الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

متلازمات الاقتصاد بين التشخيص والعلاج

صدى البلد

يتعامل علم الاقتصاد مع متلازمات مرضية متعددة الأعراض بصورة تُعظم من أهمية التشخيص، وتُحتم أُطر استراتيجيات العلاج مع إمكانية التفاوت في جرعات التعامل.


والتعامل مع مشكلات الاقتصاد يجب أن يبدأ بالتشخيص السليم، فالمطلوب هو تحديد طبيعة المشكلة الحقيقة، وليس تطويع المشكلة حتى تُناسب العلاج، فإذا كانت المشكلة عارضة سنجد أن السياسات النقدية يُمكنها امتصاصها، بينما يقتصر دور تلك السياسات في كونه مجرد محرك لبدء التعامل مع المُشكلات الهيكلية التي تحتاج  لتدخل السياسات المالية في إطار من التخطيط لمسار إصلاحي متوسط وطويل الأجل، وتخطيط الاقتصاد وسياساته لا يمكن أن تحكمهم توجهات شخصية، وإنما يتحتم أن يقوما على مراعاة كافة الاعتبارات المحلية والعالمية، فمهما كنت مقتنعا بفكر معين أو تجيد تنفيذ ألياته فإن تطبيق قناعاتك لن ينجح في وسط عالمي لا يستوعبه، وفي كل الأحوال ومهما كانت جودة العلاج ستجد له أعراض جانبية يتحتم تحملها دون أن تردد أو تشكيك مع إمكانية أن تكون تلك الأعراض سبباً لتعديل جرعات العلاج.


وانطلاقاً من ذلك فإن الاقتصاد المصري وبعد أن تعرض لحالة من التوقف الكامل بعد يناير 2011 تبنت الدولة المصرية برنامج إصلاح اقتصادي نجح في تصحيح مسار الاقتصاد وحسن من مؤشراته وفقاً لأولويات تم دراستها بعناية وفقاً لاستراتيجية مصر 2030  وكان من نتائج هذا البرنامج أن تمكنت الدولة المصرية في امتصاص صدمة تداعيات فيروس كورونا بنسبة 100% نيابة عن المواطن، ومع اتجاه الاقتصاد العالمي للتعافي كان الاقتصاد المصري الأسرع تعافياً بتحقيق معدل نمو بلغ نحو 9% خلال النصف الأول من العام المالي 2022-2021 ولكن وقبل أن يلتقط الاقتصاد أنفاسه بدأت الحرب الأوكرانية في فبراير 2022 لتدفع الاقتصاد العالمي نحو موجة تضخمية غير مسبوقة أثرت في الاقتصاد المصري بصورة خلقت مُشكلة تحتاج لتعامل. 

البعض تجاوز تلك الحقيقية ليفسر تلك المشكلة بأنها نتيجة لخطأ في أولويات التوجه الاقتصادي في الداخل، وهو الأمر الذي يعد تشخيص خاطئ يُرتب علاج خاطئ، فما يحدث عالمياً لم يكن لأحد أن يتوقعه، وتأثيره الكبير على مصر يرجع لطبيعة اقتصادها الذي لازالت لم تكتمل مُخططات إعادة هيكلته وتثبيته. بالتالي فإنه يجب التقرير بأن المُشكلة في معظمها مُستوردة من الخارج بصورة غير مُتوقعة وليست ناتجة عن ثغرة في نموذج التنمية المصري، وإذا كان الأمر كذلك فإن العلاج لا يتم من خلال إهالة التراب على ما تم من إنجازات، أو الترويج لأفكار عامة باعتبارها حلول، فمصر التي تسير وفقاً لاستراتيجية ناجحة تتعرض خلال تلك الفترة لتحديات تحتاج لتطوير الكثير من التفاصيل الفنية للنموذج الاقتصادي من خلال البحث عن حلول من داخل الاطار الفكري للإصلاح، والواقع المحلي، والامتداد الإقليمي دون التخلي عن التفاعل مع مكتسبات الاقتصاد من ثقة الكيانات الدولية في مسارة بصورة تجعلها داعمة لكل الأفكار والإجراءات التي تقوم بها مصر لتجاوز تحدياتها.