يشهد العالم موجة من تغير المناخ لم يشهدها على مر التاريخ، وضرب الجفاف قلب أوروبا، متسببا في انخفاض مستويات أنهار كبرى مثل نهر الراين الشهير إلى مستويات قياسية، وتوقف الجريان بشكل تام في نهر لوار الذي يمر في الأراضي الفرنسية، وكأنه ينذر العالم بمدى خطورة أزمة التغير المناخي.
جفاف نهر لوار
وينبع نهر لوار من جبال إقليم الأرديش جنوب شرقي فرنسا ويمتد مساره حتى يصب في المحيط الأطلسي، وفقا لسكاي نيوز عربية، واشتد الجفاف في فرنسا، مما أدى إلى انتفاء المياه من النهر تقريبا وهذا لم يحدث منذ أكثر من 5 قرون، وتستمر حرائق الغابات في فرنسا رغم وصول فرق الإطفاء من الدول الأوروبية.
وتواصل فرنسا تسجيل أرقام قياسية على صعيد الجفاف، مما أدى إلى تضاءل كميات المياه الجارية في أنهارها العظيمة، مثل نهر لوار ونهر دوردون، واختفت المياه كليا في بعض المناطق مثل البحيرات الإقليمية والخزانات، وصار أغلب مواطني فرنسا يخضعون لنوع من القيود على استخدام المياه، وفي بعض المناطق تم تقنين مياه الصنابير وقطعها تماما مع نفاد الإمدادات، بعد أن كان يضرب المثل بفرنسا في وفرة المياه.
وأدت ظاهرة التغير المناخي إلى تفاقم الجفاف في أوروبا، وتأجج الأمر بسبب الصيف غير الطبيعي هذا العام، حيث قللت الحرارة الشديدة من إمدادات المياه الجوفية، كما تضررت الأنهار كثيرا، واختزلت صورة تداولها رواد مواقع التواصل لنهر لوار، التأثير الهائل الذي تركه تغير المناخ، حيث أظهرت جسرا يمر فوق النهر، لكن لا مياه تتدفق تحت الجسر، إنما أرض جرداء تتخللها بقع مائية متناثرة هنا وهناك.
وانحسار منسوب نهر الراين، إلى مستوى منخفض بسبب الجفاف المستمر في ألمانيا، وأماكن أخرى في أوروبا، زاد من تقييد توزيع الفحم والبنزين والقمح، والسلع الأخرى وسط أزمة طاقة تلوح في الأفق.
ومنسوب المياه في بلدة كاوب بالقرب من فرانكفورت انخفض إلى أقل من 40 سنتيمترا، بعد ظهر يوم الجمعة الماضية، وهو مستوى يفرض مزيدا من الأعباء الاقتصادية على العديد من الحركات التجارية لمراكب عبور النهر.
ووفق تقدير نشرة يومية صادرة عن إدارة الممرات المائية والشحن الفيدرالية الألمانية، كانت مناسيب المياه في الممر المائي الرئيسي منخفضة لمستوى غير عادي في هذه المرحلة من العام، ويُرجح أنها ستشهد انخفاضا آخر خلال الأيام المقبلة، ولكن توقعات الطقس للأيام الـ14 المقبلة تتنبأ بارتفاع مستويات المياه من منتصف الأسبوع المقبل.
بريطانيا تعلن حالة الجفاف
وتشهد أوروبا أشد جفاف منذ عقود، في ظل حالة انخفاض منسوب المياه في عدد من الأنهار والبحيرات، بسبب ارتفاع درجات الحرارة وقلة الأمطار، وهذا الأمر جعل الحكومة البريطانية، تُعلن رسميا، حالة الجفاف في جنوب، ووسط وشرق المملكة، بسبب ارتفاع درجات الحرارة وقلة الأمطار، وهو الأمر الذي دفع المجموعة الوطنية للجفاف، التابعة لوكالة البيئة البريطانية، للإعلان أن الحكومة ستفرض قيودا على الاستخدام التجاري للمياه في المناطق المتضررة، إثر إعلان حالة الجفاف النادرة.
وزير الري الجديد يفسر أسباب حرائق و موجة الجفاف في أوروبا.
كشف الدكتور هاني سويلم وزير الري والموارد المائية الجديد عن أسباب حرائق و موجة الجفاف في أوروبا، عبر حسابه الرسمي بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، مجيبا على تساؤل ماذا فعلت التغيرات المناخية بالجانب الأخر من المتوسط هذا الصيف؟
وأجاب الدكتور هاني سويلم قائلا: تقريبا نصف أوروبا تعاني هذا الصيف من جفاف غير مسبوق .. موجات حرارة و حرائق في غابات إسبانيا، البرتغال، إيطاليا و فرنسا. بالإضافة إلي نقص في كميات الأمطار و بالتالي جفاف الطبقات المختلفة للتربة و عجز الأشجار و النباتات في الحصول علي المياه المطلوبة و هو ما تعاني منه هذا الصيف إيطاليا و معظم فرنسا وسط ألمانيا و شرق المجر و البرتغال و شمال إسبانيا.
وتابع سويلم "نقص الأمطار أدي إلي نقص تدفق المياه في الأنهار و بالتالي نقص في محطات توليد الكهرباء المعتمدة علي المياه (الكهرومائية) و كذلك عجز في مياه الري وانخفاض منسوب المياه في الأنهار أدي إلي تقييد حركة الملاحة كما في حالة نهر الراين وانخفاض منسوب المياه الجوفية أيضا أدي إلي تهديد مياه الشرب.
وأوضح سويلم أنه في فرنسا يعاني الفلاحين من عدم القدرة علي إستمرار رعي الماشية لجفاف المراعي و كذلك توقف عمليات ري الأراضي في العديد من المناطق لعدم توفر المياه.. مما سيؤدي ذلك إلي التأثير علي إنتاج القمح الفرنسي كرابع أكبر منتج للقمح مما سيضيف بعدا جديدا لأزمة الغذاء العالمية خاصة في ظل الحرب الروسية الأكرانية كأكبر منتجي للقمح.
وأكد سويلم أنه علينا في مصر إلا ننتظر كثيرا لمواجهة التغيرات المناخية التي تتجلي لنا اثارها يوما بعد يوم ... درجات الحرارة المرتفعة في مصر تجبر الفلاح علي استهلاك مياه أكثر في الري و تساهم في زيادة البخر من المسطحات المائية و زيادة السحب من الخزان الجوفي ... كل هذا اعتبره الفاتورة الأولي التي ندفعها لمواجهة تأثير التغيرات المناخية علي الاستهلاك المائي داخل حدودنا و هناك الفاتورة الثانية و التي لابد أن نتعامل معها و هي التغيرات المناخية و تأثرها علي مواردنا المائية التي تأتي من خارج حدودنا و التي تمثل 97% من إجمالي المورد المائية المتجددة لمصر.
الصيف الأشد حرارة على مر التاريخ
في ظل هذا الصيف الحار والجاف سجل أرقاما قياسية في درجات الحرارة في جميع أنحاء الدول الأوروبية، بدأت أنهار القارة تتبخر، وفي مواجهة هذه الموجة الحارة غير المسبوقة في بريطانيا، تم إلغاء العديد من رحلات القطارات، وسجلت أكثر من 20 محطة أرصاد جوية في فرنسا، أعلى درجات الحرارة على الإطلاق، واندلعت حرائق الغابات في العديد من المناطق في فرنسا وإسبانيا والبرتغال وإيطاليا واليونان، وفق تقارير صحفية.
أما في القارة الآسيوية، فقد وصلت درجة الحرارة في بعض المقاطعات الصينية، إلى نحو 40 درجة مئوية، وبلغت في شنغهاي 40.9 درجة، وهي أعلى درجة حرارة تعرفها المدينة منذ بدء رصد درجات الحرارة في سنة 1873، ولم تحدث سوى مرة واحدة كانت في سنة 2017.
وبحسب تقرير للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، سترتفع درجات الحرارة في المناطق الأوروبية بسرعة تفوق أي منطقة أخرى، ويؤكد علماء في المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، أن هذا النوع من موجات الحرّ، كمثل الذي تشهده أوروبا في الوقت الحالي، سيكون أمرا طبيعيا في المستقبل نتيجة لتغيُّر المناخ.
من جانبه، حذر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في وقت سابق من أن “نصف البشرية في منطقة الخطر”، وهي تواجه الفيضانات والجفاف والعواصف الشديدة وحرائق الغابات.
هذا وقد تسببت الكوارث المرتبطة بالمناخ والطقس خلال السنوات العشر الماضية في موت أكثر من 400 ألف إنسان، وأثرت على 1.7 مليار آخرين، وشردت نحو 25 مليون شخص كل عام في جميع أنحاء العالم، بما فيها انخفاض الناتج الاقتصادي، واضطراب النظم الصحية، وانقطاع التيار الكهربائي.