من الثوابت التاريخية أن رقى الأمم والمجتمعات البشرية يقاس بمدى ارتقائها فى منظومة القيم والمبادىء الأخلاقية, ولذا حرص المفكرون والمصلحون منذ فجر التاريخ على تهذيب النفس البشرية وتطهيرها من الآثام,ودفعها إلى حب الخير, فظهرت جمهورية أفلاطون,والمدينة الفاضلة للفارابى, و"اليوتوبيا" لتوماس مور,إلا أنها كانت أطروحات مثالية فيها من العاطفة أكثر مما فيها من عقل وعلم, وتتعارض تماما مع طبيعة النفس البشرية التى جبلت منذ الصغر على الشعور بالخير والشر, وأن الصراع جزء لايتجزأ من الطبيعة البشرية بسبب تعارض المصالح, والتكالب على الحصول على الموارد الطبيعية اللازمة لحياة الإنسان.
ورغم ما ورد فى الشرائع السماوية من نصوص حذرت البشرية مما سيلاقيه الناس فى حياتهم وآخرتهم إذا لم يتوقفوا عن القيام بأى عمل ضار بهم وبغيرهم,إلى جانب ماطرحه المفكرون والمصلحون من أطروحات لتحقيق الغاية نفسها, ورغم كل ذلك لم يفلح فى تحقيق الهدف المنشود,فمازالت نيران الشر تتطاير هنا وهناك منذرة بأوخم العواقب ومتجاهلة أن الصراع لم يثمر على مدى التاريخ سوى قتلى وجرحى وإبادة وكراهية, ولم يثمر عن انتصار كامل أو متصل لأحد ضد آخر.
هذا الصراع لم يفرض علينا فرضا كما تدعى الفلسفة اليونانية التى تقول: إننا خلقنا هكذا,وإن الطبيعة تدعو البشر إلى الصراع فيما بينهم, وصارت على نهجها بعض الدول التى اتخذت الصراع منهجا أساسيا فى علاقاتها الدولية,بينما الحقيقة تخالف ذلك تماما, فجميع الشرائع السماوية دعت إلى الخير, وعدم الجنوح إلى الشر. صحيح أننا خلقنا شعوبا وقبائل مختلفة بهدف التعارف والتعاون,وليس الصراع والتطاحن, وإذا كان الصراع قدرنا,ولانستطيع التوقف عنه ولاالقضاء عليه،فماهو الحل لدرء مخاطره حتى لاتزداد الأخطار التى باتت تهدد الجميع؟
يرى الدكتور على صادق الرئيس الأسبق لهيئة الاستشعار عن بعد فى دراسته التى أعدها عن الحضارة الثانية التى يتوقع أن تصل إليها البشرية فى المستقبل أن الحل مرهون بإحداث طفرة ثقافية كونية تملأ الفراغ الروحى والانحدار الخلقى الذى يواجه البشرية,وتغييرالكثير من الأفكار السياسية والاقتصادية والاجتماعية السائدة فى المجتمع البشرى,وإعادة النظر فى طبيعة العلاقات بين مختلف الدول,وأنه لابد من التركيز على إعلاء القيم منذ الطفولة وفى مقدمتها قيمة الصدق باعتبارها أم القيم,وأن الانسان إذا صدق مع نفسه ومع الآخر,وصدقت النيات, وتوافقت الأفعال مع الأقوال سيتبع ذلك بالضرورة الالتزام بباقى القيم الأخرى فيتحقق بذلك أمن وسلامة المجتمع البشرى بنسب عالية, والسؤال الذى يطرح نفسه:هل تستطيع البشرية تحقيق ما ارتآه ؟أم أنه فكر مثالى كغيره من الأفكار التى سبقته ولم تتحقق؟وإذا كان البعض يراه حلما بعيد المنال فلماذا لانحلم؟
• فى خضم التحديات الماثلة أمامنا ونحن إزاء مرحلة جديدة لاتقل صعوبتها عن سوابقها،أصبحنا فى حاجة ماسة لإطلاق مبادرة عنوانها(الوطن يريد) كتوجه طموح يخرجنا من كهوف التخلف إلى التطور والرقي بموجبها فيقطع كل منا العهد على نفسه أن يسير على هدى استراتيجية تقودنا صوب تضاريس التنمية الشاملة بالتغلب على كل الأزمات والمشكلات وفق أساليب تحول دون اختراقها من أى أياد مدسوسة,وذلك من خلال تصورات يريدها منا الوطن,فالوطن يريدنا أن نتمسك بصحيح الدين كوسيلة مثلى للانماء تستخرج من الانسان أنبل مافيه,تريد الخير وتنبذ الشر ولاتدخل عليه أى شوائب فى منهجه وتعاليمه,ومن ثم تنتشر منظومة الأخلاق الحسنة والقيم.
الوطن يريدنا أن ننخرط فى المشاركة المجتمعية كل قدر طاقته وامكاناته, وأن يكون كل منا على مستوى المسئولية التى بها،فلا يتراخى فى أدائها, وألا يسمح لأحد بالمساس به,أو التطاول عليه مع مواجهة أى تهديد يتعرض له, وعلينا أن نثمن الجهود المبذولة لرفعته, وأن نثمن كذلك كل ماأنعم الله به علينا من أمن وأمان واستقرار, وأن ندحض كل أساليب التشهير, وإطلاق الشائعات والسباب والشتائم وأن تكون تفاعلاتنا معه كمنصات بناء ونهضة وعطاء, وفى مقدمة كل ذلك احترام أنظمته وقوانين, فلا نعتدى عليها أو نخالفها أو نلتف عليها, فمصر تستحق منا ماهو أكثر من ذلك.
• ما سر السماح ل"التوك توك بالسير فى كل شوارع وأنحاء مصر بقراها ومدنها والطرق السريعة دون أى التزام بقواعد المرور؟إنه يخالف كل أنظمة المرور فى العالم وتستفحل مخاطره يوما بعد آخر.
• علمتنى الحياة أن لا أطلب من الأشواك أن تفوح بالعطور, ولا من الصحراء أن تنبت الزهور, ولا من فاقد الاحساس أن يهتم بالشعور, كما علمتنى الحياة أن من يسقط من العين ينكسر حالا ولا يعود إليها أبدا