جميعنا نعلم أن لقب “باشا” لقب فخر فى الدولة العثمانية يمنحه السلطان العثماني إلى السياسيين البارزين والجنرالات والشخصيات المهمة والحكام، ولكن مؤخرًا اُكتُشف أن لقب "باشا" ليس حديثًا ويرجع إلى الحضارة المصرية الفرعونية القديمة لعصر الملك أمنحتب الثالث، فكان يطلق عليها فى صعيد مصر الباشا لما له من تماثيل ضخمة مبهرة، أمنحتب الثالث تاسع ملوك الأسرة الثامنة عشرة.
ومن أعظم حكام مصر على مر التاريخ، وحكم فى الفترة ما بين (1391-1353) قبل الميلاد ابن الملك تحتمس الرابع والملكة موت إم وَيَا، ولُقب بألقاب عديدة تشيد بعظمته وهى ( سيد العدالة، الحقيقة، النظام هو رع ، آمون راضٍ ، حاكم طيبة ، الثور القوى ، الظاهر، المضيء فى العدالة، مقنن القوانين، مهدئ الأرضين، عظيم البطش، ضارب الآسيويين).
بعد وفاة والدة الملك تحتمس الرابع تولى العرش، وكان أمنحتب الثالث في بداية حكمه مهتما بالرياضة وخاصة الصيد والقنص، حيث كان صيادًا بارعًا، وعثر له على جعران يسجل فيه أنه اقتنص مائة ثور بري في رحلة صيد ملكية استغرقت يومين، وجعران آخر ذكر فيه أنه منذ ارتقائه العرش قتل 102 من الأسود في رحلات الصيد.
تزوج أمنحتب الثالث في السنة الثانية من حكمه الملكة تيي، ولم يكن لها أصول ملكية ولكن والديها كانا يشغلان مناصب راقية في الدولة، أنجبت له الملك أمنحتب الرابع خليفته، الذي آمن بالإله الواحد ومثله في الشمس (آتون) كعاطية للحياة، وأسمى نفسه إخناتون ومعناه "المخلص لآتون" .
وعلى الرغم من أن الملك أمنحتب الثالث يتصف بشخصية قوية إلا أنه كان أيضا يمتلك سمات رومانسية، وتعد قصة حب أمنحتب الثالث والملكة تي قصة تتحدى العادات والتقاليد، ومن أجلها أمر بتغيير القوانين المقدسة لكهنة آمون بالرغم من أن الملكة تي من خارج الدماء الملكية ولا يجوز زواجهما، إلا أنه أمر بإنشاء بحيرة شاسعة وقارب ذهبي من أجل محبوبته العظيمة كي تتنزه.
ومن أجلها أيضا أمر بإقامة معبد كرّسه لعبادتها في منطقة صادنقا، على بعد 210 كيلومترات جنوبي وادي حلفا، كما يشهد على هذا الحب العظيم وجود تمثال عملاق للملك تجلس إلى جواره محبوبته تيي بنفس الحجم، في دلالة فنية على علو الشأن وعظيم الحب.
عثر العلماء على أكثر من 700 تمثال منحوت لها بالأقصر صنعت في عامين، فكان يأمر بنحت تمثال لها يوميا كما أمر أن يطلق عليها العديد من الألقاب التى تُعلي من شأنها.
كان لأمنحتب الثالث زوجات أخريات منها زيجات دبلوماسية من أميرات أجنبيات مثل الأميرة جلوخيبا بنت ملك متنى (في العراق اليوم) وأميرة نهرين، وتزوج من أخته إيزيس، وفي العام الثلاثين من أخت أخرى له تدعى «ست أمون»، والمعروف أنه أنجب ستة من الأبناء منهم ولدان هما تحتمس وهو الابن الأكبر ومات في حياته، و4 بنات وأمنحتب الرابع، (إخناتون) وكان يشارك والده في العرش وهو من أنهى عبادة آمون.
وتؤكد الوثائق أن الملك أمنحتب الثالث لم يَقُمْ بحرب غير حملة واحدة في بلاد "كوش" في السنة الخامسة من حكمه، وهناك وثائق تحدثنا عن هذه الحملة؛ أهمُّها لوحة نُقشت في الصخر عند الشلال الأول، رُسم في الجزء الأعلى منها الملك يَطَأ بقدميه الآسيويين ويضرب السُّود، وأمامه الإله "آمون" ، ثم الإله "خنوم" إله الشلال، وخلفه الإله "بتاح" رب "منف" .
وقال نائب فرعون ابن الملك الساهر لأجل سيده، محبوب الإله الطيب، حاكم كل بلاد "كوش" ، وكاتب الملك "مرمس" يقول: الحمد لك يا أيها الإله الطيب، إن بأسك عظيم على مَن يُجابِهك، وإنك تجعل مَن يثور عليك يقول: إن النار التي أشعلناها تضطرم فينا، وإنك ذبحتَ كل أعدائك وطرحتَهم تحت قدميك.
اهتم أمنحتب الثالث ببناء العديد من الآثار المعمارية، وكان من أهم تلك المعابد معبد في طيبة ولكنه هدم بعد ذلك، وبنى أيضًا معبدًا للإله مونتو في الكرنك، وبنى معبدًا للإلاهة "موت" زوجة الإله "آمون رع"، وبنى الصرح الثالث في معبد الإله آمون الرئيسي، وأقام لنفسه المعبد الجنائزي، والذي يعدُّ أهم بناء أقامه، وله أيضًا تمثالان جالسان في طيبة، يبلغ ارتفاع كل منهما نحو 15 م.
حكمَ أمنحتب الثالث لمدة 38 عامًا وتوفي بعد ذلك عن 50 عامًا، ويرجَّح أنَّه توفي نتيجة إصابته بمرض غير معلوم، وقد اكتشفت مقبرته التي كان قد أعدَّها لنفسه في عام 1799م، وكان رقم المقبرة 22 من مقابر وادي الملوك، ولكنَّها كانت فارغة وجدرانها مهدمة نتيجة العوامل الجوية والضغوط، ولم تكن المومياء بداخلها، واكتشفت لاحقًا في الدير البحري عام 1881م، وكان الكهنة قد أخفوها هناك.