تكافح دول العالم خلال الفترة الجارية خطر التغيرات المناخية، وتقلبات الطقس، وذلك عبر اتخاذ قرارات مصيرية بوقف الاعتماد على الوقود الاحفوري والفحم والتوجه إلى مصادر الطاقة النظيفة، وهو ما يزيد من ضرورة الاعتماد على دول الشرق الأوسط من بينها السعودية من أجل المساعدة على مكافحة هذه التغييرات.
فيما تعمل شركات التعدين في الشرق الأوسط على إعادة وضع نفسها كمورِد لمواد مناسبة للبطاريات. مع وجود رواسب غنية من المعادن الموجودة تحتها، يمكن لهذه الشركات سد العجز في المواد الرئيسية.
يعد حزام تيثيان المعدني هو أساس جيولوجي يمتد عبر قارتين و 33 دولة، يمتد من فرنسا في الغرب، عبر الشرق الأوسط في نهاية المطاف يصل إلى ماليزيا. ويمتلك الحزام المعادن الأساسية. ومع ذلك، فإن الكثير منها لم يتم استكشافه بشكل كافٍ مقارنة بمناطق التعدين في جبال الأنديز أو إفريقيا.
كما تشير الأبحاث إلى وجود رواسب كبيرة من النحاس والليثيوم ومواد أخرى تحت السطح في هذا الحزام. وهذه المواد ضرورية للسيارات الكهربائية وتوربينات الرياح والبطاريات والعديد من التقنيات الأخرى التي ستجعل انتقال الطاقة ممكنا.
فيما يمتد حزام تيثيان عبر المملكة العربية السعودية، مما يجعله فرصة رئيسية لصناعة التعدين المتنامية في المملكة، مع طموحاتها لتصبح لاعباً رئيسياً في تحول الطاقة العالمي. وتستجيب الرياض لهذا التحدي بسرعة، حيث تضع البلاد على أنها "دولة تعدين ناشئة" جنبًا إلى جنب مع عمان وأجزاء أخرى من المنطقة.
ويأتي الطلب المتزايد على مواد تحويل الطاقة في وقت حاسم بالنسبة للمملكة العربية السعودية، حيث تمر بأهم تحول اقتصادي في تاريخها. يتمثل أحد الجوانب المحورية في تحول الطاقة عبر الاعتماد على طاقة منخفضة الكربون حيثما كان ذلك ممكنًا، والتي تبدأ من اللحظة التي تستخرج فيها شركات التعدين المواد من الأرض.
يستهلك التعدين وسلسلة التوريد الخاصة به حوالي 12% من الطاقة المنتجة عالميًا. وفي بعض البلدان النامية، يرتفع هذا الرقم إلى أكثر من 20 في المائة من الطاقة المنتجة. بالنسبة للمواد التي ينتهي بها الأمر في بطارية، يستهلك الإنتاج الأولي للبطارية 20 ضعف كمية الطاقة لإنتاج بطارية مقارنة بقدرتها على الاحتفاظ بها.
على مدار عمر البطارية، تزداد مدخرات ثاني أكسيد الكربون عدة مرات. ومع ذلك، إذا كانت الكهرباء التي تعمل بالفحم تعمل على إنتاج القطب الموجب في بطارية السيارة الكهربائية، فإن بصمة الكربون الخاصة بها تكون أعلى مما لو كانت تلك الطاقة تأتي من مصدر متجدد.
هذا هو السبب في أن كثافة الكربون في الطاقة المستخدمة لتصنيع الأنود أو الكاثود، المكونات الأساسية للبطارية، مهمة جدًا ، ولهذا السبب تعتبر المنطقة مناسبة تمامًا لتطوير هذه الصناعات.
المزايا التنافسية للشرق الأوسط
تمتلك المملكة العربية السعودية القدرة على إنتاج كميات هائلة من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح الكبيرة وهي تضع نفسها كوجهة للصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة، مثل تصنيع الأنود والكاثود.
بينما تأخذ أوروبا زمام المبادرة في عمليات تحويل الطاقة في العالم الغربي واعتماد المركبات الكهربائية، يمثل الشرق الأوسط شريكا طبيعيا ومكملا للمنطقة.
على سبيل المثال، من الأسهل بكثير الحصول على إذن التخطيط لبناء منجم أو منشأة لمعالجة البطاريات في المملكة العربية السعودية مقارنة بالمملكة المتحدة أو شمال السويد.
ستكون تكاليف التشغيل أيضًا أقل بسبب التكلفة التنافسية للطاقة المتجددة. في المقابل، يمكن أن يشهد ذلك إمدادات من مواد من فئة البطاريات إلى أوروبا، حيث يتجه معظم الطلب اليوم ، لصالح الشرق الأوسط.
نتيجة لذلك، يمكن أن تشهد هذه الفرصة الاقتصادية توسعًا سريعًا في مرافق التعدين والمعالجة في جميع أنحاء المملكة العربية السعودية.
في حين أن البنية التحتية قد لا تزال بحاجة إلى التطوير، فإن النية في الارتقاء موجودة. المملكة العربية السعودية لديها خطوط أنابيب وموانئ للنفط والغاز، لكن الخطط موضوعة لمضاعفة شبكة السكك الحديدية ثلاث مرات وإضافة 1000 كيلومتر من المسار لنقل مليون طن من المواد الخام إلى منشآت المعالجة المحلية. بالإضافة إلى ذلك ، سيتم أيضًا تعديل المنافذ.
الثورة الصناعية القادمة
تعكس هذه التطورات السباق العالمي لبناء مصانع ضخمة، مصانع بطاريات عملاقة يمكنها إنتاج مئات الآلاف من العبوات لدعم صناعة السيارات وهي تتجه نحو الكهرباء بالكامل.
حاليًا، هناك ما يقرب من 260 مصنع جيجا قيد الإنشاء على مستوى العالم. وأكثر من 160 في الصين، البقية في الغرب.
إنه سباق للمواد الخام حيث تحتاج هذه المصانع العملاقة إلى كميات كبيرة من المواد الخام. يتوقع فريق التعدين الذكي مناخياً التابع للبنك الدولي الحاجة إلى زيادة بنسبة 500 في المائة من الليثيوم والكوبالت والجرافيت، إلى جانب زيادة النيكل بنسبة 100 في المائة وزيادة النحاس بنسبة 7%وهو عدد ضخم، مع مراعاة سياق سوق النحاس العالمي.
تزايد الطلب على المعادن
يلعب الشرق الأوسط دورًا رئيسيًا في معالجة هذا النقص، حيث لا توجد مواد خام كافية تقريبًا لتغذية المصانع العملاقة المخطط لها. ويمكن للشرق الأوسط أن يملأ هذه الفجوة خلال الخمسة عشر عامًا القادمة.
لن يحدث ذلك بين عشية وضحاها، لكن المملكة العربية السعودية يمكن أن تصبح مركزًا لسلسلة إمداد تعدين متكاملة لمواد انتقال الطاقة لأنها تتولى دور تجميع كميات هائلة من مادة الكاثود والأنود، قبل شحنها إلى صانعي البطاريات.
وما يجعل منطقة الشرق الأوسط، والمملكة العربية السعودية على وجه الخصوص، جذابة للغاية لشركات التعدين والمستثمرين على حد سواء هو أن المنطقة تتمتع بخبرة في تنفيذ مشاريع بنية تحتية كبيرة أو معقدة في صناعة النفط والغاز. إن سجلهم المثبت وقدرتهم على تطوير البنية التحتية المعقدة بسرعة هو بالضبط ما يتطلبه العصر الجديد للتعدين.