المنظر العام للمحل يوحى من النظرة الأولى، بأن محل الحلاقة القابع أمام الأنظار، من بقايا الزمن الماضى، فكل ركن وكل قطعة تحتويها جدران المحل، لا تمت لمحلات الحلاقة الحالية بأى صلة، باستثناء المقص، فقد مضى على وجوده بوسط مدينة نقادة الواقعة جنوب محافظة قنا ، حوالى قرنين من الزمان، توارث خلالها الأبناء محل أجدادهم جيلاً بعد جيل، دون إحداث أى تغيير فى شكل المحل أو نظام العمل به.
المحل بتاريخه الذى تجاوز مائتى عام، ليس وحده المثير للدهشة، فـ "على حامد 75 عاماً " صاحب الـمحل، مازال محتفظاً بأدوات الحلاقة القديمة التى كان يستخدمها قبل 60 عاماً من الآن، رافضاً دخول الشباب و صغار السن، لأنه لا يجيد ولا يحب التعامل مع القصات الجديدة، و يكتفى بنفس الزبائن الذين اعتاد عليهم منذ عشرات السنين، والذين يقصدونه من أماكن وقرى بعيدة عن مدينة نقادة، لأنهم لا يجدون راحتهم إلا فى هذا المحل.
محل الحلاقة رغم بساطته، وتهالك بنائه، إلا أنه يشبه متحف صغير، فالجدران وما تبقى من قطع خشبية و أدوات قديمة، تحمل عبق الماضى وذكريات لا تنسى، كانت شاهدة على تحولات تاريخية عاشتها مصر على مدار القرن الماضى، فبعض الأدوات والقطع التى يحويها المحل يتجاوز مائة عام وأقل قطعة عمرها يزيد عن عشرات الأعوام، كما كان شاهداً على الحلاقة بقرش أو كمية من القمح إلى أن وصل لـ 5 أو 10 جنيهات فى الوقت الحالى، وهى قيمة لا تقارن بأى محل آخر.
قال على حامد، بدأت العمل فى المحل منذ 60 عاماً، حيث كنت أشاهد والدى وهو يمارس هذه المهنة، فتعلمتها منه، وبدأت أساعده فى البداية، إلى أن أتقنتها و بدأت أعمل بجوار والدى، إلى أن رحل إلى رحمة الله تعالى، وورثت المحل والمهنة منه، واستكملت مسيرته، دون إحداث أى تغيير بالمكان أو حتى فى أسلوب التعامل مع الزبائن، فكما كان يفعل أسير على نفس الدرب.
و تابع حامد، التعامل هنا لا يتم إلا مع كبار السن، أما الصغار والشباب فلا يقصدوننى لأننى لا أجيد قصاتهم و لا أحبها لأنها دخيلة على مجتمعنا الصعيدى، و أنا سعيد بأن يكون محلى لكبار السن الذين يقصدوننى من أماكن مختلفة ومن عشرات السنين، وصارت العلاقة بينى وبينهم أكثر من كونهم زبائن، وما يأتينى من رزق أحمد الله تعالى عليه، ولا أعترض على أى مبلغ أتقاضاه من الزبائن.
وأضاف حامد، بأن سعر الحلاقة شهد تطور وتنوع فى القيمة، فقد بدأت بتعريفة ثم قرش إلى أن وصلنا للجنيهات، كما كنت أتقاضى كمية قمح أو عدد معين من البيض مقابل الحلاقة، لكننى لم أحدد قيمة بعينها أو جنيهات بعينها مقابل الحلاقة، فكل ما يأتى خير، يعيننى على استكمال حياتى وتوفير ما أحتاجه بمنزلى، وأمنيتى أن أذهب لزيارة بيت الله الحرام أو أن أخرج من الدنيا بسلام، كما كنت شاهداً على استخدام موس الحلاق الذى يتم سنه على الحجر أو الجلد، إلى أن تطورت الشفرات و أصبحت بشكلها الحالى.
و أوضح حامد، بأنه لم ولن يفكر فى تجديد المحل أو تغيير معالمه، لأنه بمثابة تراث متوارث عن أجداده، كما أنه لا يبحث عن زبائن جدد، فمن يقصدون المحل منذ عشرات السنين لا يقصدون غيره، و أن أى تجديد أو تطوير سوف يكون على حساب المواطن.