EN 
مرت سنوات كثيرة علي قيام ثورة يوليو1952 ومازال البعض يتساءل عن حتمية الثورة وهل استطاعت ان تدفع مصر نحو مسار سياسي واقتصادي واجتماعي جديد وسواء اتفقنا أو اختلفنا معها كانت ثورة يوليو نقطة تحول جذرية في مسار التاريخ الحديث لمصر والمنطقة العربية بل والمتد تاثيرها خارج نطاق حدودها الجغرافية والتاريخية عابرا لكافة شعوب العالم الثالث.
وكان علي رأس أولويات الزعيم الشاب جمال عبد الناصر رئيس مجلس قيادة الثورة آنذاك جلاء الإنجليز عن مصر والذي دعا الي مواصلة المقاومة الشعبية كأحد أدوات الضغط في المفاوضات علي الجانب البريطاني لتوقيع اتفاقية الجلاء وبالفعل وبعد 74 عاما من الاحتلال نجحت مصر ان تتخلص من الهيمنة البريطانية عسكريا واقتصاديا.
وبعد تولي الرئيس جمال عبد الناصر الحكم كان الحلم بمصر الجديدة والذي لن يكتمل الا بالاستقلال الكامل لكن كيف وقناة السويس تخضع لإدارة فرنسية بريطانية لا تحصل مصر الا علي 5% من ايراداتها وجاء القرار التاريخي بتأميم قناة السويس عام 1956 وكان الرد بشن العدوان الثلاثي علي مصر التي استطاعت بالصمود والمقاومة ان تخرج منتصرة واستردت قناتها وبذلك استقلت مصر سياسيا واقتصاديا.
أولى الزعيم ناصر اهتماما كبيرا ببناء الجيش المصري من خلال تنوع تسليحه بكسر احتكار السلاح له وتطوير جميع منظوماته ونجح بأفكاره وتطلعاته الوطنية ان يعيد بناء مصر عسكريا.
بدأ التحول لمصر الحديثة باستراتجيات وطنية تبناها الفكر الناصري فتم تشييد قاعدة قوية للصناعات الوطنية والتحويلية والاستراتجية حققت معدلات نمو للاقتصاد المصري وجاء بناء السد العالي ليتوج الانجازات العملاقة للدولة المصرية.
استطاع جمال عبد الناصر النهوض بالبلاد بالرغم من التحدي الأكبر في كون مصر بلد زراعي شبه اقطاعي واغلب سكانه من الاميين ولكنه مد لهم يد العون ليشاركونه الحلم بمصر الجديدة وأصدر حزمة قوانين اصلاحية قضت علي التفاوت الطبقي الكبير الذي خلفه العهد الملكي مما أعاد رسم وصياغة الحياة الاجتماعية بخلق أنماط جديدة امتدت في عمق المجتمع المصري.
النهوض بالمواطن المصري كان عنوان ابرز للحقبة الناصرية فتم اطلاق مجانية التعليم بكافة مراحله لكل فئات الشعب وبالتوزاي جاءت مجانية العلاج من خلال مد مظلة التامين الصحي والنهوض بالمستشفيات العامة.
وكانت المهمة التنويرية في صدارة الاولويات للرئيس عبد الناصر وكان الاتجاه لاعادة صياغة الهوية الثقافية وتشكيل الوجدان الجمعي فتم ارساء دعائم البنية التحتية للمؤسسات الثقافية بانشاء الهيئة العامة لقصور الثقافة بمختلف انحاء الجمهوريةالوليدة فوصلت الثقافة بمفهومها الاشمل الى قلب الشارع المصرى والعربي.
وكان انتباه الدولة لأهمية صناعة السينما حاضرا فتدخلت لدعمها وخصصت لها لأول مرة بند في الميزانية العامة للدولة وانطلقت المؤسسة العامة للسينما كأحد أهم الروافد الناعمة والداعمة لمصر لتكون انعكاسا يتماشي مع استراتجية الدولة داخليا وخارجيا.
وكان احد أبرز إنجازات الثورة أنشاء التليفزيون العربي بقرار من الرئيس عبدالناصر ليكون اول منبر له رسالة تنويرية داخل كل بيت من المحيط للخليج ويصبح اسمه التليفزيون العربي ويسير معه بالتوازي انشاء مسرح التلفزيون الذي ساهم في خلق مناخ مسرحي غير مسبوق في مصر.
وكان لابد من استكمال المنظومة الثقافية بإنشاء أكاديمية الفنون التي ضمت المعاهد العليا للمسرح والسينما والنقد والباليه والاوبرا والموسيقى والفنون الشعبية.
الحديث عن إنجازات ثورة يوليو لا تسعه سطور بل تفرد له مجلدات ويكفي ما ذكره احد المحللين السياسيين في بريطانيا ان الثورة أتاحت للمصريين حكم بلادهم بعد 2500سنة تعرضت فيهم مصر لسلسلة من الغزاة من فرس ورومان ويونانيين واتراك وفرنسيين واخرهم البريطانيين.
وستظل الصورة الذهنية لثورة يوليو بفلسفتها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية محفورة في وجدان المصريين كل التحية للجيش المصري وتنظيم الضباط الأحرار وكل الإجلال لروح الزعيم الخالد جمال عبد الناصر .
