لا يزال العراق لم يتمكن من الخروج من الأزمة السياسية بعد مرور تسعة أشهر على الانتخابات البرلمانية المبكرة في أكتوبر 2021، التي جاءت لامتصاص الغضب الشعبي أثر تظاهرات غير مسبوقة شملت كل أرجاء العراق.
أزمة سياسية في العراق
ويشهد العراق أزمة سياسية عاصفة بسبب التناحر بين مختلف القوى والتكتلات والأحزاب السياسية، أبرزها: "التيار الصدري" الذي يتزعمه القيادي الشيعي مقتدى الصدر، و"الإطار التنسيقي" الذي يضم كتلا شيعية من بينها ائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي، وتحالف الفتح بزعامة هادي العامري، الممثلة لفصائل الحشد الشعبي الموالى لإيران.
الأزمة السياسية في العراق بلغت ذروتها يوم الأربعاء الماضي، عقب اختار "الإطار التنسيقي"، الذي يضم كتلا شيعية موالية لإيران، النائب الحالي والمسؤول السابق محمد شياع السوداني، مرشحا لرئاسة الحكومة العراقية، حيث تفجرت الأوضاع داخل بلاد الرافدين.
لم تمر ساعات قليلة على إعلان التحالف المدعوم من إيران عن محمد السوداني مرشحا رسميا له، لتتصاعد الأحداث في العراق، حيث قام أنصار التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدرباقتحام الساحة الخضراء، واقتحام البرلمان العراقي؛ احتجاجاً على تشكيل حكومة وطنية تضم محمد شياع السوداني كرئيس لها.
وتمكن متظاهرون من أنصار التيار الصدري الأربعاء الماضي - من اقتحام مبنى البرلمان العراقي بالمنطقة الخضراء المحصنة وسط بغداد، والتي تضم مؤسسات حكومية وسفارات أجنبية، احتجاجا على ترشيح "الإطار التنسيقي" التكتل البرلماني الشيعي البارز، للنائب والوزير السابق محمد شياع السوداني لرئاسة الحكومة، فيما تتخبط البلاد في أزمة سياسية معقدة منذ أشهر.
من جهته واحتواء للموقف دعا زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، أتباعه الذين "اقتحموا مجلس النواب إلى العودة لمنازلهم".
ونشر تغريدة على حسابه في "تويتر"، قائلا: "ثورة محرم الحرام، ثورة إصلاح ورفض للضيم والفساد، وصلت رسالتكم"، مضيفا: "أرعبتم الفاسدين. صلوا ركعتين وعودوا لمنازلكم سالمين" وبالفعل استجاب الأنصار.
ولم تمر سوى 72 ساعة حتى عاود أنصار الزعيم الصدري مقتدى الصدر، اقتحام المنطقة الخضراء، اليوم السبت، للمرة الثانية، وتعتبر المنطقة الخضراء أهم منطقة بالعراق.
وللمرة الثانية اقتحم أنصار التيار الصدري، البرلمان العراقي، مطالبين بإسقاط الطبقة السياسية، كما حدثت مواجهات متقطعة بين المتظاهرين والقوة المكلفة بحماية المنطقة الخضراء، حيث سمع دوي أصوات قنابل الغاز المسيلة للدموع، كلما حاول المتظاهرون الوصول إلى المنطقة واقتحام مجلس القضاء الأعلى في المنطقة المحصنة.
الكاظمي وحماية المتظاهرين
ويعيش العراق أزمة سياسية منذ الانتخابات البرلمانية في أكتوبر من العام الماضي، فبعدما فشل زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، في تشكيل حكومة، أمر نوابه البالغ عددهم 73 نائبا بالاستقالة وحل مكانهم مرشحون عن الإطار التنسيقي، الذي "يضم القوى السياسية المناهضة للصدر والمقربة من إيران".
واستغل الإطار التنسيقي هذا الغياب لتشكيل حكومة جديدة في العراق، وهو ما رفضه الصدر، وخرج أنصاره احتجاجا على قرار الإطار التنسيقي.
ووجّه رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي، السبت، القوات الأمنية بحماية المتظاهرين، في وقت اندلعت مواجهات متقطعة بين المتظاهرين وقوات الأمن، أسفرت عن سقوط 60 إصابة.
وقال الكاظمي: "استمرار التصعيد السياسي يزيد من التوتر في الشارع وبما لا يخدم المصالح العامة"، مشددا على أن "القوات الأمنية يقع عليها واجب حماية المؤسسات الرسمية وضرورة اتخاذ كل الإجراءات القانونية لحفظ النظام".
ويقول محمود جابر، المحلل السياسي، إن العراق يمر بحالة انقسام حاد بين معسكرين أحدهما موالي لإيران، والثاني يبحث عن حاضنة عربية، المعسكر الأول قوامه دولة القانون وعلى رأسه نوري المالكي وآخرين وهؤلاء ينتظمون تحت ما يعرف باسم "الإطار التنسيقي" ويضم هادي العامري وعمار الحكيم وآخرين.
وأضاف جابر - خلال تصريحات لـ"صدى البلد": "المعسكر الثاني يضم التيار الصدري واستطاع التيار كسب أغلبية نسبية بالبرلمان، ولكن لم يستطع تشكل الحكومة طوال 9 أشهر، وبناء عليه قدم التيار استقالته من البرلمان، وترك الساحة البرلمانية لنوري المالكي وإطاره".
ولفت جابر: "طرح المالكي اسم محمد شياع السوداني كمرشح لرئاسة الوزراءمما أغضب التيار الصدري، وحدث اقتحام للمنطقة الخضراء يوم الأربعاء من قبل أنصار التيار الصدري، ثم قاموا بالانسحاب، لكن اليوم دخل أنصار الصدر إلى المنطقة الخضراء واقتحموا البرلمان مرة أخرى".
وأشار جابر: "في ظني أن الجموع الصدرية لن تخرج إلا اذا حدث توافق على حل البرلمان، والدعوة إلى انتخابات برلمانية مبكرة، والوضع مرشح للتصعيد خلال الساعات القادمة، ولو لم يتم التوافق على انتخابات مبكرة سنرى صراعا مسلحا".
من ناحية أخرى، أعلن القيادي في التيار الصدري، إبراهيم الجابري، اليوم السبت، عن تنظيم إعتصام مفتوح داخل مبنى مجلس النواب من قبل أنصار التيار.
وكتب الجابري في منشور على صفحته بمواقع التواصل الاجتماعي؛ إن "الشعب يختار الاعتصام المفتوح داخل البرلمان، حماكم الله".
الصدريون والإطار التنسيقي؟
والجدير بالذكر، أن التيار الصدري هو تيار سياسي وديني يتبع للزعيم الشيعي العراقي مقتدى الصدر، وللتيار ممثلين في مجلس النواب العراقي من أبرزهم نصار الربيعي رئيسهم في البرلمان، كما يمثل جيش المهدي ولو بطريقة غير مباشرة الجناح العسكري للتيار الصدري، وقفوا ضد القوات الأمريكية وسياستها ورفضوا اتفاقيات الحكومة مع أمريكا.
أما الإطار التنسيقي، فهو تجمع لأحزاب شيعية عراقية تشكلّ في شهر مارس سنة 2021م، في بيت رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي حين اجتمع في بيته زعماء وممثلو الكتل الشيعية البرلمانية، هادي العامري وعمار الحكيم وحيدر العبادي وناصر الربيعي، وحضر أيضاً رئيس الوزراء حينئذٍ مصطفى الكاظمي.
و توافق المجتمعون على أن يجعلوا الإطار التنسيقي تجمعاً برلمانياً غير رسمي، يسعى إلى تنسيق مواقف القوى الشيعية الرئيسية الخمس في مجلس النواب، التي هي سائرون، والنصر، ودولة القانون والحكمة والفتح، خدمةً لمصالح المكوّن الشيعي.
ويُصبح الإطار ملحوظاً إلا بعد ظهور نتائج الانتخابات التشريعية العراقية 2021، التي طعن فيها الإطار، محذَرا أن لا يكون لهم دورا مؤثرا في الحكومة الجديدة، مفسّرين "النتائج بما يتوافق مع اعتقادهم بأنهم يستحقون مقاعد أكثر مما حصلوا عليه".
وأما عن نوري المالكي، فاسمه بالكامل "نوري كامل محمد حسن أبو المحاسن المالكي" (مواليد 20 يونيو 1950)، رئيس مجلس الوزراء العراقي الأسبق بين عامي 2006 و2014، ونائب رئيس الجمهورية السابق من 9 سبتمبر 2014 حتى 11 أغسطس 2015، وهو أمين عام حزب الدعوة الإسلامية.
وعن محمد السوداني، هو سياسي عراقي، وزير العمل والشؤون الاجتماعية في حكومة حيدر العبادي رئيس الوزراء العراقي السابق من 2014 - إلى 2017، ووزير الصناعة بالوكالة منذ عام 2016، وشغل لفترة منصب وزير التجارة بالوكالة بعد إنهاء مهام الوزير السابق ملاس محمد عبد الكريم الكسنزاني، كما شغل منصب وزير حقوق الإنسان العراقي في الحكومة السابقة للفترة من 2010 إلى 2014، تقلد منصب محافظ ميسان للفترة من 2009 إلى2010.
واستقال السوداني من أئتلاف دولة القانون (حزب الدعوة)، في 2019 ومرشح حاليا لرئاسة الوزراء من قبل الإطار التنسيقي.