فوضى عارمة وطوابير انتظار ضخمة، وحقائب ملقاة على جنب الطرقات لا تجد موظف خدمة يحملها إلى الراكب، مسافرون ضجروا من التكدس وطول الانتظار فغادروا الصالات قبل تسلم حقائبهم التائهة داخل أروقة صالات المطار.. هكذا المشهد داخل أكبر مطارات أوروبا وأكثرها ازدحاما.
القارة العجوز، تقف منذ عدة أسابيع؛ عاجزة أمام حالة الارتباك والفوضى داخل مطاراتها بعد تكدس المسافرين مع تشغيل الموسم الصيفي لهذا العام، تلك الزيادة المتنامية والسريعة التي شهدتها حركة الطيران العالمي، والتي ارتفعت بنسبة 325.8% عالميا، وفي أوروبا بنسبة 412.3% خلال مايو 2022 ؛ - لم تكن في حسبان سلطات مطارات أوروبا ومسئولي شركات خدمات الطيران هناك، التي تخلت عن الآلاف من موظفيها وقت ذروة جائحة كورونا الوبائية، بعد عجزها أمام الخسائر.
قبل عام من الآن، بدأت مؤشرات التعافي والتحسن النسبي في حركة السفر العالمي، تظهر جليًا بمختلف مناطق دول العالم، بعد الكبوة التي أصابتها من الجائحة الوبائية، توقع الاتحاد الدولي للنقل الجوي “إياتا” حينها، أن يستمر القطاع في تعافيه في ظل استجابة بلدان العالم إلى اللقاحات، وتنبأ أيضًا بتلك الزيادة المطردة في أعداد المسافرين وقدرها للعام 2022 بنحو 3.4 مليون مسافر، لتكون بمثابة موجة ارتداد سريعة للقطاع بعد عامي العزلة وشهور القيد.
حينها، قال الاتحاد الدولي للنقل الجوي “إياتا”، "إن الناس يتوقون إلى السفر، لذا على الحكومات أن تضع استعادة السفر العالمي في مقدمة أولوياتها، واسترجاع الوظائف التي وفرها قطاع الطيران قبل أزمة كورونا والمقدرة بنحو 1.5 مليون وظيفة. لكن في تلك اللحظة يبدو أن مطارات أوروبا وشركات الطيران العاملة هناك، لم تستطع استعادة موظفيها الذين تخلت عنهم وقت ذروة الجائحة وظلت تترقب العودة الحقيقية للسفر أملًا في تعويض الخسائر وتوفير الالتزام، ولكن تعود حركة السفر اليوم، بوتيرة سريعة وتجد أوروبا غير جاهزة لهذه العودة.
جمعية المطارات الأوروبية، توقعت في إحصائية لها، أن يحدث حالة ارتباك في الرحلات الجوية داخل 66 % من المطارات الأوروبية ما بين تأخير وإلغاء وأيضًا تخلف في حقائب المسافرين عبر عدد من مطارات أوروبا الرئيسية فى بريطانيا وألمانيا وفرنسا وهولندا وبلجيكا وأسبانيا وغيرها أيضًا، وقد يصل الأمر إلى إلغاء الرحلات الجوية بسبب نقص أعداد العمالة.
السيناريو الذي توقعته المنظمات الدولية المعنية بصناعة الطيران، يحدث فعليًا اليوم على أرض الواقع، وداخل أكبر المطارات في أوروبا وأكثرها ازدحاما، وهو مطار هيثرو بالعاصمة البريطانية لندن، الذي تصدرت أحداثه عناوين الصحافة العالمية على مدار الفترة الماضية، ما بين تداول لمشاهد الفوضى داخل الصالات وأخرى للتكدسات، وصولا إلى قراره الذي أصدره قبل يومين، بتقليل عدد المسافرين ووضع حد يومي للسفر من خلاله يقدر بنحو 100 ألف راكب يوميا وذلك حتى 11 سبتمبر المقبل، في واقعة تحدث لأول مرة.
وطالب مطار هثيرو شركات الطيران العالمية التي تشغل رحلات جوية إليه ومقدرة بنحو 1300 رحلة يوميًا، التوقف عن بيع التذاكر على مدار الشهرين القادمين، وإلا سيظل المسافرين يعانون من الانتظار أو إلغاء رحلاتهم. في الوقت ذاته خرج المدير العام لمطار هثيرو في تصريح، يقول إن بعض الأقسام الهامة في المطار تعاني من نقص كبير في الموظفين، خصوصًا الموظفين على الأرض الذين توظفهم شركات الطيران، لإدارة تسجيل الأمتعة والتعامل معها.
ليس مطار هيثرو فقط ما يعاني الفوضي، ولكن أيضًا سلطات مطار جاتويك ثاني أكثر المطارات ازدحامًا في بريطانيا، أعلنت أنها ستضع سقفًا على رحلات المغادرة والهبوط هذا الصيف وسيتم السماح بـنحو 825 رحلة مغادرة وهبوط فقط في يوليو والسماح بـحوالى 850 عملية يومية فقط خلال أغسطس المقبل، والأمر داخل مطار "ستانستيد" لا يختلف كثيرًا عن وضع هيثرو وجاتويك.
وكذلك مطارات ألمانيا، شهدت إرتباكا فى الرحلات أيضًا حيث أعلنت شركة لوفتهانزا الألمانية، أنها ستلغي ما يقرب من 1000 رحلة في يوليو الحالى بسبب نقص الموظفين المدربين وسيؤثر هذا بشكل أساسي على المطارين الرئيسيين في ألمانيا وهما فرانكفورت وميونيخ.
وفى مطار شارل ديجول الفرنسي، تم إلغاء العديد من الرحلات مع استمرار الإلغاءات، بعد طلب هيئة الطيران المدني الفرنسية تخفيض الرحلات بنسبة 17% بسبب إضراب العمالة، وفى بلجيكا يواجه مطار بروكسل اضطرابات شديدة في السفر وشهد المطار بالفعل إلغاء 315 رحلة طيران على الأقل، مما أربك خطط السفر لأكثر من 40 ألف مسافر.
أما أكبر مطار في هولندا وهو " سخيبول "، وضع أيضًا سقفا لعدد الركاب بالمطار يوميا هذا الصيف فى سابقة لم تحدث من قبل، نتيجة للتكدسات هناك داخل المطار وانتظار الركاب لساعات طويلة أمام الكاونترات، بسبب النقص الحاد في العمالة.
وفى أسبانيا، دفعت الطوابير والفوضى في المطارات الإسبانية إلى تعيين 500 موظف إضافي لنشرهم في المطارات الأكثر ازدحاما. بعد عجز قرابة 15 ألف مسافر هناك من اللحاق برحلاتهم. وفى مطار دبلن بأيرلندا لم يتمكن أكثر من ألف مسافر من اللحاق برحلاتهم في يوم واحد بالمطار الرئيسي للبلاد بسبب الطوابير الطويلة والازدحام الشديد.
أما عن الولايات المتحدة الأمريكية ألغت شركات الطيران الأمريكية أكثر من 1100 رحلة خلال أسبوع واحد، وتأخرت نحو 22 ألف رحلة جوية، بسبب نقص الأطقم العاملة بشركات الطيرانوإضراب بعضها. وفى كندا تأثرت 54 % من الرحلات في 6 مطارات كندية رئيسية مابين التأخير والإلغاء حيث شكلت نسبة التأخيرات للرحلات التى تأخرت 38 % بينما بلغت نسبة الإلغاء 16%.
أوروبا وأمريكا ودول العالم المتقدم، لم تعش بمنأى ومعزل عن العالم، كل تلك الاضطرابات التي تشهدتها المطارات، كان لها تأثيرها الواضح على معظم بلدان العالم، المتكاملة معاها في تلك الشبكة الجوية المترابطة، بينها هذه البلدان مصر ومطار القاهرة بصورة أدق، فالناقل الوطني مصر للطيران، يدرج على جدول تشغيله المنتظم لهذا الصيف نحو 174 رحلة جوية أسبوعيًا بين القاهرة ومطارات أوروبا، ولكن تلك الفوضى التي تعيشها أوروبا أثرت على هذا التشغيل، وجعلت الشركة الوطنية اتخذت قرارا بتخفيض رحلاتها لبعض الوجهات في أوروبا بعد مطالب سلطات المطارات هناك.
واضطرت مصر للطيران، إلى إلغاء رحلتها اليوم، الخميس، رقم MS779 المقرّر إقلاعها من مطار القاهرة إلى مطار هيثرو، وكذلك ألغت رحلتها رقم MS780 القادمة من هناك، بعد مطالبات مطار هيثرو للشركات بتقليص أعداد المسافرين، وكذلك الأمر بنسبة لمطار "شخيبول" بأمستردام فى هولندا، أعلنت مصر للطيران، أنه حتى نهاية يوليو الجاري سيتم تغيير بعض الحجوزات لظروف خارجة عن إدارة الشركة بسبب مطالب المطار هناك من شركات الطيران بتقليل الرحلات الجوية إليها.
وفقدت صناعة الطيران العالمية حوالي 4 ملايين وظيفة منذ بداية الجائحة الوبائية في عام 2020، في الوقت الذي كان يسجل فيه القطاع أسوأ فترة في تاريخه، بمعدل خسائر قدر بنحو 230 مليون دولار يومياً، حيث خسرت شركات الطيران على كل مسافر 37.54 دولار، الأمر الذي دفع العديد من الشركات حول العالم إلى تسريح العمالة والأخر أعلن إفلاسه.
وتسبب التخلي عن العملة في فترة الجائحة الوبائية، وتحديدا موظفي الخدمات الأرضية، فقدان وتأخر الحقائب بالمطارات حول العالم وتحديدا رحلات العبور الطويلة، حيث ارتفعت نسبة تعرض الأمتعة لسوء المناولة حول العالم بواقع 24% ليصل إلى 4.35 حقيبة لكلّ ألف مسافر خلال عام 2021، بالتزامن مع تعافي القطاع من تداعيات الجائحة الصحية العالمية، ووصلت نسبة الحقائب المتأخرة إلى 71% من إجمالي ما تم تسجيله خلال العام 2020. - حسب الاحصائيات العالمية -.
وكان الاتحاد الدولي للنقل الجوي “إياتا”، ذكر في تقرير سابق له، أن القوة العاملة، تُشكل أعلى التكاليف التشغيلية بالنسبة لشركات الطيران، حيث توقع أن تصل تكلفة أجور القطاع إلى 173 مليار دولار أمريكي خلال العام 2022، بزيادة بنسبة 7.9% عن عام 2021، الذي وصلت فيه نسبة العمالة المباشرة في القطاع إلى 2.7 مليون عامل.
وكان الاتحاد الدولي للنقل الجوي “إياتا”، ناشد حكومات دول العالم، في أوان ذروة الجائحة الوبائية، أن تقدم الدعم اللازم لشركات الطيران، حتى تتمكن من الصمود أمام الجائحة التي عصفت بالعشرات من شركات الطيران وأركعتها بإعلان إفلاس بعضها وتخلي البعض عن العمالة، في حين استطاعت الحكومة المصرية أن تقف بقوة خلف الشركة الوطنية مصر للطيران، بدعمه بتوفير السيولة المالية اللازمة، أعانتها على قرار عدم التخلي عن موظفيها خلال فترة أزمة الجائحة الوبائية، في الوقت ذاته تأثر أيضا في مصر شركات الطيران الخاصة العاملة بالمطارات لعجزها عن سداد التزامها وتعثرها في الفوز بالمنح المالية التي حاولت الحكومة حينها توفيرها، ولكن تصادمت مع اشتراطات البنوك التي طالبت بأصول ثابتة ضمانًا مقابل أموالها.