الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

العبور من أزمة أوكرانيا

د. وليد جاب الله
د. وليد جاب الله

كان من نتاج تداعيات فيروس كورونا وتشابكاتها مع صدمة الحرب الأوكرانية أن ضرب الاقتصاد العالمي موجة تضخمية واكبها اتجاه الفيدرالي الأمريكي والبنوك المركزية للدول الصناعية نحو الرفع المتتالي لأسعار الفائدة، وهي الأمور التي ترتب عليها ارتفاع تكلفة الواردات العالمية وهجرة الاستثمارات في الديون الحكومية بدول الاقتصاد الناشئ لتتجه صوب الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا.

وقد تمثل تأثير ذلك على مصر في محورين أساسيين، الأول، هو تخارج سريع لاستثمارات الأجانب في الدين الحكومي قدره وزير المالية المصري بنحو 20 مليار دولار خلال نحو 3 شهور، وهو الأمر الذي خلق ضغوطاً على الاحتياطي النقدي نجحت الدولة المصرية في احتوائها بإجراءات أهمها استخدام جانب من الاحتياطي النقدي، ومساندة من الدول الشقيقة بالخليج التي جددت وضخت ودائع جديدة بالبنك المركزي المصري حالت من حدوث انخفاض كبير في الاحتياطي.

والمحور الثاني من التأثر تمثل في، تضخم فاتورة الواردات المصرية التي ارتفعت تأثراً بالتضخم العالمي بما بتجاوز 4 مليارات دولار شهريا عن مُعدلاتها قبل الأزمة (وفقاً لتقديرات أيدتها تصريحات لوزير المالية)، مما يخلق مؤشرا مُستقبليا يُعبر عن احتياج مصر لإيرادات دولارية تزيد عن مُعدلاتها الطبيعية بنحو 48 مليار دولار على الأقل خلال العام المالي 2022-2023 مع إمكانية استمرار تلك الضغوط للعام المالي التالي 2023-2024.

ومع هذه الزيادة الكبيرة في تكلفة الواردات نجد أنه يخفف من عبئها، زيادات مُتوقعة في إيرادات مصر الدولارية ارتباطاً بالتضخم العالمي أيضاً، وأهمها توقع زيادة قيمة صادرات المصرية البترولية بنحو 12 مليار دولار، وزيادة قيمة الصادرات غير البترولية بنحو 8 مليارات دولار، وزيادة تحويلات المصريين بالخارج بنحو 4 مليارات دولار، وزيادة إيرادات قناة السويس بنحو 1 مليار دولار، وزيادات من مصادر أخرى بنحو 3 مليارات دولار، لتصل الزيادة المُتوقعة نحو 28 مليار دولار، مع افتراض ثبات إيرادات السياحة التي تأثرت سلباً بالأزمة الحرب الأوكرانية وتعمل على تعويض خسائرها من أسواق أخرى.

وهكذا، وبمقارنة ارتفاع فاتورة الواردات مع ارتفاع إيرادات مصر الدولارية، نجد أن مصر في حاجة إلى إيرادات إضافية لا تقل عن 20 مليار دولار خلال العام المالي 2022-2023 على أن تتراجع تلك الفجوة في العام المالي 2023-2024 والأعوام التالية، أو في وقت مُحدد بتوقيت تراجع حدة التضخم العالمي. 

وإذا كنا كذلك قد حددنا الحجم التحدي المُتوقع، فإنه في مجال التقييم نجد أن هذا التحدي أكبر من إمكانية تغطيته من صندوق النقد الدولي، أو المؤسسات النقدية الدولية، ولكنه أصغر من أن يشكل تهديداً جسيماً على الاقتصاد المصري الذي يمتلك الكثير من الأوراق التي يُمكن من خلالها تغطية هذا العجز المتوقع وتجاوز الأزمة.

وفي المجال التصدي للتحدي، يبرز دور الشعب الذي يتعين علية ترشيد الإنفاق وتأجيل كل ما يُمكن تأجيله من احتياجات مُستوردة من الخارج، وبالنسبة للحكومة فإن عليها اتخاذ ما يلزم لتقليص العجز من خلال ترشيد الإنفاق، والحصول على أكبر تمويل مُتاح من المؤسسات الدولية، ويظل الحل السحري لتغطية هذا العجز مُتمثلاً في جذب استثمارات أجنبية مُباشرة للداخل المصري المُتعطش لتلك الاستثمارات والجاهز نسبياً لاستقبالها.

طرحت الحكومة مشروع وثيقة سياسات ملكية الدولة كأرضية لتخارجها من عدد كبير من المشروعات لصالح المُستثمرين، ولكن نتائج هذا التوجه تحتاج لوقت أطول بينما لا يمتلك الاقتصاد رفاهية الانتظار، بالتالي فإن الأمر يستوجب حلولا سريعة، ومتوسطة، وطويلة الأجل بصورة تصل بنسبة دخول الاستثمارات الأجنبية المُباشرة لنحو 2 مليار دولار شهرياً، بصورة سريعة ومُستمرة.

وفي هذا المجال، نجد أن الدولة تمتلك عددا من المشروعات التي يُمكن طرحها للاستثمار الأجنبي، أو المحلي بالعملة الأجنبية، على أن تُستخدم القيمة المُعادلة بالجنيه المصري في إنشاء مشروعات جديدة، كتحويل عدد من الجامعات الأهلية التي تُنشئها الدولة حالياً إلى جامعات خاصة وطرحها تباعاً للاستثمار الأجنبي، على أن يتم إنشاء جامعات أهلية أخرى بالعملة المحلية، سيما مع تنامي الاحتياج للجامعات في ظل تجاوز أعداد الحاصلين على الثانوية العامة نجو 850 ألف طالب سنوياً، مع إمكانية تخصيص نسب أكبر لجذب الطلاب الأجانب للدراسة في مصر من دول الجوار مما يُعزز من إيرادات السياحة التعليمية. 

وعلى هذا النحو يُمكن طرح عدد من المُستشفيات الكبرى أو أجزاء منها ثُم بناء مُستشفيات جديدة، وكذا يتم طرح عدد من المُنشآت الرياضية والخدمية بصورة تٌحقق إيرادات عاجلة من العملة الأجنبية مع إنشاء البديل، حيث يُفضل المُستثمر الأجنبي في غالب الأحوال شراء مشروعات قائمة عن فكرة إنشائه لمشروعات جديدة. 

كما أن طرح مشروعات القطاع الخدمي لا يثير قلق المواطن كما يحدث في المشروعات الصناعية، على أن يتم ذلك بإجراءات سريعة تُحقق الإيرادات اللازمة لحين استكمال الدولة لخطتها في التخارج من النشاط الاقتصادي وفقاً لوثيقة سياسات ملكية الدولة التي تحتاج لتفعيلها أن تسبقها إجراءات مثل تطوير البورصة المصرية وإعادة هيكلة منظومتها، وخلق شريحة من رجال الأعمال القادرين على كسب ثقة الأجانب كشركاء. 

ويظل النجاح في جذب استثمارات أجنبية مُباشرة بنحو 2 مليار دولار شهرياً هو الضمان مع إجراءات أخرى في تجاوز المرحلة الحالية لحين تحسن الظرف العالمي، وتقدم خطوات إعادة هيكلة الاقتصاد المصري.