منذ حطت طائرة رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي على أرض تايوان، ومن قبلها أيضًا، شرعت الصين في تحركات عسكرية في بحريها الشرقي والجنوبي، شملت تحليق مقاتلات صينية في مجال تايوان الجوي وإطلاق صواريخ باليستية بعيدة المدى، هدفت بكين من خلالها إلى التلويح بعدم ترددها في استخدام القوة لردع أي محاولة لدعم استقلال تايوان نهائيًا عن السيادة الصينية.
وفرضت الصين كذلك عقوبات على تايوان ردًا على استقبالها رئيسة مجلس النواب الأمريكي، شملت منع استيراد منتجات غذائية تصدرها تايوان بكميات كبيرة إلى الصين، وخاصة الأسماك، حيث أوقفت بكين الواردات من أكثر من مائة من منتجي الأغذية في تايوان.
كما أوقفت الصين تصدير الرمال إلى تايوان، التي تعتمد على الرمال الصينية في مشروعات البناء.
شيء واحد فقط أُخرج من معادلة الصراع والعقوبات بين الصين وتايوان: الإلكترونيات، التي لا يقوم لاقتصاد الصين قائمة بدونها، والتي تربط الاقتصادين الصيني والتايواني برباط حديد يصعب فصمه.
تايوان قوة قبالة سواحل الصين
تقع تايوان على مرمى حجر من سواحل الصين الجنوبية الشرقية، ويبلغ عدد سكانها 23 مليون نسمة، وتشتهر بصناعاتها الإلكترونية المتقدمة عالية المستوى
وبحسب إذاعة "دويتشه فيله" الألمانية، تحتل صناعة أشباه الموصلات مكانة شديدة الأهمية في اقتصاد تايوان وقطاعها الصناعي.
ويحتل قطاع الصادرات 70% من الناتج الاقتصادي لتايوان، وفي حين أن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في الصين في عام 2021 كان 12 ألفًا و295 دولارًا، كان في تايوان أعلى بثلاث مرات تقريبًا عند 33 ألفًا و775 دولارًا، وفقًا لبيانات صندوق النقد الدولي.
الاقتصاد.. الرابط الحديدي بين الصين وتايوان
وبشكل عام، تعد الصين الشريك التجاري الأهم لتايوان، تليها الولايات المتحدة. ويذهب أكثر من 42٪ من صادرات تايوان إلى الصين، فيما تحصل تايوان على حوالي 22٪ من وارداتها من الصين. وفي عام 2020، تم تبادل سلع وخدمات بقيمة 166 مليار دولار بين البلدين.
وتُعد تايوان أيضًا من أكبر المستثمرين في الصين، ووفقًا لبيانات حكومية تايوانية، استثمرت شركات تايوانية بين عامي 1991 و2021 نحو 194 مليار دولار في 44 ألفًا و577 مشروعًا صينيًا.
وتُعد شركة فوكسكون التايوانية لصناعة الرقائق من أبرز الأمثلة على الترابط الوثيق بين اقتصادي الصين وتايوان، فالشركة التي تنتج هواتف "آيفون" لشركة "آبل" الأمريكية وتنتج هواتف "جالاكسي" لشركة سامسونج الكورية الجنوبية وتنتج لوحات مفاتيح الألعاب لشركة "سوني" اليابانية، إنما تصنع منتجاتها في مصانع منتشرة بطول أراضي الصين وعرضها.
وبشكل مبسط، تزود الصين تايوان بالمواد الخام الرئيسية مثل العناصر الأرضية النادرة والمنتجات الإلكترونية رخيصة التكلفة، بينما تصدر تايوان أشباه الموصلات والمكونات البصرية المتطورة إلى الصين لتعويض افتقار الأخيرة إلى المعرفة الفنية.
وتضع الصين نصب عينيها امتلاك القدرة على إنتاج رئائق إلكترونية عالية الجودة، ويُعد ذلك أحد الجوانب الرئيسية لمبادرة "صنع في الصين 2025" العملاقة.
غزو تايوان.. متى يصبح الوقت مناسبا للصين
يعتقد خبراء أنه بمجرد وصول الصين إلى القدرة على إنتاج رقائق عالية الجودة، ستصبح حاجتها إلى تايوان أقل، وبالتالي تصبح إمكانية غزوها وضمها بالقوة إلى السيادة الصينية أكبر.
والحقيقة أن الصين لم تكلف نفسها إخفاء هدفها المتمثل في إعادة توحيد تايوان مع البر الرئيسي الصيني بحلول الذكرى المئوية الأولى لتأسيس جمهورية الصين الشعبية عام 2049 على أبعد تقدير، وبالقوة إذا لزم الأمر.
يقول الخبير الأمني ورئيس لجنة الشئون الخارجية بالبرلمان الألماني رودريش كيسفيتر إن الصين ستصبح قادرة على ضم تايوان في وقت أبكر بكثير من ذكرى تأسيسها المئوية.
وأوضح كيسفيتر في حديث لإذاعة دويتشه فيله "حتى الآن كانت هذه هي معاييرنا، لدرجة أننا قلنا إنه إذا استطاعت الصين إنتاج أشباه الموصلات بنفس الدقة والسرعة والكمية مثل تايوان - وربما قد لا يحدث ذلك قبل عام 2027 - فمن المحتمل أن تنقض الصين على تايوان، لكن هناك اتجاهًا في الصين الآن يقول إن الغرب حاليًا مشغول للغاية بالحرب ضد روسيا ودعم أوكرانيا". ويرى أنصار هذا الاتجاه في بكين أن الولايات المتحدة لا تستطيع خوض حربين على جبهتين.
ويعتقد كيسفيتر أن الصين ليست مستعدة الآن لغزو تايوان بعد. ومع ذلك، يحذر قائلًا "علينا الاستعداد للتصعيد بسرعة أكبر لكن ليس في الأشهر القليلة المقبلة".
الاقتصاد الأول بالعالم.. عندئذ تنتصر الصين
يقول أستاذ العلوم السياسية السنغافوري ورئيس مجلس الأمن الدولي الأسبق كيشور محبوباني إنه من الواضح أن الصين ستومّن مصالحها بشراسة متزايدة في المستقبل. ويستكشف كتابه "هل فازت الصين؟" ما سيحدث عندما تتفوق الصين على الولايات المتحدة كأكبر اقتصاد في العالم.
ولا يعتقد محبوباني أن بكين ستستخدم القوة العسكرية للسيطرة على تايوان الآن. يهتم الصينيون بالأعمال التجارية أكثر من اهتمامهم بالشعارات الأيديولوجية. وبالنسبة لصناع القرار في بكين، من الواضح أن مخاطر مشروع غزو تايوان حاليًا تفوق فرص نجاحه.
وقال محبوباني إن المسئولين الصينيين لا يفكرون من منظور السنوات وإنما من منظور العقود، وهم يعملون الآن على ضمان تفوق الصين اقتصاديًا على الولايات المتحدة.
وأضاف محبوباني "عندما تصبح الصين الاقتصاد الأول في العالم، حينئذ ستأتي كل الردود الانتقامية الحقيقية".