بين الأزهر الشريف من خلال صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" الإعجاز القرآني في قوله تعالى (فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ).
وقال الأزهر في بيانه آية "فإذا أفضتم من عرفات"، حيث اشتملت الجملة على الوقوف بعرفات وهو الركن الأعظم للحج، كما اشتملت على المبيت بمزدلفة (المشعر الحرام)، وفيها إيجاز بليغ؛ فإنها سدت مسد أن يقال : فإذا كان يوم التاسع من ذى الحجة فقفوا بعرفات واذكروا الله كثيرا، ثم أفيضوا إلى المزدلفة، فبيتوا فيها واذكروا الله عند المشعر الحرام".
لم تصرح الآية بالوقوف بـ"عرفات" مع أنه الركن الأعظم :
وبين أن الآية لم تصرح بالوقوف بـ "عرفات " مع أنه الركن الأعظم، بل جعلته مندرجا فى قوله ( فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ) لأن الإفاضة هى الرجوع، والرجوع لا يكون إلا عن ذهاب ، كما طوت الآية ما يفعله الحاج فى عرفات من الذكر والدعاء وصلاة الظهر والعصر جمعا وقصرا؛ لأنه إذا أمر بالذكر عند المشعر الحرام (مزدلفة ) والوجود فيها واجب.
وتابع: الذكر فى عرفات من باب أولى، كما أن عدم الأمر بالذكر والدعاء فى عرفات فيه دلالة على أن الذكر والدعاء فيه أمر معلوم لا يغفل عنه الحاج بحال ، أما المشعر الحرام فهو مظنة غفلة الحاج عنه لما ناله من نصَبِ.
وبين أن ذُكِرَ ( عَرَفَات ) باسمه للدلالة على أن عرفات كلها موقف، ولا يقتصر الوقوف فيها على ( جبل الرحمة ) حيث وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ ولذا قال صلى الله عليه وسلم ( وقفتُ ها هنا وعَرَفَةُ كُلُّها مَوقِف ) ، الحديث رواه مسلم فى كتاب الحج باب ما جاء فى أن عرفة كُلَّها موقف.
وأكمل: لم تذكر الآية (مزدلقة) باسمها بل بجزء موجود فيها (الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ) وهو جبل قُزَح بآخر المزدلفة قُبَيل ( مِنَى ) ، وقف به رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال فى الحديث السابق (وقفت هاهنا ، وجَمْعٌ كُلُّها مَوقِف)، وجَمْعٌ هى المزدلفة 0
وشدد فى ذكر الإفاضة من عرفات لفت إلى ذلك المشهد العظيم حين تَغَصُّ عرفات بالحجيج وتفيض بهم الشعاب والأودية والسبل كأنه يوم الحشر ؛ لأن الإفاضة تكون فى وقت واحد بعد غروب الشمس ، بخلاف الذهاب إلى عرفة فتتعدد أوقاته حيث يتوافد الحجيج إليه زرافات ووِحْدَانا، فليس فيه ذلك المشهد العظيم الذى يكون عند الإفاضة ، وهو آية من آيات الحج ، يملأ القلوب روعة وجلالا ، ويرى المؤمن فيه نفسه جِرْمَاً صغيرا تائها وسط هذا الفيض الفيَّاض والجمع المشهود، وكم تفيض فيه الدموع ، وتُسْكَبُ العبرات ؛ والقرآن يصطفى من مشاهد الحج ويختار؛ ولذا فَرَّغَ السياق لذكر هذه الإفاضة حين سكت عن ذكر الذهاب إلى عرفات والوقوف بها والذكر والدعاء فيها ليملأ القلوب بهذا المشهد ويحرك البصائر ، ويجعله ملء العين والقلب والسمع والفؤاد ؛ وفيه إشارة إلى أن الحاج ينبغى أن لا يشغله عن تدبر هذا المشهد العظيم شاغل من زَمِّ الرِّكاب وحمل المتاع وجمع الصحاب واستصحاب الزاد ؛ فلا يضيع الاعتبار بهذه الآية العظمى التى خصها الله تعالى بالذكر وقدمها فى أُنُفِ الكلام حتى على لفظ ( عرفات ) فلم يقل : فإذا كان يوم عرفات وأفضتم، بل بدأ الحديث عن يوم عرفة من آخر مشهد فيه لأنه أعجب المشاهد وأملؤها وأحفلها وأكثرها تأثيرا فى النفوس الحية والحس النابض والعقل الواعى.
واختتم قائلاً:"فى التعبير عن الرجوع من عرفات بالإفاضة استعارة تبعية فى الفعل ( أَفَضْتُم ) للدلالة على سرعة الخروج ، وفيها وصف لحركة الحجيج فى صعودهم وهبوطهم ؛ لأن الماء إذا فاض فإنه يعلو ويسفل ، وكذا الحجيج وهم حشد حاشد وجمع غفير ، ما بين راجل وراكب ، تراهم يملؤون الوديان والشعاب والتلال ما بين صاعد ونازل وماض على مستوٍ من الأرض منبسط ، ولا يكافىء هذا المشهد إلا لفظ ( أَفَضْتُم )".