الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

معركة الشرق الأوسط الجديدة تدق طبولها .. ما أطرافها ومتى تشتعل؟

صدى البلد

نشرت صحيفة "ذا ناشيونال" الإماراتية اليوم الأحد، مقالا بشأن معركة دولية تحتدم في الشرق الأوسط بين القوى الغربية والإقليمية من جهة، وروسيا وإيران من جهة أخرى.

وقالت الكاتبة اللبنانية الأمريكية راغدة درغام في مقالها بعنوان "هل تترسم خطوط المعركة في الشرق الأوسط؟" إن البراجماتية تخوض سباقا مع التهور في إيران، حيث يبدأ العد التنازلي النهائي إما لإنقاذ محادثات فيينا بهدف إحياء الاتفاق النووي، أو ترك المفاوضات تنهار والتي من شأنها أن تطلق العنان لدولة مسلحة نوويا في المنطقة. مؤكدة أن مساحة المناورة آخذة في التقلص والوقت ينفد.

وشرحت درغام: أعادت روسيا إقحام نفسها في هذا السباق، الذي تميزت به زيارة وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف إلى طهران يوم الخميس. كانت الرحلة علامة فارقة، حيث باركت موسكو فعليا تحول إيران المحتمل إلى دولة مسلحة نوويا. كما عهدت روسيا إلى إيران بتأمين مصالحهما المشتركة في سوري. وبنفس القدر من الأهمية، اتفقت موسكو وطهران على تفعيل اتفاقهما الاستراتيجي على غرار الاتفاق الذي وقعته الأخيرة العام الماضي مع الصين، والذي يعتقد الجانبان أنه حاسم نحو تعزيز الترويكا الصينية الروسية الإيرانية.

وفي المؤتمر الصحفي المشترك، ألمح كل من لافروف ووزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إلى أن باب محادثات فيينا لا يزال مفتوحا ولكنه على وشك الانغلاق. وقال أمير عبد اللهيان إن مسؤولي إيران والاتحاد الأوروبي يحافظون على التواصل، مؤكدا أن طهران لن تتخلى عن الدبلوماسية وستظل جادة في التوصل إلى اتفاق مستدام بشأن خطة العمل الشاملة المشتركة.

وتشير مثل هذه التصريحات إلى أن طهران لا تزال تفضل الحكمة على التهور. ومع ذلك، يكمن الشيطان في التفاصيل، حيث يتمثل أحد هذه التفاصيل في مطالبة النظام الإيراني بإزالة «فيلق الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني من قائمة الإرهاب الأمريكية وهو الشرط المسبق الذي رفضه الرئيس الأميركي جو بايدن رفضا قاطعا. وفي الوقت نفسه، تواصل إيران معارضة الإصرار الأمريكي على نظام مراقبة صارم لبرنامج طهران النووي.

ويبدو أن روسيا وإيران اتفقتا خلف الأبواب المغلقة على أن فرص النجاح في فيينا آخذة في التضاؤل، وبالتالي يتعين عليهما استكشاف بدائل. ووفقا لقراءة من مصدر مطلع على المناقشات، بدت روسيا مستعدة لدعم مستقبل إيران النووي. ويمثل هذا تحولا في موقف موسكو، التي كانت ملتزمة حتى الآن بعدم انتشار الأسلحة النووية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل. والواقع أن روسيا وزملاؤها الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة كانوا قد وافقوا في وقت سابق على منع توسيع ما يسمى بنادي الأسلحة النووية. لكن الحرب في أوكرانيا ربما أطاحت بهذا الإجماع.

وفي الوقت نفسه، يبدو أن موسكو متضاربة بين تصميمها على تعزيز اتفاقها الاستراتيجي مع إيران ورغبتها في رؤية علاقات إيرانية خليجية أفضل.

وفي طهران، قال لافروف إن بلاده تعمل على ضمان أمن منطقة الخليج وتسعى إلى تحسين العلاقات بين إيران ودول الخليج. ودعا إلى حوار بين إيران والدول العربية لبناء الثقة واتخاذ خطوات تعزز الاستقرار في المنطقة. هذه المشاعر جديرة بالثناء، لكن لا يبدو أن موسكو تستخدم نفوذها على إيران للتحقق من سلوكها الإقليمي في العراق ولبنان وسوريا واليمن.

من المؤكد أن بادرة تشجيع موسكو تجاه حصول طهران على أسلحة نووية والسماح بمواجهة الأخيرة مع إسرائيل في المستقبل لن تؤدي إلا إلى زعزعة استقرار المنطقة الأوسع.

وأوضح دبلوماسيون روس لنظرائهم الإيرانيين أن موسكو لا ترغب في رؤية مواجهة إيرانية إسرائيلية، لكنهم أكدوا حق إيران في الرد على إسرائيل إذا تم استفزازها. كما أكدوا مجددا أهمية مصالح إيران في سوريا وحق النظام الإيراني في مواجهة أي قوة يمكن أن تضر بمصالحه أو مصالح روسيا. وقد أعطت موسكو، في هذه العملية، إيران الضوء الأخضر للعمل كضامن أمني في سوريا، حتى لو كان ذلك يعني استبدال بعض دور روسيا في البلاد تدريجيا.

تدرك موسكو أن انشغالها في أوكرانيا قد أضعف موقفها في سوريا، مما أدى إلى خسارة استراتيجية لما تعتبره استفزازات تركية وإسرائيلية في البلد العربي. ولذلك، فقد وافقت على أن تكثف إيران جهودها في سوريا. ومن وجهة نظر روسيا، فإن الفشل المحتمل لمحادثات فيينا سيعمل على تحرير أيدي إيران في المنطقة، وأن سوريا يمكن أن تصبح ساحة رئيسية لتفعيل صراع إيراني إسرائيلي محتمل.

إذا قررت طهران أن الوقت قد حان للانتقام من فشل محادثات فيينا واستمرار العقوبات ضدها، يمكن للنظام توسيع عملياته داخل العراق ولبنان، وربما حتى الممرات المائية في المنطقة، بمباركة روسية ضمنية.

ولا تزال روسيا غاضبة من إسرائيل بسبب موقفها من أوكرانيا، وتعطيلها لمحادثات فيينا، وعدم مراعاتها للمصالح الروسية، وعملياتها العسكرية المتكررة داخل سوريا. وهناك أيضا بعض الاستياء الروسي تجاه إسرائيل بسبب عملياتها المزعومة داخل إيران التي تستهدف الحرس الثوري الإيراني والمنشآت النووية. المزاج السائد في الكرملين يفضل حاليا الاستفادة من غضب إيران في حالة انهيار محادثات فيينا. يمكن للحرب الإيرانية الإسرائيلية أن تصرف الانتباه عن تصرفات روسيا في أوكرانيا وتصبح مصدرا إضافيا للقلق والإحراج لواشنطن، حليفة إسرائيل.

قد يشكك البعض في قيمة الاتفاق الاستراتيجي بين روسيا وإيران في وقت يخضع فيه كلا البلدين للعقوبات ويواجهان عزلة دولية متزايدة. لكن روسيا لا تزال عضوا دائما في مجلس الأمن، وبالتالي، فهي قادرة على تآكل أسس النظام الدولي مع تزايد غضبها. في الواقع، بينما تسعى روسيا إلى رسم مسار مستقل، يمكنها الالتفاف على العقوبات الأحادية الجانب والدولية المفروضة على نفسها وعلى إيران.

وفي الوقت الراهن، تواصل طهران السعي إلى تحقيق انفراجة في فيينا. وإذا فشلت المحادثات، فهي مستعدة للعمل مع روسيا. ولكن حتى لو نجحوا في ذلك، فإنها لا ترى أي تناقض بين الاستفادة من رفع العقوبات الناتج عن ذلك وتعزيز اتفاقها مع روسيا.

ما أصبح واضحا بشكل كبير في الأسابيع الأخيرة هو أن الشرق الأوسط لا يزال يحمل قيمة استراتيجية. وعلى هذا فمن الأهمية بمكان أن تفكر الولايات المتحدة بشكل استراتيجي. وفي الوقت الذي تتعامل فيه إيران مع الصين وروسيا، يجب على واشنطن مواصلة تطوير اتفاقيات تعاون جادة وشاملة ودائمة مع دول مجلس التعاون الخليجي، بقيادة المملكة العربية السعودية.