تقترن الحرب بنشأة جمهورية الصين الشعبية وتايوان، وتمتد نذرها إلى عقود في تاريخهما الحديث، لكنّ سنوات من التراضي قد تنتهي إذا اصطدمت الحلول السياسية بجدار الانفصال الكامل والحشد الدولي.
يتزايد الحديث مؤخراً عن احتمال حدوث تحوّلات دراماتيكية في بحر الصين الجنوبي ومنطقة المحيط الهادي تتوجّه الأنظار غالباً إلى تايوان، وخصوصاً مع ارتفاع منسوب التصريحات الأميركية والصينية حول هذه الجزيرة، ما يذكّر بالحالة الأوكرانية في الاحتدام القائم بين روسيا والغرب.
عقوبات اقتصادية على الصين
من جانبها توقعت الدكتورة إيمان فخرى، خبير اقتصادي، أن تُقدم الولايات المتحدة والدول الغربية وبعض الدول الآسيوية على فرض عقوبات اقتصادية على الصين، في حالة اندلاع حرب مع تايوان، وهنا المجال الأكثر عُرضة للعقوبات سيكون واردات الصين من الطاقة؛ وذلك لوقف الآلة العسكرية للصين وممارسة ضغط قوي على اقتصادها.
وأوضحت فخري في تصريحات لـ "صدى البلد"، أن العقوبات الاقتصادية على بكين ستكون سلاحاً ذا حدين؛ بسبب أنها مُندمجة بشكل كامل في الاقتصاد العالمي، حيث تسيطر الصين حالياً على 18.2% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي في العام الماضي، خلف الولايات المتحدة الأمريكية البالغة حصتها 23.8%، في حين تمتلك روسيا 3.11% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
كما تعد الصين مركزاً صناعياً عالمياً وأكبر سوق تصدير لمعظم دول العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة وأوروبا، ناهيك عن أن الصين حالياً هي أكبر دائن منفرد في العالم مع امتلاكها قروضاً مُستحقة على دول أخرى بقيمة 5 تريليونات دولار أو أكثر من 6% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
وتابعت: "من المُحتمل ألا يخشى قادة الصين من العقوبات الاقتصادية، لإدراكهم أنها لن تؤثر على اقتصادهم من دون أن يتم إلحاق الأضرار بالتجارة العالمية وسلاسل التوريد والمؤسسات المالية الدولية".
تأثير الاقتصاد الصيني حال فرض العقوبات
ولفتت إلى أن تأثر الاقتصاد الصيني بتوقف إمدادات تايوان من الرقائق الإلكترونية، حيث تشير الإحصاءات إلى أن بكين تستورد 40% من احتياجاتها من الرقائق من تايوان. وبالرغم من أن بعض المحللين يرون أن الصين إذا نفذت عملية اجتياح بري لتايوان ستتمكن من السيطرة على مصانع الرقائق، فإن هذا السيناريو مردود عليه، حيث من المُتوقع أن تقوم تايوان بتدمير منشآت تصنيع الرقائق مع بدء أي عملية عسكرية صينية، كنوع من الدفاع عن النفس وتحميل الصين مسؤولية الأزمة العالمية الطاحنة التي ستطال الصناعات التكنولوجية جراء الحرب، وبالتالي إذا تمكن الاقتصاد الصيني من التغلب على العقوبات الاقتصادية، فإنه من الصعب التغلب على نقص الرقائق الإلكترونية.
مؤكدة انه سيؤثر أي صراع عسكري بين الصين وتايوان، سلباً على النشاط الاقتصادي في الأخيرة، وذلك من عدة أوجه؛ أولها انخفاض معدلات التصدير، حيث تستوعب الصين وهونج كونج حوالي 50% من صادرات تايوان. وفي حالة تصاعد التوترات العسكرية، من المُتوقع أن تفرض الصين قيوداً على واردات تايوان، لاسيما من الفاكهة التي يتم تصديرها بشكل حصري إلى الصين، وهو ما سيخلق أزمة كبيرة للمزارعين في تايوان والذين قد يحتجون ويلومون حكومتهم على تدهور العلاقات مع بكين
وأشارت إلى إنه سوف يتمثل ثاني التأثيرات الاقتصادية في توجيه المزيد من الموارد إلى موازنة الدفاع، حيث خصصت تايوان 8.7 مليار دولار على مدى السنوات الخمس المُقبلة لشراء الأسلحة، بما في ذلك معدات عسكرية دقيقة بعيدة المدى، وسفن حربية. وهنا فإن التركيز على تخصيص الموارد لموازنة الدفاع قد يكون له تأثير سلبي على موازنة البحث والتطوير وقدرة الاقتصاد التايواني على التطور.
تراجع معدلات الاستثمار في تايوان
وأكملت فخرى: "الوجه الثالث من التأثيرات فينصرف إلى تراجع معدلات الاستثمار الأجنبية في تايوان، وسعي المستثمرين لتوجيه استثماراتهم إلى شركات الرقائق الإلكترونية في الولايات المتحدة وأوروبا. ولا شك أن اندلاع أي حرب بين تايوان والصين سيضر بشدة مختلف العمليات الإنتاجية في الأولى، وسيطال جميع الصناعات بما فيها صناعة الرقائق الإلكترونية وأشباه الموصلات".
وأوضحت تعد تايوان، عبر شركة تصنيع أشباه الموصلات التايوانية (Taiwan Semiconductor Manufacturing Company)، المورد الرئيسي للرقائق الإلكترونية الدقيقة في العالم، حيث تشارك بحصة تصل إلى 90% من إجمالي الطلب العالمي من الرقائق الإلكترونية.
وبشكل خاص، تتفوق تايوان في إنتاج الرقائق التي تقل عن 10 نانومترات، مما يجعلها المورد الرئيسي للغالبية العظمى من تلك النوعية اللازمة لتشغيل الأجهزة الإلكترونية الأكثر تقدماً في العالم، من تليفونات "آي فون" التي تصنعها شركة "آبل" الأمريكية، إلى الطائرات المُقاتلة من طراز "إف-35". ومن ثم، فإن أي نقص في أشباه الموصلات والرقائق الإلكترونية سيؤثر على صناعات عديدة في العالم.
وتتوقع فخرى أن يؤثر سيناريو الحرب بين الصين وتايوان على معدلات التجارة العالمية، والآسيوية على وجه خاص، وذلك في ضوء الاعتمادية العالية في العالم على الصين في تلبية احتياجات الأسواق من السلع الزراعية والصناعية. وقد يواجه العالم نقصاً سلعياً شديداً، خاصةً في المُنتجات الغذائية والطبية في حالة التصعيد العسكري بين البلدين.
التحول إلى نزاع عسكري
وفي هذا السياق، سينجم عن سيناريو التصعيد العسكري اضطراب في خطوط الشحن البحري في بحر الصين الجنوبي والذي تمر عبره شحنات تجارية تُقدر بقيمة 5.3 تريليون دولار أمريكي سنوياً، كما يمر عبره أكثر من 60% من التجارة البحرية العالمية، وأكثر من 22% من إجمالي التجارة العالمية، و40% من المُنتجات البترولية العالمية. وبالتالي، فإن أي صراع عسكري بين الصين وتايوان سيترتب عليه ارتفاع جنوني في أسعار المُنتجات النفطية وغير النفطية.
وقالت الخبيرة الاقتصادية، إن اليابان من أكثر الدول المُتضررة اقتصادياً في حال نشوب حرب بين الصين وتايوان، حيث تمر 40% من التجارة البحرية لليابان عبر بحر الصين الجنوبي، مما قد يُعيق حركة التجارة اليابانية. كما أنه في حالة مساندة اليابان لتايوان، فإن الصين - الشريك التجاري الرئيسي لليابان- ستقوم بفرض قيود للحد من تجارتها مع اليابان، وهو ما سيُقوض استقرار الاقتصاد الياباني.
وقد يُعاني الاقتصاد الأسترالي كذلك من تراجع صادرته إلى الصين، لاسيما في مجالي الزراعة والتعدين. ومن المُتوقع أن تشهد قطاعات تجارة التجزئة والبناء والصناعات التحويلية في أستراليا، تراجعاً شديداً مع اضطراب خطوط الشحن البحري والجوي، مع الأخذ في الاعتبار احتمالية فرض الصين قيوداً على التجارة مع أستراليا إذا ساندت الأخيرة تايوان. ومع فرض قيود على التجارة مع الصين، من المُنتظر أيضاً أن يواجه قطاع الكيماويات والأدوية في الهند تحديات جسيمة؛ بسبب التبعية الحالية للصين في هذين القطاعين تحديداً.
القوة الاقتصادية التايوانية
وفى نفس السياق قال محسن قلادة، الخبير والباحث الاقتصادي، أن تايوان تحوز مقدّرات اقتصادية وناتجاً محلياً يبلغ نحو 636 مليار دولار، يضعها في المرتبة السابعة ضمن الاقتصاديات الآسيوية، والـ21 عالمياً، وفق تقديرات صندوق النقد الدولي، وتشتهر بموقعها المتقدّم على خارطة الصناعات التكنولوجية، والتي تتضمن صناعة الهواتف الذكية، والحواسيب، والشرائح الإلكترونية ذات الخصائص المتقدّمة (تصنّعها شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات، وتستخدم في أحدث منتجات شركة آبل)، والتي تبدو الصين متأخرة في الوصول إليها.
وأضاف قلادة في تصريحات لـ "صدى البلد"، أن هذه القوّة الاقتصادية إذا ما قُرنت بموقع الجزيرة الحيوي في المحيط الهادي اليابان شمالاً، والفلبين جنوباً، والمهدِد للأسطول والقواعد الأمريكية الأبرز في المحيط (غوام، أوكيناوا)، وبما قد تمثّله من نموذج لأقاليم أو مناطق إدارية أخرى تابعة للصين وذات نزعات انفصالية (إقليم شينجيانغ، هونغ كونغ، ماكاو)، وبارتباطها الوثيق بواشنطن منذ التأسيس في العام 1949، والذي يؤهلها لأن تكون خنجر الولايات المتحدة في خاصرة الصين، كلّ ذلك يرشّح تايوان لأن تكون في المرحلة المقبلة فرس الرهان الأميركي في سباقها الساخن مع الصين.
تورط الولايات المتحدة في النزاع
ومن جهته أكد المستشار الاقتصادي أحمد خزيم، رئيس المنتدى الاقتصادي للتنمية والقيمة المضافة، أنه إذا قامت الصين بإعلان حالة النزاع مع تايوان هذا معناه تورط أمريكا في ذلك النزاع، لافتاً إلى أن أي توتر يحدث في منطقة شرق آسيا سوف يؤدى إلى انهيار الاقتصاد العالمي لارتباط الاقتصاد العالمي حاليا بسلاسل الإمداد ، وهو ما يعنى توقف الإمداد في أوروبا وأمريكا وجنوب شرق آسيا وكافة الدول الصناعية الكبرى
وأضاف خزيم وهذا يؤدى بجانب ما يحدث بالأزمة الأوكرانية الروسية وما سبق من تداعيات كورونا التي أدت إلى تباطؤا الاقتصاد العالمي وارتفاع التضخم في كافة اقتصاديات الدول الكبرى .
وأشار إلى أن تلك الأسباب مجتمعة تؤدى إلى قتل الاقتصاد العالمي وحدوث الكثير من الأزمات والكوارث في الدول الفقيرة والنامية مما يعنى تهديد الكثير من البشرية حول العالم بالدخول في مجاعات ، ويهدد موازنات الدول بالسكتة القلبية.