الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

30 يونيو

نهال علام
نهال علام

الذكريات تحرث القلب بالآهات وتقول للدمع هات وهات.. وليس كل الدَمع حُزن فبعضه هو عين الفَرح، ابتلاءات نُصاب بها على الروح جاثمة، ترى حلم الخلاص بعيد وحتى عاقبة الحلم تهديد ووعيد، فلا نتمسك إلا بالإرادة فهى في تلك الأوقات كل ما يربطنا بعالم السعادة، ولكن ما عساها البائسة أن تفعل وفى صميمها هى بالفعل يائسة.

فمن حسبك أيها الضعيف! ربك في السماوات ولكن بطشهم مخيف، وما أنا إلا بشر لا أملك من الدنيا إلا بعض التفاؤل المغموس بالخَرف، باقون باقون.. ولخمسمائة سنة على العرش متربعون، وأنت وباقي الحالمون مصيركم محسوم محسوم.
ثماني سنوات مرت على تلك اللحظات، شعب أعزل أمام جماعة مسلحة، فطرة سوية تجابه خلافة سياسية، انقطاع الكهرباء طوابير الوقود، تشعب سرطاني فى مفاصل الدولة، ذقون مطلوقة ألسنة مفلوته، استفزاز شعبي بلطجة قانونية، سَنة مليئة بالأحداث المأساوية، وإذا سألت عن السبب زاد العجب لما يحكمنا هؤلاء المجاذيب!

فتغيب الإجابة المنطقية وتكون الحجة إنها الديمقراطية والانتخابات الشعبية القائمة على الدعاية الحرة والزيت والسكر الهدية!
ونهاراً جهاراً لا أنسى المشاحنات يوم تلك الانتخابات المشؤومة وما كانت تفعله لِجانهم المسمومة، من تنظيم للحشود وجمع البطاقات وتوزيع مئات الجنيهات، ولكن حتى مع كل ما بذلوه من الرشوة الفئوية والمؤامرات الداخلية لم يكن وجودهم في سُدة حكم مصر أمراً عادياً، تمر السنون وينكشف المضمون وتظهر الحقيقة المتوقعة فالخيارات المطروحة الحُكم أو الدماء.

٣٠ يونيو ذكرى خاصة في تاريخ مصر وقلوب المصريين، أحداثها محفورة في وجدان المواطن وعلى جدران الوطن الذى وصفه أحد الغوغاء يوماً ( طز في …) والله لا تطاوعني حروفي أن أذكر أسم مصر فيما لا يليق بها، لذا جائت الثورة ريح غاضبة لتقتلع الأعشاب الضارة، شريان حياة انطلق في جنبات الوطن لا يبالى بتهديد الإخوان ولا وعيد مرشدهم، المصريون في الشوارع لأيام قابعون ولأمرهم عازمون "يا نرجع بيها يا ندفن فيها "، صدقنا الله في نوايانا الطيبة فصّدّق الله على أحلامنا المخلصة.

30 مليون مواطن في الشارع، هذا الرقم المتداول حول المشاركة في الثورة، وفي ظني هذا رقم ظالم لها، فكل فرد من هؤلاء المشاركين في أقل تقدير لديه مقابل لم يستطع المشاركة بالحضور ولكن هو ثائر بكل الصور، لذا عندما نذكر الرقم الفعلي فلنتذكر من منعتهم ظروف السن أو المرض أو رعاية الأطفال، لنحكي يوماً لأبنائنا وأحفادنا أبعاد الصورة الكاملة.

وبعد تلك السنوات يظل السؤال ماذا قدمنا للوطن من إنجازات، فالدولة منظومة أطرافها رئاسة وشعب وحكومة، فالتقييم ليكون فاعلاً بتقييم عناصر النظام المكون لأى منظومة، لذا فلنكن موضوعيين ونقرأ ما حدث في خريطة الوطن على مرّ تلك السنين.

إنجازات الدولة تتحدث عن نفسها ولن تتسع سطور تلك المقال لذكرها، استصلاح زراعي، انتاج حيواني، مزارع سمكية، توسع في تصدير منتجات زراعية، توسع في البناء العمراني وجوه شابة في المقدمة، شبكة طرق متطورة، مدن جديدة، عشوائيات انتهت من الخريطة، علاقات دولية راسخة، جيش يتصدر المراكز  الأولى، وعودة للجذور الثقافية التى شكلت هويتنا الأولى، مبادرات رئاسية فاعلة حققت وعودها بالحياة الكريمة والتنمية الريفية الرفيعة، تحول رقمي وأمن قومي وأمان حقيقي بعد اقتلاع جذور الإرهاب التى زرعها الخوان.

وتلك الانجازات هى رؤية القيادة السياسية وتنفيذها هو ناتج عمل مؤسسات ووزارات الدولة المتمثلة في الحكومة، إذا لدينا الطرف الثالث من المعادلة وهو أنا وأنت عزيزي المواطن، ماذا قدمنا للوطن في تلك المسيرة! وهنا لا أتحدث عن عملنا الذي نؤديه بروتينية كبيرة، فكلنا أرباب مهن أو حرف نسعى في نهاية الأمر لنوفر متطلباتنا اليومية ونشبع احتياجاتنا الإنسانية وتلك أمور ذاتية، ما أبحث عنه هو ما نقدمه في إطار أن نتشارك غد أفضل!

لاشك أن ما عقب أحداث يناير من حِراك اجتماعى ومطالبات بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية، تسبب في حالة من العبث والفوضى الأخلاقية تحت شعار الحرية، ولا يخفى على أحد أن تلك الحالة الغير اعتيادية انتقلت من فضاء مواقع التواصل الاجتماعي لسماوات الشارع المصري بشكل فج، بل ويزداد سوءً، فمع اتساع القاعدة الجماهيرية التى تستخدم تلك المواقع التى كانت لوقت طويل نخبوية أو مرتبطة بالمرحلة العمرية أصبحت مرعى وميدان للفوضى مع تعدد المرجعيات الثقافية، وتلك الفورة برعاية المواطن المسؤول عن مسيرة التنمية فهل بيننا من يشعر بذلك، أن رخاء الوطن وتقدمه مسؤلية الدولة والمواطن! وأن تلك المسؤولية ليست أحادية، فإن لم نتشاركها لن تؤتي ثمارها.

فماذا ستفعل الدولة أمام مواطن تناسى أنه آلة انتاجية وأعتقد أنه ماكينة تكاثرية! مواطن يرى أن كسر الإشارة فهلوة والتحايل على القانون مجدعة والتهرب الضريبي حق، وسرقة الكهرباء واجب، والقاء المخلفات في الشارع عادة، وهدر المياه يسبب السعادة، والعصبية الدينية انتصار، وإهانة النساء أمر لا يستحق الاعتذار، نشر الشائعات سبق، والتنمر خفة ظل، والنقد الهدام ممارسة مستحقة، والسير بالعكس ليس مضر، والاستفادة بالدعم بطرق غير مشروعة رجولة، وتعظيم الصغائر أصبح من باب الشعائر، وتجاهل الانجازات من المستحقات! 
لا تحدثني عن تفعيل القانون فهو مُفعل ونرى كل يوم حالات الضبط والربط ولكنها ليست وحدها رادعة مع عقلية تمارس كَسر القانون بحب مجنون!

كانت ثورة يونيو علامة فارقة في جبين الوطن والأمة العربية بأكملها، صنعنا معجزة بإرادتنا الكاملة، لم نقبل أن نعيش أفراد تحت جناح جماعة إدعت أنها ستقدم للوطن مشروع نهضة، فلم تقيم في ربوعه على مدار عام كامل بناية ولم تزرع إلا الخراب والفتنة، ولكن تجاوزنا المحنة وخرجنا منها بأكبر منحة، فهل جاهدنا لحفظها وهل نسعى بحق لصونها!

نحن مسؤولون عن مقدرات الوطن ولن نشعر بالجمهورية الجديدة ولا القرارات الحميدة ولا ظلال التغيير إذ لم نبدأ بأنفسنا، فلن يغير الله ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم، فهل بعد تلك السنوات لم يحن الوقت لوقفة جديدة مع النفس لردعها ومحاولة تغييرها واستدعاء روح الأصالة بها!

كل يونيو ونحن بخير، وليظل ذلك اليوم إشارة على ما تفعله الإرادة، فروح اليقين قادرة على طرح الورد في البساتين، وفي ذلك اليوم لنتذكر شهدائنا الأبرار الذين ضحوا بدمائهم لنحيا بفضلهم، فماذا قدمنا إجلالاً وتقديراً لأرواحهم، فما طلبوا إلا حفظ الأرض وصون العَرض، الذي لن نبلغه إلا بإدراك أن ما نحسبه هيناً هو في حق الوطن عظيم.