الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أسرى الثانوية العامة

نهال علام
نهال علام

تتلاحق، تتلاطم، تتعاقب سنوات الحياة، تمضي أيامها ولكن يعلق بثوب ذكرياتها بعض أحداثها، قد تكون أدران حزن أو أجراس فرح، كلها أمواج يلفظها القلب! والموج رهن مد وصُنع جذر بحسب حركة القمر، وهكذا تتماوج الذكرى كما الشراع في وجه الرياح، ورياح اليوم هي واقع الأمس البعيد أو لحظات مرّت فاعتقدنا أن القادم هو فقط أيام من العُمر السعيد.

أحداث لا تفقد ألقها وكلما مرت بك ذكراها يشتد وطأها، تدك روحك بلا هوادة وكأنما كتب لها العوادة، وكأنها صخرة سيزيف تأخذ في مجراها كل من يعتقدها مجرد طيف، إنها الثانوية العامة التي تلعب بالأسرة لعبة القطة العامية، فكما قيل عن تلك القِطة في الأثر إذا زارتك في المنام فهى دلالة أن هناك من يمكر لك بلا هوادة، ولكن تلك الشهادة الثانوية ضيفة ثقيلة وقادر الله أن يكف عنها تلك العادة، تستوطن البيوت والعقول نهاراً وتحتل الكوابيس وتنزع عن راحة البال المتاريس، فلا تدركها إلا بعد أن تتركها.

ولن أبالغ إذا اعترفت أن بعبع الثانوية العامة يظل يطاردك حتى لو تخرجت، فما دمت من أهل الأرض فأنت أسيرها ولو تذمرت، وها نحن في أسبوع قاسي حتى المتفوقين هم من أصحاب المآسي، فسيبدأ الصراع في البيوت حول تنسيق الرغبات وبين إرادة الأباء وحق الأبناء أعوام وأفكار وابداع يذهب هباء، ولم كل ذلك! إنها وراثة لتركة ثقيلة من أولياء أمور غالبيتهم خريجي حقبة عقيمة، كان فيها التعليم ذو أبعاد عميقة، يضرب في تلابيب رأسك ليوسع الجذور لشجرة الحفظ العتيقة.

حافظ وليس بفاهم، شعار جيل تربى على الدروس الخصوصية وعدم احترام مواعيد الحصص المدرسية، واحتراف مهنة الاجازات المرضية وذلك قبل بدعة (سناتر) التفوق الوهمية، نعم إنها تركة بائسة ورثناها لأجيال صنعنا بداخلها أشباح يائسة.

فمن ورقة الإجابات للبابل شيت كتب على الطالب أن يظل للخوف رفيق، الأهل ترعرعوا على صم الأذان وصم المناهج وهؤلاء الأبناء في جيل أكبر تحدياته أن الغير قادر على الفهم والتحليل سيصبح عويل، وتلك أصل المشكلة أن الطالب الذي تربى على كلمة أحفظ دروسك احتار عندما أوجدوا له نظام تعليمى آلية التعامل معه أفهم دروسك!

جيل الآباء الذي تربى على أن التفوق ترجمته مجموع، يزيد عن المائة في المائة وذلك فتح كلام لأي موضوع!
وما دون ذلك هراء وضياع لمجهود الأهالي وتبديد لأموالهم وكأنها ذهبت هباء! ولّى هذا الزمن العابس عزيزي الدارس نحن الآن في عهد التكنولوجيا التى تعتمد على حواسك مجتمعة وليس على ملكة الحفظ منفردة، فلم كل هذا العويل وصرخات التهويل، فكيف لليلة الامتحان وصبيحة اليوم الذي يجب أن يُكرم فيه المرء على قَدر عمله هو موعده مع أن يُهان!

تغير العالم وتطورت الحياة واختلف الطَرح، جيل مرّ بالكثير من نيران النضج الهادئة فهم أبناء الثورات والأوبئة ولازلنا نولول على أن مستوى الامتحان جاء في مستوى طالب تربى على مشاهدة باتمان! لا تستهينوا بقدرات هذا الجيل فهى لو تعلمون عظيمة، ولكنها كالجواهر المدفونة بحاجة لخبير وصبر كثير.

فليذهب جمود الأفكار للجحيم ورعب ما يربو على ٧٠٨ ألف طالب للزمهرير، هناك عدد لا يستهان به من هؤلاء الطلاب لم يكن أهلاً لنظام الثانوية العامة ولكن الأسر الكلاسيكية التى تُنكر وجود البدائل الفنية والتجارية والعسكرية هي من ألقت بأبنائها في هوة التقليدية والرجعية، لم تنهض ألمانيا إلا بالتعليم الفني وذلك حال الدول التي تسعى للتغيير الجذري.

أتعجب في هذا الزمن أن تكون كلمة القمة لها ثمن، عزيزي الطالب القمة ليست في مجموع درجاتك إنما في محصلة هواياتك وابداعاتك، فقد تكون خريج أحدى كليات الكِريمة مجتمعياً ولكن لن تحظى بحياة كَريمة نفسياً فلن تغادر القاع ما دمت تحيا دون صراع لتنتصر لذاتك وما يشبع حواسك وتفعله بإحساسك.

أيام ونبدأ عام دراسي جديد، وعلى كل الأسر أن تُعد أبنائها بما يلزم رحلة زمانهم من المعرفة والعلوم والقراءة والثقافة والفنون، وعندها سيكتشف الطالب ذاته وبواطن مهاراته، ولن يشكل الامتحان عائقاً فسيصبح فقط حدثاً مارقاً يعبر منه لضفة الحلم المأمول فيحيلها لواقع ملموس، وكما قال جبران أبنائكم هم أبناء الحياة فاتركوهم لما تطلبه الحياة، وارحموهم من ميراث الخوف والقلق فيكفيهم تركة العصر من مستحدثات هذا العصر.