حكم صيام التسعة أيام الأولى من ذي الحجة .. يستحب صيام التسعة أيام الأوائل من شهر ذي الحجة ، ماعدا يوم النحر -أول أيام عيد الأضحى-، وصيام التسعة الأولى من ذي الحجة نافلة وليس فرضًا مثل صيام شهر رمضان والأكمل فيه أن يصوم من أول يوم في ذي الحجة إلى اليوم التاسع من ذي الحجة «يوم عرفة»، ومن لم يصم العشر من ذي حجة فلا إثم عليه.
حكم صيام التسعة الأولى من ذي الحجة
حثّ النبي صلى الله عليه وسلم على بذل الأعمال الصالحة في الأيام العشر من ذي الحجة؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَا العَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ؟» قَالُوا: وَلاَ الجِهَادُ؟ قَالَ: «وَلاَ الجِهَادُ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ» رواه البخاري.
فالحديث أطلق هذه الأعمال الصالحة ولم يقيدها بعمل صالح معين، فتشمل قراءة القرآن والذكر والتسبيح وصلة الرحم والصيام؛ قال الحافظ ابن حجر: «والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه، وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا يتأتّى ذلك في غيره».
ويستدل من حديث ابن عباس السابق أيضًا ورود لفظة الأيام، واليوم من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، ومعلوم أن أفضل عمل النهار الصوم، كما أن أفضل عمل الليل القيام، ولذلك سن قيام الليل في العشر الأواخر من رمضان، فيكون صيام العشر الأوائل من ذي الحجة مندوباً قياساً على ذلك.
حُكم من شرب ناسيًا في العشر الأوائل من ذي الحجة
قال الشيخ عويضة عثمان، مدير إدارة الفتوى الشفوية وأمين الفتوى بدار الإفتاء، إنه في حال استيقظ المُسلم من نومه وشرب ناسيًا أو أخطأ تبين الفجر، خلال صيامه في أحد الأيام العشرة الأولى من ذي الحجة، فله أن يُتم صيامه.
وأوضح «عويضة» خلال فتوى مسجلة له، في إجابته عن مُتصلة نوت صيام العشرة من ذي الحجة، فشربت دون أن تتحقق من الفجر، فهل تُكمل صومها ؟، أن بعض الفقهاء رأوا إتمام الصيام لمن استيقظ من نومه وشرب وهو ناس أو ظن أنه في الليل، فبان أنه نهار بعدئذ، فله أن يُتم صيام هذا اليوم.
وأضاف أنه إذا لم يُتم الصيام وأفطر، فليُدرك الأيام القادمة، قدر استطاعته، فلعل الله عز وجل يفتح عليه فيها بالعبادة.
فضل صيام التسع من ذي الحجة
يعد الصيام بوجه عام إحدى العبادات الفضيلة، وهو ركن من أركان الإسلام الخمسة، ومن فضائل الصيام أن الله -تعالى- جعل الصيام له، واختصه لنفسه، قال -عليه الصلاة والسلام-: (قالَ اللَّهُ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ له، إلَّا الصِّيَامَ، فإنَّه لي وأَنَا أجْزِي به)، وهو أحد أعظم الأعمال، وأفضلها عند الله -تعالى-؛ لِما ورد عن أبي أمامة الباهلي، قال: «قلتُ يا رسولَ اللَّهِ مُرني بأمرٍ ينفعُني اللَّهُ بِهِ، قالَ: عليْكَ بالصِّيامِ ، فإنَّهُ لا مثلَ لَه»، ويتقي المسلم عذاب الآخرة بالصيام، كما يتقي به شهوات الدُّنيا، قال -صلى الله عليه وسلم-: «الصِّيَامُ جُنَّةٌ فلا يَرْفُثْ ولَا يَجْهلْ، وإنِ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ: إنِّي صَائِمٌ مَرَّتَيْنِ».
إضافة إلى أن الصيام هو أحد سُبل تحقيق الصبر في النفس، وفيه تحصيل لمغفرة الله -تعالى-، وهو سبب لتكفير الذنوب، قال -عليه الصلاة والسلام-: «فِتْنَةُ الرَّجُلِ في أهْلِهِ ومالِهِ، ونَفْسِهِ ووَلَدِهِ، وجارِهِ؛ يُكَفِّرُها الصِّيامُ والصَّلاةُ والصَّدَقَةُ، والأمْرُ بالمَعروفِ والنَّهْيُ عَنِ المُنْكَرِ».
والصيام من الأعمال التي تشفع لصاحبها يوم القيامة، قال -عليه الصلاة والسلام-: «الصِّيامُ والقرآنُ يَشْفَعَانِ للعبدِ ، يقولُ الصِّيامُ : ربِّ إنِّي مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ والشَّرَابَ بِالنَّهارِ ؛ فَشَفِّعْنِي فيهِ ، ويقولُ القُرْآن : ربِّ مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِالليلِ ؛ فَشَفِّعْنِي فيهِ ، فيشَفَّعَانِ».
وهو سبب لدخول الجنة، ومن فضائله في الدنيا أن للصائم دعوة مستجابة، ورائحة فمه أطيب عند الله -تعالى- من رائحة المسك، وهو مُطهر للقلب، وهو من الكفارات الشرعية، ككفارة حلف اليمين، قال -تعالى-: «فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ».
عبادات مستحَبة في الأيام العَشر من ذي الحجة
يجدر بالمسلم استغلال الأيام العَشر من ذي الحِجة بالعديد من العبادات، والأعمال الصالحة، منها:
1. أداء شعائر الحج والعُمرة، وذلك أفضل ما يُؤدى من العبادات في ذي الحِجة؛ إذ ثبت في الصحيح عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي-عليه الصلاة والسلام- قال: (العُمْرَةُ إلى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِما بيْنَهُمَا، والحَجُّ المَبْرُورُ ليسَ له جَزَاءٌ إلَّا الجَنَّةُ).
2. الصيام، ويُخَص منه صيام يوم عرفة، وقد ورد في فَضل صيامه قَول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (صِيَامُ يَومِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ علَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتي بَعْدَهُ).
3. التكبير، والتحميد، والتهليل، والذِكر؛ فهي الأيام المعلومات التي ورد الحض فيها على ذلك.
4. التوبة، والاستغفار، والإقلاع عن الذنوب والمعاصي.
5. التقرُب إلى الله بالصلاة، والدعاء، والأمر بالمعروف، والنهي عن المُنكَر.
6. الأُضحية؛ اقتداء بالنبي -عليه الصلاة والسلام-؛ إذ ثبت أن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: (ضَحَّى النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بكَبْشينِ أمْلَحَيْنِ أقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُما بيَدِهِ، وسَمَّى وكَبَّرَ، ووَضَعَ رِجْلَهُ علَى صِفَاحِهِمَا).
7. الحرص على أداء صلاة العيد.
8. أداء مختلف الأعمال الصالحة؛ من الصدقات، وقراءة القرآن، وإكرام الضيف، وصِلَة الرحِم، وحِفظ اللسان، وبِر الوالدين، والدعاء لهما، والحرص على صلاة السُّنَن الرواتب، وإدخال السرور على قلوب الآخرين، وغير ذلك من صالح الأعمال.