أعرب الناقد الأدبي الدكتور حسين حمودة، عن حزنه على رحيل الدكتور أحمد مرسي، أستاذ الأدب الشعبي والفولكلور بجامعة القاهرة، قائلا: "تسرقني الآن السكين التي ظلت تسرقني في السنوات الأخيرة مع كل رحيل لمن رحلوا ورحلن، وتركوا وتركن حياتي أكثر فراغا.. لا أعرف متى سوف أستوعب رحيله.. فقط أنا موقن أنه باق ومقيم معي، مع كل الراحلين المقيمين".
وأضاف حمودة، في منشور مطول عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي: "عرفته في بعض سنوات السبعينيات من القرن الماضي، في مدرج 18 بكلية الآداب بجامعة القاهرة. كان يدرس لي مادة الأدب الشعبي التي كنت ولا زلت شغوفا بها، وكانت وظلت شاغله الأكبر.. كان متشبعا بها، يتحرك بملابسه الأنيقة، ولكننا نتخيله بزي فلاح مصري نظيف.. في امتحان المادة فوجئت بيد تربت على كتفي، والتفتّ وكانت يده وكان هو.. كان يمرّ على طلاب امتحانه ليطمئن على أن كل شيء يسير بهدوء".
وواصل: "مرت سنوات، والتقينا في مؤتمر عقد بمبنى جامعة الدول العربية أوائل الثمانينيات.. كان مشاركا فيه، وكنت أقوم بعمل صحفي عنه.. اطمأن على أحوالي واتفقنا على موعد للقاء.. تعددت اللقاءات فيما بعد، ثم اتصلت والتأمت عندما تركت الصحافة وعملت بالكلية التي كنت طالبا بها.. وفي كل لقاءاتنا كان أخا أكبر، ومجالسا جميلا، محافظا على روحه الفياضة التي تحب النكتة وتقدرها، وفيا لآبائه الروحيين وعلى رأسهم أستاذه وأستاذي الدكتور عبدالحميد يونس".
وأضاف: "سنوات كثيرة ستمر.. وسوف أراه وأعرفه كما لم أره أو أعرفه من قبل: في بعض اللجان، وفي بعض الأماكن، ومع بعض الناس، وفي كثير جدا من المواقف.. وسوف أشهده يقدم يد العون لكل من يطلب ومن لا يطلب منه العون.. يتصرف باعتباره "ابن بلد" حقيقي، شهم، و"صاحب صاحبه" وصاحب من ليس صاحبه أيضا".
واستطرد: "حكى لي حكايات كثيرة جدا عن تجاربه، وسلّل لي خلالها رسائل كثيرة عن (معادن) بعض الناس، وعن البشر عموما، قبل سنوات قال لي: (تعرف إنك درّست لابني من غير ما تعرف إنه ابني؟ وإنه كان بيشكر في طريقة تدريسك وما رضيتش أقول لك؟).. وفهمت أن ابنه (عمر) كان من بين طلابي بالجامعة الأمريكية.. وأنه لم يشأ أن يخبرني وقتها بذلك.. آثر أن يخبرني بعد تخرجه".
صور زائفة
واستطرد: "قبل سنوات قليلة، بعد إصابته بكسور، انتقل إلى مستشفى هادئ وصغير قريب منّي في 6 أكتوبر.. زرته زيارات عديدة مطولة.. كان يبتهج بوصولي وتبدأ وتتوالى حكاياته.. وكان من بينها عمن يخبئون نفوسا معتمة تحت صور زائقة براقة.. وكان مغزى بعض الحكايات: (ما تخليش النظرة الطيبة تخدعك.. وما يغرّكش اللي ظاهر قدامك)".
وأوضح: "في بدايات المرض التقينا مرات عدة في أماكن عدة (منها مرة لمناقشة رسالة عن "ألف ليلة" قدمتها تلميذته وتلميذتي نادية عرفة، وكان يرتدي "كمامة" قبل أن يشيع ارتداء الكمامات.. ومنها مرة في هيئة الكتاب، وكان يرافقه ابنه الخلوق "محمد" يحمل جهازا للاستنشاق).. كنت أستمسك معه بالأمل.. مع تفاقم المرض اكتفيت بمكالمات متباعدة.. لم أكن أريد أن أراه بملامح أخرى".
وقال: "لم أزره في مستشفاه.. كان يساعدني سؤالي عنه للعارفين بتطورات صحته، وعلى رأسهم الدكتور أحمد بهي الدين العساسي الذي أكد لي، غير مرة، أن زيارته ممنوعة، وفي مرة قريبة قال إنه قد أجرى عملية، وإن زيارته لا زالت ممنوعة.. لم أستطع حتى أن أسأل ابنه محمد عنه.. لم أكن أريد أن تفضحني نبرات صوتي فتضيف حزنا إلى أحزانه".
وتابع: "لم أبك على رحيله بعد.. فقط أسترجع كفاحه الطويل والأدوار المتعددة التي قام بها من أجل الاهتمام بالتراث الشعبي العربي الذي وهب له حياته، وسعيه إلى جمعه ودراسته، وكتاباته المهمة في مجالاته، ودفاعه المجيد عنه في كل مكان.. فقط أستعيد بعض أحاديثنا عبر السنوات.. وأسترجع رؤيته لظاهرة الموت في كتابه الجميل (كلّ يبكي على حاله ـ دراسة في العديد)، الذي تأمل فيه ظاهرة الحزن، ومظاهر البكاء على الموتى في جانب مهم من جوانب الثقافة الشعبية المصرية، ليوضح حمودة في الأخير أن ذلك جزءا من (كتاب الراحلين المقيمين)".
يشار إلى أن الدكتور أحمد مرسى، أستاذ الأدب الشعبي والفولكلور بجامعة القاهرة، توفي في وقت مبكر من صباح اليوم الأربعاء، بعد تعرضه لوعكة صحية أدت لدخوله أحد المستشفيات بمنطقة السادس من أكتوبر.