اتخذت وزارة النقل وشركة "آر.ايه.تي.بي" ديف للنقل كايرو، الشركة المسؤولة عن تشغيل الخط الأخضر الثالث، عدد من الإجراءات على خلفية أزمة لوحات محطة مترو كلية البنات بالخط الثالث للمترو، كان آخرها إعلان وزارة النقل المصرية إقالة المهندس اللواء عصام والي رئيس الهيئة القومية للأنفاق.
تأتي هذه المستجدات في ضوء القضية التي شغلت الرأي العام في مصر وروسيا على مدار الأيام الماضية، بعد انفراد «صدى البلد» بنشر تحقيق في الأول من يوليو الجاري، يتضمن المطالب الأولى من الفنان الروسي جورج كوراسوف بحقه في الاعتذار أو نسب هذه اللوحات إليه بعد استخدامها من قبل مكتب والي للتصميمات في تصميمات محطة المترو دون إذن مسبق.
الفنان الروسي جورج كوراسوف يطالب بحقه
في البداية حاول «صدى البلد» التواصل مع مصممة الجرافيك المصرية غادة والي، مصممة جداريات محطة مترو كلية البنات غيرها من محطات الخط الثالث، ولكن لم يتم الرد أو إيضاح الفلسفة العامة للتصميم وحقيقة أنها مستوحاة من أعمال كوراسوف.
لم يكن الفنان الروسي جورج كوراسوف الشهير بلوحاته وفنه التكعيبي، على علم باستخدام أعماله مع تغيير الألوان وإضافة بعض التعديلات، وبعد محاورته وإرسال صور رسومات محطة مترو كلية البنات، أكد على استخدام أربعة من لوحاته.
عبر عن استيائه من استخدامها دون إذن، وأوضح أنه لم يكن ليعارض استخدامها خاصة أنها في محطة مترو مصرية يزورها الآلاف يوميا، موضحا أن رسومات مترو كلية البنات تضمنت استخدام 4 من لوحاته موجودة بالفعل في قسم الأصول على الموقع الرسمي الخاص به.
أربعة لوحات واستخدام خاطئ
أوضح كوراسوف تاريخ لوحاته الأربعة المستخدمة دون إذنه خاصة أن واحدة منها تسبق جدارية مترو كلية البنات بـ 27 عاما، وكانت ثلاثة منها مباعة بأرقام 38 لعام 1995، ورقم 116 لعام 2001، ورقم 168 لعام 2005 ، والرابعة ما زالت متوفرة تحمل رقم 212 لعام 2012 بقسم الأصول المتوفرة.
ولكن أشار إلى خطأ وقعت فيه المصممة المصرية، وهو أن اللوحة المستخدمة في محطة مترو “كلية البنات” مستوحاة من لوحة رقم “38”، ولكن هذه اللوحة ليست عن مصر القديمة بل هي عن اليونان القديمة، ويقول أنه في هذه اللوحة تم رسم "بينلوبي زوجة اوديسيوس” في ملحمة “هوميروس" الشهيرة، وبالتالي لا تتماشى مع مضمون التصميم العام الذي يمثل الحضارة المصرية القديمة، ولوحة أخرى رقم "168" عن الرقص المصري القديم من سلسلته "الرقص العالمي".
في غضون ساعات من مطالب الفنان الروسي بحقه في رسومات مترو كلية البنات التي تم استخدامها دون إذنه، ضجت وسائل الإعلام المصرية والروسية بالمطالبة في التحقيق في الأمر، وكانت البداية تعليق عدد من الفنانين على الأزمة من بينهم أحمد وفيق وعباس أبو حسن، وغيرهم ممن لاحظ تشابه كبير بين الجدارية وأعمال كوراسوف الأربعة التي أشار إليها.
شكك البعض في حقيقة مطالبه، لهذا نشر رابط حديثه مع "صدى البلد" عبر صفحته الخاصة بموقع التواصل الإجتماعي "فيسبوك" استمرارا للمطالبة بحقه الفكري.
نقابة التشكيليين تتحرك
على الفور تحركت نقابة التشكيليين، إذ أصدرت صفاء القباني نقيب التشكيليين بيانا علقت فيه على الأزمة، وقالت أن غادة والي ليست عضو نقابة الفنانين التشكيليين ولم تعرفها من قبل، مهاجمة استنساخ أعمال فنان روسي دون تصريح منه واعتبرته تعدي عليه وعلى حقوق الملكية الفكرية.
وأشارت القباني إلى أنه لا يجوز أن يستخدم أحد أعمال أحد إلا بعد أخذ إذنه وكتابه اسمه مشاركه في العمل، وتابعت: «الأستاذة ليست فنانة جداريات.. والتصوير الجداري علم له أصول وعلاقة بالتصميم المعماري ولدينا كبار وشباب الفنانين الذين صمموا ونفذوا جداريات مترو الأنفاق الخطوط الأولى وهو الفنان الكبير سامي رافع ونفذ أعمال جداريات التحرير الفنان الكبير أحمد نبيل وزكريا الزيني وممدوح عمار وغيرهم من كبار الفنانين».
محمد مكاوي مصمم محطات الخط الثالث بمترو القاهرة
الغريب في الأمر أن محطات مترو الخط الثالث لها تصميماتها الخاصة بالفعل، والتي نفذها الفنان التشكيلي القدير د. محمد مكاوي عميد كلية الفنون الجميلة الأسبق، والذي استغرق 24 عاما في تصميم الخط الثالث منذ بدأت رحلته في جداريات مترو الخط الثالث عام 1998.
التقى «صدى البلد» بالفنان محمد مكاوي مصمم محطات مترو أنفاق الخط الثالث، وفي البداية رفض التعليق على أزمة غادة والي أو الإشارة عليها، لكن أوضح رحلته في تصميم المحطات ومن بينها المحطة المثيرة للجدل "كلية البنات".
وقال أن رحلته مع تصميم محطات الخط الثالث بالمترو بدأت بمسابقة تفوق فيها على 1800 فنان مشارك، وتوالى تفوقه في كل محطة حتى أولت الهيئة القومية للنقل مهمة تصميم محطات الخط الثالث له.
ويتابع لـ «صدى البلد» أن كل محطة استغرقت منه الكثير من الوقت لتصميمها، إذ يتوصل لفكرة كل محطة بعد عدد من الجولات في المنطقة لمعرفة الرمز المميز لها وطريقة تقديمه.
وعلى حد وصفه لا تظهر روح الفنان في تصميم محطة عامة ولكنه يقدم عمل فني يدركه كل الفئات والأعمار الذين يزورون المحطة يوميا، بالإضافة إلى تمييز كل محطة بفكرة وألوان محددة يستطيع الزائر تمييزها من خلالها.
وعن عدم استخدام لشخصيات تاريخية أو عصور مصرية مختلفة، أوضح ان هذا ليس الهدف من تصميم محطة مترو، "المتاحف تقدم هذا الدور"، بالإضافة إلى أنه طوع تصميماته لتنفيذها بمحطات الخط الثالث بالمترو بخامة محلية "موزايك" مصري يستطيع تحمل الظروف الجوية تحت الأرض ومرور الزمن.
وأشار إلى نقطة هامة وهي الداريات التي استخدمتها غادة والي، فهي صامتة بدون نقوش، وتركها فارغة لهدف وهو راحة العين، وحتى لا تصيب الشخص بالارتباك خلال السير، وهي المساحات نفسها التي أساءت المصممة استخدامها لاحقا.
تدخل قانوني
رغم تحرك المترو وتقديمها اعتذارا عما حدث، إلا أن جورج كوراسوف كان في انتظار اعتذار رسمي من المخطئ في رأيه وهي مصممة الجرافيك غادة والي، لهذا لجأ إلى محامي مصري يصبح مسئولا عن قضيته، وهو أحمد حسن العطار، عضو الاتحاد الدولي للمحامين ومؤسس مكتب العطار الدولي، بعد توليه موافقة كتابية من كوراسوف.
وقال العطار في الخامس من يوليو، في أول حوار له الخطوات المتبعة، وهي وقال أنه في حالة إزالة الرسومات فهي ليست ذات صلة بمسألة التعويض المنعقد طلبه لأن القاعدة المهمة والأولى هي إزالة الضرر وهو ما حدث بالفعل، أما عن التعويض فأوضح لـ "صدى البلد" أنه لا رجوع عنه لأن الضرر قد وقع وحدث بالنسبة للفنان والرسام جورجى كوراسوف بالفعل.
مضيفا: "أما التعويض منوط به مكتب المصممة لسبب هو أن الضرر الذى يُطلب بناء عليه التعويض ليس متعلقا فقط بإزالته (لأن هذا غير كاف) لأن الإزالة لا تعد تعويضا، بل تعتبر رجوعا للحق واحتراما واعتذارا ضمنيا ليس إلا، فهو خطوة مبدئية قبل المطالبة بالتعويض وهذا ما حدث، ولم يتم تحديد قيمة التعويض بعد".
اعتذار رسمي
في السابع من يوليو، اتخذت شركة "آر.ايه.تي.بي" ديف للنقل كايرو، قرارا بإزالة الرسومات، وهي ملصقات"فينيل" على الجدران الموزايك، ونشرت الشركة مقطع فيديو يوثق لحظة نزعها يحمل عنوان : ""آر أي تي بي" ديف للنقل كايرو تحترم الملكية الفكرية".
في اليوم نفسه، أرسلت السفارة المصرية بموسكو خطابا للفنان الروسي، وتمكن «صدى البلد» من الحصول على نسخة من هذا الخطاب.
وقال المكتب الثقافي التابع للسفارة المصرية بموسكو في نص الخطاب الذي وجهه إلى الفنان الروسي: "السيد المحترم جيورجي كوراسوف، مع كامل الاحترام لك، يشرف المكتب الثقافي التابع لسفارة جمهورية مصر العربية في روسيا الاتحادية طلب رقم هاتفك من أجل التواصل معك بهدف مناقشة بعض المسائل، نغتنم هذه الفرصة لنعرب عن أملنا في التعاون معكم مستقبلا، مع فائق الاحترام".
إقالة المهندس عصام والي
تستمر التحقيقات في قضية لوحات مترو كلية البنات بالخط الثالث للمترو، وأعلنت وزارة النقل المصرية إقالة الدكتور عصام والي، رئيس الهيئة القومية للأنفاق، من منصبه، وتعيين شريف حسن ليل نائب رئيس الهيئة، قائمًا بأعمال رئيس هيئة الأنفاق.
وتأتي هذه الإقالة على خلفية الأزمة الأخيرة، بعدما أعلنت الهيئة القومية للأنفاق وشركة "آر.ايه.تي.بي" ديف للنقل كايرو، الشركة المسؤولة عن تشغيل الخط الأخضر الثالث، أنها تتابع مواقع التواصل الاجتماعي والمنصات الإعلامية.