يتجدد الحديث بين الحين والآخر عن سلامة سد النهضة الإثيوبي، وقدرته على الصمود خاصة في ظل الكمية الكبيرة من المياه التي تسعى أديس أبابا "عاصمة إثيوبيا" لاحتجازها خلفه، وتأثير هذه المياه على دولتي المصب "مصر والسودان" حالة تعرض جسم السد لأي مخاطر.
انهيار سد النهضة الإثيوبي
ويقع سد النهضة الإثيوبي في منطقة بينيشانجول، وهي أرض شاسعة جافة على الحدود السودانية تبعد 900 كيلو متر شمال غربي العاصمة أديس أبابا، وقد رصدت الحكومة الأثيوبية مساحة واسعة من الأراضي لبناء هذا السد.
ويمتد سد النهضة الإثيوبي على مساحة تبلغ 1800 كيلو متر مربع، ويبلغ ارتفاعه 170 مترا، وتصل السعة التخزينية للسد لـ 74 مليار متر مكعب، و هي مساوية تقريبا لحصتي مصر والسودان السنوية من مياه النيل.
وأعلنت إثيوبيا، أن الملء الثالث لسد النهضة الإثيوبي سوف يكون في أغسطس وسبتمبر المقبلين، وأقرت في الوقت ذاته باحتمال تأثر كلا من مصر والسودان بعمليات الملء للسد، فيما تصر القاهرة والخرطوم على وجود اتفاق يضمن حقوق شعوب البلدين ولا يعرضهما للضرر.
وتوقفت المفاوضات المرتبطة بـ سد النهضة الإثيوبي بعد فشل دولتي المصب مصر والسودان ودولة المنبع إثيوبيا في التوصل لتفاهمات قبل بدء الملء الثاني، والذي نفذته دولة إثيوبيا بالفعل في تعند واضح وصارخ لكل الاتفاقيات بين الدول الثلاث.
وترفض الحكومة الإثيوبية مشاركة أي معلومات حول سد النهضة مع دولتي المصب مصر والسودان ومنها الرسومات الهندسية والدراسات الخاصة ببناء السد وتسبب ذلك في خلاف بين الجهات الثلاث نظرا لما قد يمثله السد من خطورة على دولتي المصب حال تعرضه لمشكلة.
وحذر عدد من الخبراء من عيوب فنية قد تؤدي لانهيار سد النهضة الإثيوبي، كما رصدت الأقمار الصناعية بعض الحركات والهزات الأرضية في منطقة السد، والتي نستعرضها في التقرير التالي:
وقال الدكتور عباس شراقي، أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، إن أراضي أثيوبيا تعاني العديد من المشكلات، وحال انهيار سد النهضة سوف يقضى على حياة 20 مليون مواطن سوداني.
وأوضح شراقي - في تصريحات لـ"صدى البلد"، أن هناك العديد من المشروعات على الأنهار داخل أثيوبيا تعرضت لانهيارات أرضية مثل مشروع "جيبا 2"، والذي حدثت فيه نفس المشاكل مرة أثناء البناء، ومرة أخرى بعد الافتتاح بـ 10 أيام، وكان ذلك بسبب الفيضانات الشديدة جدا وما تسببه من ضغط على السدود، وارتفاع نسب الطمي.
أرض سد النهضة والتشققات
وأضاف: أن مشروع سد "تيكيزي" على نهر عطبرة تعرض لفيضان شديد تسبب في وفاة 47 شخصا منهم 3 من عمال السد، وذلك قبل اكتمال بناء السد لعامين، مشيرا إلى أن كل تلك المشاكل تعود إلى أن أثيوبيا بها فالق كبير جدا، وهو الأخدود الأفريقي العظيم، الذي تتكون منه الجبال الأثيوبية البركانية النشطة.
وأكد شراقي، أن أثيوبيا منطقة نشطة جدا بالزلازل التي تتسبب في الهبوط الأرضي، "تعد إثيوبيا أنشط مناطق الزلازل في القارة الأفريقية".
وأوضح أن تلك الجبال خلقت نظام مطري فريد بسبب ارتفاعاتها التي تصل إلى أكثر من 4000 متر، وهو اندفاع المياه بكميات كبيرة جدا من ارتفاعات هائلة في فترة قصيرة جدا، وبالتالي يشكل اندفاع الأمطار من ارتفاعات الجبال مع حركة الزلازل كل تلك الانهيارات في السدود الأثيوبية.
وشدد على أن أي مشروع في الهضبة الأثيوبية مهدد بالانهيار، خاصة سد النهضة الذي تعرض لتلك الانهيارات وهو مخزن به 11 مليار فقط، فماذا سوف يحدث في حال اكتمال السعة التخزينية المخططة للسد بـ 74 مليار أي 7 أضعاف ما هو موجود حاليا بالسد، ذلك يمثل خطرا كبيرا على الأراضي أمام السد من الغرق والفيضان.
وعن تسريب الماء من سد النهضة قال شراقي: "توجد تسربات مائية حول البحيرة وحول جسم السد وليس من السد نفسه من خلال التشققات والفوالق والفراغات، وهذا أمر طبيعي لأي سد في العالم إذا كانت بالنسب القليلة غير المؤثرة، ولكن من غير الطبيعي أن تكون كميات كبيرة وهذا متوقع فى جميع المناطق الإثيوبية وليس منطقة سد النهضة فقط، نتيجة وجود الفالق الأعظم على مستوى العالم (الأخدود الأفريقى العظيم) وانتشار الفوالق والتشققات المصاحبة لتسريب المياه من الخزانات الإثيوبية أشد ضررا من كميات مياه البخر، مثال: بحيرة تانا تمد النيل الأزرق بحوالي 3.7 مليار م3 في حين أن الإيراد السنوى 10 مليار م3، الفاقد 6.3 مليار م3 (60.3%) معظمه نتيجة التسرب".
وأطلقت المستشارة هايدي فاروق، مستشارة ترسيم الحدود وقضايا السيادة الدولية والثروات العابرة للحدود وعضو الجمعية الجغرافية المصرية، تحذير قوي لاقتراب تسريب سد النهضة بقوة من سد السرج الركامي؛ المُكمل لسد النهضة، مؤكدة أن المسافة اقتربت لتصل المسافة بين التسريب وسد السرج 800 مترا.
وكتبت المستشارة هايدي فاروق على صفحتها بفيسبوك قائلة: "منذ يومين نشرت على صفحتي اقتراب مياه التسريب صوب سد السرج مسافة 1.2 كيلومتر واليوم أصبحت المسافة 800 متر".
وقال الدكتور هشام العسكري، أستاذ الاستشعار عن بعد جامعة تشابمان بالولايات المتحدة، إنه يوجد هبوط أرضي في البناء الرخامي والخرساني من سد النهضة بأجزاء متفاوتة، مؤكداً أن "هذا الهبوط سينتج عنه بشكل حتمي تشققات في بنيان السد".
بيانات غير واضحة عن السد
وأضاف العسكري، أن إثيوبيا لم تشارك أي بيانات عن سد النهضة مع دولتي المصب، موضحا أنه "لم تكن هناك معلومات كافية عن سد النهضة، خلال إجراء دراسة حول السد".
وقال العسكري، إن الدراسة التي تم إجراؤها على السد تدرس بعض الحركات الأرضية الرأسية فيه، والإزاحة في الشكل العمودي، كما أنها "تقيس التأثيرات على مستوى السد الخرساني والركامي".
وأشار إلى أن الدراسة أفادت بوجود نوع من الهبوط الأرضي بالجانبين الشرقي والغربي للسد الخرساني، منوها بأن الجانبين كانا يهبطان بمعدلات غير متساوية، مع بدء الملء الأول لسد النهضة.
وتابع: "إثيوبيا من المعروف أنها الدولة رقم واحد في إفريقيا في حجم النشاط الزلزالي والبركاني، ووجود أجسام مائية ضخمة يؤدي إلى ضغوط على القشرة الأرضية الأمر الذي يسفر عن عمليات انزلاق أسرع".
كما رصدت الدراسة، تلوث المياه في بحيرة سد النهضة بسبب الغطاء الأخضر وهو ما أظهرته صور الأقمار الصناعية عبر الأشعة المدارية التي لديها قدرة كبيرة على اختراق الأرض والحصول على نتائج متنوعة ومختلفة.
وفي وقت سابق، أكد خبير السدود الدولي المصري، الدكتور أحمد عبد الخالق الشناوي، أن إثيوبيا لم تقم بعملية الملء الثاني نهائيا، ويرجع ذلك إلى أن سد النهضة تمت إقامته على منطقة فوالق أرضية نشطة، يمنع نهائيا بناء السدود عليها، لأن الأرض هنا تكون غير ثابتة، وعند وجود كميات مياه كبيرة تتحرك تلك الفوالق وتؤدي إلى انهيار ما عليها من منشآت.
وتابع: "في اعتقادي أن أجزاء كبيرة من السد انهارت عدة مرات، ولا تزال هناك جيوب هوائية لم تملأ بالمياه أسفل السد، وسوف تملأ بالمياه مع زيادة التخزين وفق نظرية الأواني المستطرقة"، أي أن تلك الفوالق تملأ واحدة تلو الأخرى مع زيادة كميات المياه.
وقال الشناوي: "هذا السد انهار ثلاث مرات وتم الإعلان عن ذلك في العام 2016، حيث انهارت البوابة الأولى والثانية والثالثة، أما في العام 2018 فقد انهار معظم السد ولم تخرج تلك الأخبار من مصر فقط، بل إن صور الأقمار الصناعية هى التي قالت ذلك، وفي أغسطس قبل الماضي كانت هناك غيامة في منطقة السد منعت التصوير".
احتمالات انهيار سد النهضة
وأشار خبير السدود إلى أن "هناك سدا في ولاية كاليفورنيا الأمريكية ينهار منذ 3 سنوات لنفس الأسباب بسبب الفوالق الأرضية، هذه ليست تنبؤات أو حملات دعائية، لكنها نظريات علمية عالمية"، مؤكدا أن كل دعايات الملء الأول والثاني لم تصل إلى 10 مليار متر مكعب في بحيرة السد وربما لم تصل إلى الملء الأول نفسه.
من جانبه، كشف محمد عبد العاطي، وزير الموارد المائية والري حقيقة تصريحات نسبت إليه عن انهيار سد النهضة الاثيوبى، معقبا: "قلت لو فيه احتمال انهيار واحد في المليون، ده بالنسبة لنا احتمال كبير، لا نهمله".
وقال إنه صرح وقتها بأنه إذا وجد إحتمال حتى وإن كان صغيرا لانهيار سد النهضة لا بد من أخذ الاحتياطات من خلال مجموعة مشاريع لحماية المنشآت المائية الخاصة بمصر اللازمة، مشيرا إلى أن سد النهضة يوجد به العديد من المشاكل الفنية .
وأضاف عبد العاطي أنه لا بد من وجود حلول بديلة لاستيعاب كميات المياه الزائدة، حتى إذا وجدت مشكلة فنية واحدة .
وأوضح أنه "في حال انهار السد فهناك 3 احتمالات، إما تخزينها في السد العالي، وإذا كانت بحيرة السد ممتلئة، يكون الخيار الثاني مفيض توشكي، وإن لم يحتمل المفيض، فإن الخيار الثالث، فتح السد، وهنا يجب أن ينتبه متخذ القرار هل المجاري المائية تحتمل المياه، لأنها لو لم تحتملها ستؤدي للفيضان".