوا الكهرباء للكنيسة بعد مرور نصف ساعة عن طريق ، تشغيل المولد الكهربائي ، الذى عمل علي إحداث ماس كهربائي أدى إلي الحريق في تمام التاسعة إلا عشر دقائق ، ففر المصلون إلي الدور الأعلى وأغلقوا الباب عليهم خوفاً من الحريق ، فكان الدخان عبأ الدور وأحدث اختناقا بينهم مما أدى إلي حالات الوفاة ، ربط الله علي قلب كل من فقد عزيز في هذا المصاب الجلل ، " فخورة بمصريتي "