الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

محمد نبيل يكتب: كيرة والجن.. صناعة الإبهار في ذاكرة الوطنية المصرية

فيلم كيرة والجن
فيلم كيرة والجن

تبقى السينما متنفسًا لا غنى عنه لدى شريحة كبيرة من الجمهور خاصة في موسم الأعياد، وبرغم عدم تعافيها بشكل كامل على المستوى المحلي والعالمي من تداعيات فيروس كورونا، التي أدت بدورها لتأجيل كثير من المشاريع السينمائية، إلا أنها تشهد انفراجة حقيقية مع إنتاج وطرح هذه الأعمال ذات الميزانيات الضخمة، وما تمثله من رواج للصناعة والصناع.


وانطلق موسم أفلام عيد الأضحى رسميا مع طرح ثلاثة أفلام، يمكن اعتبار "كيرة والجن" الأهم والأكثر جمالا وجدلا، وهو أحدث أعمال المخرج مروان حامد مع المؤلف أحمد مراد استنادا إلى روايته 1919 التي سبق طرحها بالأسواق عام 2014 وحققت مبيعات كبيرة.
 

تترات الفيلم تحمل إهداء خاصا من الابن مروان للأب الراحل وحيد حامد، ربما الأقرب لكونه أول أفلام المخرج الواعد بعد رحيل الكاتب الكبير، وليس لمساهمة محتملة منه أو تعديلات أضافها في صورة نصائح، كانت لتمثل قيمة مضافة، خاصة مع تأكيده من قبل أنه يخشى قراءة سيناريوهات نجله.


فيلم كيرة والجن يحقق نجاحا كبيرا في دور العرض ويجنى الملايين يوميا، بعد طرحه في حوالي 100 شاشة عرض، وهو من بطولة كريم عبد العزيز، أحمد عز، هند صبري، ثلاثة أسماء من نجوم الشباك تضمن المتعة لدى الأغلبية وتتحق بها عناصر الجذب لجمهور الفن السابع، بخلاف عدد من الأسماء الأخرى الذي أجاد بعضهم بشكل لافت مثل المخضرم أحمد كمال، ومر بعضهم دون ترك بصمة مثل محمد عبد العظيم - على غير العادة -، وهدى المفتي، وعلى قاسم.


لا يمكن الحديث عن التمثيل بالفيلم بمعزل عن الإشارة إلى نضج كريم عبد العزيز وتفوقه الواضح في المشاهد التي احتاجت غزارة في المشاعر، كوفاة زوجته متأثرة بالحمى، وعدم مجاراة أحمد عز له في هذه النوعية من المشاهد، في حين يضفي ظهور عز على الشاشة حيوية وبريقا من نوع خاص، استفاد منه المخرج مروان حامد وعمل على توظيفه.
 

ربما يتسرب لنا من الوهلة الأولى أن شخصية كيرة "كريم عبد العزيز" تتسم ببعد أعمق، لذلك من المنطقي أن يظهر بشكل أقوى، ولكن سرعان ما نكتشف أن الجن "أحمد عز" له هو الآخر تفاصيله التي جعلته يحلق بالشخصية خارج حدود النمطية، فكانت المباراة التمثيلية بينهما ممتعة على مدار العمل صعودا وهبوطا، مع مفارقات قوية حملتها شخصية دولت "هند صبري" تبرز طبيعة المرحلة الزمنية وتحديات المرأة فيها.


الفيلم استغرق تصويره وقتًا طويلًا بين مصر والمجر، وتسبب فيروس كورونا في تأجيل طرحه أكثر من مرة، وتمت الاستعانة فيه ببعض الممثلين غير المصريين الذين أجادوا وكان وجودهم له مبرر درامي حقيقي، واستطاع كل من الإنجليزي Sam Hazeldine، واللبنانية رزان جمال الإمساك بشخصياتهم تماما واستغلال هذه الفرصة الثمينة.

تدور أحداث كيرة والجن في بدايات القرن الماضي، مع حادث دنشواي المأسوي، مرورا بثورة 1919، وتتوغل في أساليب مقاومة الاحتلال الإنجليزي من خلال شخصيات حقيقية، ولكنه لا يعتد به كوثيقة تاريخية كما يؤكد المخرج من خلال عبارة مكتوبة بشكل صريح بالفيلم، تفاديا للتأويل والزج به كعمل تاريخي وثائقي.

 

وطول مدة الفيلم التي وصلت لـ 3 ساعات كانت يمكن أن تختصر قليلا خاصة مع وجود المونتير أحمد حافظ الذي يعرف جيدا فضيلة الاختزال، ورغم مشاهد الحركة الممتدة، والأحداث المتصاعدة، إلا أنه كعمل ملحمي لا يشترط أن يستغرق كل هذه المدة على الشاشة، والإبحار في تفاصيل التحضير للعمليات الانتقامية من الإنجليز على هذا النحو.
 

وعلى غير العادة في هذه النوعية من الأفلام التاريخية التي قدمت محليا في الأونة الأخيرة، تفوقت العناصر وقدمت سيمفونية متناغمة، ملابس ناهد نصر الله، موسيقى هشام نزيه، وعدسات أحمد المرسي، مدير التصوير صاحب العين اليقظة، وظهرت صورة أقرب للحقيقة لمصر قبل قرن من الزمان، لا شك أن الجرافيك لعب فيها دورا لا يمكن عدم الإشارة إليه.


فيلم "كيرة والجن" بطبيعة الحال لا يخلو من الملاحظات، خاصة طريقة إخراج بعض المعارك، هنات بالسيناريو، وطريقة رسم شخصيات بعينها، ولكنه فيلم مصري بصبغة عالمية، تضافرت الجهود المخلصة من أجل خروجه للنور في صورة يغلفها الإبهار، وسيشكل ربما نقطة تحول مضيئة وساطعة لخروج مشاريع أفلام جديدة بشكل محترف وجاد.