قال الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، في بيانه تفسير آيات سورة الكوثر المتعلقة بذبح الأضاحي ونحرها، إن عقلاء البشر يتفقون على ضرورة قتل الحيوان للاستفادة من منفعته التي خلقها الله، وجاء الإسلام يإذن للبشر في ذلك، إلا أنه حدد وسيلة ذلك القتل إلا وهو النحر، وغير المسلمين من أصحاب الدعوات الحديثة يرون أن قتل الحيوان بالذبح تعذيب له، ويرون أنه من الرحمة قتله بالصعق الكهربائي، أو الضرب على رأسه.
فصل لربك وانحر
وتابع علي جمعة من خلال منشور له عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”: هذه الدعوة الحديثة والتي جاءت عبر جمعيات الرفق بالحيوان والذي أنشئت أول ما أنشئت ببريطانيا سنة 1829م، رفضها اليهود في إنجلترا وغيرها من البلاد، إلا أن وسائل الإعلام لا تذكر ذلك كثيرا، وتحاول أن توهم الناس أنه لا يعارض هذه الدعوة غير المسلمين، ربما لتأكيد النظرة المعادية للإسلام التي تتهمه بالعنف والإرهاب!
واضاف: في بداية إبريل سنة 2004 ذكرت البي بي سي أن تقرير مجلس رعاية الحيوان أثار غضب الجالية اليهودية في بريطانيا، وذكرت أن هناك منظمة تدعى سيخيتا بريطانيا لزيادة الوعي «بالطريقة اليهودية الدينية الإنسانية لإعداد الماشية للطعام» التي تسمى بطريقة السيخيتا. وقال هنري جرونوولد -الذي يرأس منظمة سيخيتا ومجلس نواب اليهود البريطانيين- إن الحكومة لم تنشر أدلة تثبت أن الحيوانات تتعذب بالذبح بهذه الطريقة، وقال : بالعمل البناء مع الحكومة، سنوضح أن طريقة السيخيتا رحيمة تماما ولا يمكن العدول عنها.
وأكد علي جمعة أنه يتفق المسلمون مع اليهود في عدم جواز قتل الحيوان لأكله إلا عن طريق النحر، فينبغي أن يكون الإنكار على من يقر الذبح يشمل اليهود كذلك، موضحاً أن العجيب أنهم يصعقون الحيوان بالكهرباء، ويصوبونه بالطلق الناري، ويضربونه بالآلات الحديدية على أم رأسه حتى يخر ميتاً، بل وتسلخ جلود الحيوانات وهي لم تمت، ويزعمون أن في كل ذلك رحمة بالحيوان.
ويتساءل الإنسان هل هناك فرق من الناحية الصحية بين القضاء على الحيوان بالنحر أو بأي طريقة أخرى؟ فمع اعتقادنا أن النحر هو الوسيلة الشرعية للقضاء على الحيوان لأكله، وذلك لما ورد من الآيات القرآنية واتفق عليه علماء الإسلام، وإنما نذكر نتائج الأبحاث الطبية والأدلة العلمية ليزداد الإيمان واليقين، وييأس غير المسلمين من محاولة صدنا عن الالتزام بشريعتنا.
وأشار علي جمعة إلى أن ذبح الحيوان وهو يسمى في الفقه الإسلامي بالذكاة الشرعية، ويعرفها الفقهاء بأنها هي عبارة عن قطع مخصوص [ما بين اللبة وهي أسفل العنق واللحية وهي شعر الذقن] لحيوان مباح الأكل بنية القصد لله وذكره عليه. ولذلك فالمسلمون يرون أن أي حيوان يموت أو يقتل بغير الذبح هو ميتة يحرم أكلها، وقد ذكر القرآن أشكال من قتل الحيوان بغير ذبح كالمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع، فقال تعالى : ﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ والنطيحة وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾. [المائدة: 3 ]
يقول القرطبي: «الميتة: ما فارقته الروح من غير ذكاة مما يذبح, وما ليس بمأكول فذكاته كموته كالسباع وغيرها» [تفسير القرطبي]. وقال الألوسي في شأن تحريمة الميتة : «أي أكلها والانتفاع بها وأضاف الحرمة إلى العين مع أن الحرمة من الأحكام الشرعية التي هي من صفات فعل المكلف وليست مما تتعلق بالأعيان إشارة إلى حرمة التصرف في الميتة وهي التي ماتت من غير ذكاة شرعية من جميع الوجوه» [روح المعاني].
ويستنبط الأطباء العلاقة بين المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة باعتبارهم أشكال للحيوان الميت الذي يحرم أكله، فيرون أن القاسم المشترك الذي يجمع بين هو أن الدم بقي في جسمها.
كما يقول الدكتور جون هونوفر لارسن - أستاذ قسم البكتريا في مستشفي غيس هوسبيتال – المستشفى الرسمي – اكبر مستشفيات كوبنهاجن- : «الميتة مستودع للجراثيم، ومستودع للأمراض الفتاكة، والقوانين في أوربا تحرم أكل الميتة.كما يقول: إن قوانيننا الآن تحرم أكل لحم الحيوان إذا مات مختنقاً. حيث اكتشفنا مؤخراً أن هناك علاقة بين الأمراض التي يحملها الحيوان الذي يموت مختنقاً وبين صحة الإنسان. حيث يعمل جدار الأمعاء الغليظة للحيوان كحاجز يمنع انتقال الجراثيم من الأمعاء الغليظة – حيث توجد الفضلات – إلى جسم الحيوان والى دمه طالما كان الحيوان على قيد الحياة. ومعلوم أن الأمعاء الغليظة مستودع كبير للجراثيم الضارة بالإنسان، والجدار الداخلي لهذه الأمعاء يحول دون انتقال هذه الجراثيم إلى جسم الحيوان، كما أن في دماء الحيوان جداراً أخر يحول دون انتقال الجراثيم من دم الحيوان، فإذا حدث للحيوان خنق فانه يموت موتاً بطيئاً».
وشدد علي جمعة : إذن نعلم من ذلك أن في تحريم الدم حماية للإنسان، فتتجلى رحمة ربنا عند قراءة قوله : ﴿إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ .[الأنعام:145]. قال الشوكاني : «اتفق العلماء على إن الدم حرام نجس لا يؤكل ولا ينتفع به».
وعلميا الدم هو هذا السائل الأحمر القاني الذي يتكون من أخلاط عديدة منها الخلايا الحمراء الممتلئة بمادة الهيموجلوبين التي تقوم بنقل الأكسجين إلى مختلف خلايا الجسم, والخلايا البيضاء التي تدافع عن الجسم ضد غزو حاملات الأمراض من الجراثيم والطفيليات, والصفائح التي تتحطم حول نزيف الدم من أجل تجلطه.
ويحمل الدم سموماً وفضلات كثيرة ومركبات ضارة، وذلك لأن إحدى وظائفه الهامة هي نقل نواتج استقلاب الغذاء في الخلايا من فضلات وسموم ليطرحه خارج الجسم عبر منافذها التي هيأها الله لهذا الغرض, وأهم هذه المواد هي: البولة وحمض البول والكرياتنين وغاز الفحم كما يحمل الدم بعض السموم التي ينقلها من الأمعاء إلى الكبد ليصار إلى تعديلها.
وأكد أن الأحكام الشرعية تؤثر في الروح وفي القلب وليس هناك انفصال بين دائرة الاعتقاد ودائرة الامتثال، فالاعتقاد هو الأساس، وهو ما وقر في القلب، ولكن لابد أن يصدقه العمل وهو الامتثال. وتأملت في تحريم الله علينا الدم والميتة ولحم الخنزير فوجدت أن تلك الأحكام أنشأت نفسية للمسلم يجعلها هي أبجديته التي يتعامل بها في حياته في جميع مناحيها السياسية، والاقتصادية، والحضارية، والفكرية، والاجتماعية، وغيرها. وظهر هذا في تاريخ المسلمين في كل بلادهم شرقا وغربا.
ولذلك لم نر المسلمين عبر تاريخهم يبيدون الشعوب، أو يستعمرون الناس استعمار هيمنة واستغلال، أو يدخلون البلاد لرفع الطغيان وصد العدوان فيحولونها إلى حمام دم يهون معه الطغيان ويرضى بإزاءه العدوان، ويتمنى الإنسان أن لم يأت ذلك المنقذ الذي اتضح منقذ خسيس من أجل أن يحرره، وأن يدافع عنه.
وتابع: السؤال الذي يثير الفكر ويدعو إلى التأمل هو ما الرابطة بين تحريم الدم والميتة واعتبار تسبيح الكون وسجوده، بين عمارة الدنيا وبين استباحة الدم والميتة وبين خراب الدنيا. تأمل. لعل الله أن يفتح عليك. فتحريم الدم المسفوح ليس من أجل أنه يسبب ضررًا من ناحية الطب بقدر ما أنه يسبب ضررًا من ناحية الأخلاق، والتجرؤ على شكل الدم، وعلى رفع الحاجز النفسي بين الإنسان وبين سفك دماء البشر، وتحريم الخنزير كذلك، فإنه الحيوان الوحيد -كما يقال- الذي لا يغار على أنثاه، وهو أيضا تعود على أكل القاذورات بشكل أساسي.
وأكمل: يحاول بعضهم -وقد يكون صادقا، وقد يكون غير دقيق- أن يربط بين التحريم وبين الضرر الجسدي، وأن يبحث في حكمة التحريم بالمسائل الطبية، إلا أن التحريم لا يقتصر على هذا الجانب، بل إنه يبني نفسًا، ويعمق شعورًا لدى الإنسان يساعده في نشاطه الاجتماعي، وفي عمارته للدنيا، ولذلك لا يقبل المسلم حلولاً لأزماته الكمية بتحليل الحرام، فقد يقترح بعضهم إذا ما وقع مجتمع ما في أزمة لحوم، أن يربي ذلك المجتمع الخنزير وأن يأكله، فالخنزير كثير التناسل، ونفقته قليلة، ويمكن أن يحل المشكلة بطريقة كمية، ولكن (سلطان الكم) ليس هو كل شيء في هذه الحياة.
ولقد كتب في هذا المعنى رينيه جينو (عبد الواحد يحيى رحمه الله تعالى) كتابه الماتع (سلطان الكم وعلامات الزمان) وهو في نسخته الإنجليزية (The Reign of Quantity & the Signs of the Times) وفيه يبين أن من سمات عصرنا سيطرة الكم على معيار التقويم، فأصبح الكم هو المسيطر على السوق وعلى الاستهلاك.
واختتم علي جمعة قائلاً: “فلا تعارض بين الرحمة بالحيوان، والامتثال لأمر الله بنحره للانتفاع الذي أذن الله به. رزقنا الله الفهم عنه والامتثال لأمره”.