كيف يمكن أن يحدث هذا في اليابان؟.. منذ ورود أول الأنباء عن اغتيال رئيس وزراء اليابان السابق شينزو آبي بالرصاص صباح اليوم بينما كان يلقي خطابا في جولة انتخابية، راح السؤال يتردد على ألسنة المتابعين أكثر حتى من السؤال عن دوافع القاتل.
لا تشهد اليابان عادة حوادث عنف سياسي أو كراهية إلا فيما ندر، ومجرد وقوع حادث من هذا النوع في اليابان يُعد من الغرائب، فكيف والضحية هذه المرة هو شينزو آبي الشخصية السياسية الأبرز والأكثر سطوعًا في البلاد منذ عقود؟
اليابان .. البلد الأهدأ قبل مقتل شينزو آبي
وفقًا لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، فالجريمة المنظمة ليست غريبة بالكامل عن اليابان، وتُعد "ياكوزا" أشهر وأكبر عصابة للجريمة المنظمة في اليابان، وتشبه المافيا إلى حد ما، لكن حتى رجال ياكوزا يتجنبون استخدام الأسلحة النارية لأن القانون الياباني يقيد ترخيصها ويفرض عقوبات صارمة على حامليها دون ترخيص.
ويتطلب استصدار ترخيص لحيازة سلاح بموجب القانون في اليابان الوفاء بشروط صعبة، بينها سجل جنائي نظيف وتدريب إجباري على استخدام السلاح بشكل صحيح وتقييم نفسي، بالإضافة إلى تحريات دقيقة من الشرطة حول مقدم الطلب تصل إلى عقد مقابلات مع جيرانه لسؤالهم عن سلوكه.
ولذا فإن جرائم القتل بالرصاص شديدة الندرة في اليابان مقارنة بغيرها من الدول، وفي المتوسط يسقط 10 أشخاص فقط سنويًا ضحية للعنف بالأسلحة النارية، وفي عام 2017 قُتل 3 أشخاص فقط في اليابان كلها بأسلحة نارية.
قاتل شينزو آبي .. الهوية والدافع المجهول
يدفع ذلك إلى التساؤل حول هوية قاتل شينزو آبي ومصدر المسدس الذي استخدمه في عملية الاغتيال. تشير المعلومات الأولية إلى أن القاتل ياباني يبلغ من العمر 41 عامًا خدم سابقًا في القوات البحرية التابعة لقوة الدفاع الذاتي، وتكشف الصور الملتقطة للمسدس الذي سقط أرضًا بجانب القاتل لحظة إلقاء القبض عليه أنه بدائي الصنع جرى تركيبه منزليًا بأدوات بسيطة، وقد يكون مستوحى من تصميمات لأسلحة بدائية الصنع مشابهم منتشرة عبر شبكة الإنترنت.
ولم تُعرف بعد دوافع قاتل شينزو آبي، ولكن الحادث نفسه دفع المتابعين لتذكر حوادث العنف السياسي النادرة في اليابان، وأشهرها تعرض زعيم الحزب الاشتراكي إنيجيرو أسانوما للطعن بسيف ساموراي عام 1960 على يد متطرف يميني. ولا يزال اليمينيون المتطرفون موجودين حتى اليوم في اليابان، لكن كون شينزو آبي نفسه من المحسوبين على التيار اليميني القومي يستبعد احتمال استهدافه من جانبهم.
العنف الفردي في اليابان ظاهرة تدق جرس الإنذار
وعلى الرغم من ندرة حوادث العنف السياسي في اليابان، فإنها تشهد مؤخرًا تصاعدًا في حوادث العنف الفردي بدوافع أيديولوجية أو انتقامية شخصية، وفي عام 2019 أضرم شخص النار في استوديو للرسوم المتحركة بمدينة كيوتو، ما أسفر عن مقتل 36 شخصًا، وقال مرتكب الجريمة إنه أقدم عليها بسبب سرقة الاستوديو أعماله الفنية الخاصة.
وفي عام 2008، أقدم رجل غير متزن نفسيًا على دهس حشد من المشاة بشاحنة في حي أكيهابارا بالعاصمة طوكيو، ثم خرج من الشاحنة حاملًا سكينًا راح يطعن به من طالهم، وأسفر الهجوم عن مقتل 7 أشخاص، وقبل انطلاقه لتنفيذ الهجوم كتب الجاني على حسابه بأحد مواقع التواصل الاجتماعي منشورًا قال فيه "سأقتل بعض الناس في أكيهابارا. ليس لدي أي أصدقاء. أنا منبوذ لأنني قبيح الشكل. أنا أدنى شأنًا من القمامة".
اغتيال شينزو آبي .. كيف سيغير وجه اليابان
وسواء أكان قاتل شينزو آبي قد تحرك بدوافع أيديولوجية سياسية أم هو مجرد شخص غير متزن نفسيًا يبحث عن الشهرة بقتل أحد المشاهير، فالمنتظر أن يغير هذا الحادث اليابان.
فبالنظر إلى المستوى العالي من الأمن والسلام الاجتماعي في اليابان، تعمل قوات وأجهزة الأمن في بيئة هادئة بعيدًا عن حالات الطوارئ والأعصاب المشدودة، وفي فترات الحملات الانتخابية كتلك الجارية حاليًا، يتجول السياسيون والمرشحون في الشوارع ببساطة لإلقاء الخطابات ومصافحة المارة، وربما يفسر ذلك كيف استطاع قاتل شينزو آبي الاقتراب منه بسهولة بالغة دون أن يثير الشكوك، لكن يبدو أن الهدوء الأمني الذي طالما تمتعت به اليابان يوشك على التبدل.