بين الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، النموذج الثالث من نماذج التعايش مع الآخر، حيث يرى أن النبي تعامل بالشدة مع يهود بني قريظة وخيانتهم لرسول الله والمؤمنين في المدينة.
نموذج التعايش مع الآخر
وقال علي جمعة من خلال صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك: كان غدرهم أشد من غدر غيرهم من اليهود, وسعوا إلى خيانة لو تمت لهم لفنى المسلمون عن آخرهم, فقد نقضوا عهدهم مع رسول الله وتحالفوا مع أعدائه من المشركين الذين قدموا لغزو المدينة في غزوة الخندق, رغم ما أقروه في وثيقة المدينة من بنود تمنع التحالف مع قريش أو مساعدة من يهاجم المدينة, وهو أمر يهدد الدولة كلها وفيه خيانة المواطنين لدولتهم وتآمرهم مع أعداء الوطن ضده.
وتابع: الملاحظ هنا أن يهود بني قريظة كانوا مدركين لأمر خيانتهم لعهدهم مع رسول الله والمؤمنين; لأنهم بمجرد أن ارتد مشركو قريش عن المدينة رجعوا إلى صياصيهم وتحصنوا بها, وتحسبوا لخوض المعركة مع النبي ﷺ, والأمر الآخر أنهم حوصروا خمسا وعشرين ليلة فلم يرد أنهم اعتذروا أو طلبوا سلما أو صلحا مع رسول الله, ولكن أخذتهم العزة بالإثم, وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله ورسوله, وأن المؤمنين سيرتدون عنهم مغلوبين على أمرهم, فلما اشتد حصارهم واشتد البلاء قيل لهم: انزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأول سابقة في التاريخ يسمح صاحب السلطان للمجرم والخائن أن يختار قاضيه ومن يحكم عليه بالعقوبة, فاختار اليهود سعد بن معاذ, الذي قال: (فإني أحكم فيهم أن تقتل مقاتلتهم وتسبى ذراريهم وتقسم أموالهم). فقال رسول الله: «لقد حكمت فيهم بحكم الله عز وجل وحكم رسوله» (أحمد 6/141).
وأكمل علي جمعة : لقد نقض بنو قينقاع وبنو النضير عهدهم مع رسول الله وحاربوه, فلما انتصر عليهم لم يأمر فيهم بمثل ما أمر في بني قريظة, وما ذلك إلا لأن بني قريظة ارتكبوا جريمة زائدة وهي الخيانة العظمي, والتي كان من شأنها لو أحاطت بالمسلمين لقضت عليهم جميعا.
وأكد علي جمعة كان رسول الله يتعامل مع غير المسلمين في دولة المدينة تعاملا قائما على العدل والرحمة والتسامح, دون تفريق بينهم وبين المسلمين, فهم على درجة واحدة في إطار المواطنة والولاء للدولة, أما من خرج عن الجماعة يريد إشاعة الفتن وخيانة الوطن, والاستقواء بالأعداء, فمع تطبيق مبدأ الرحمة والرأفة معه يكون عقابه بقدر مخالفته, وأما من لم ينهنا الله عنهم, فمعاملتهم تكون بالحسنى والحلم واللين, قال الله تعالى: (لَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ) [الممتحنة:8]، وإذا كان هذا الحكم عاما مع ذوي الأديان والأعراق المختلفة, فما الظن إذا كان هؤلاء إخوة في الوطن وشركاء فيه, يحافظون على أمنه واستقراره ويقفون في وجه أعدائه والمتربصين به, فضلا عن أنهم أقرب مودة للمؤمنين! قال تعالى: (وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ) [المائدة:82] فهم أولى بحسن المعاملة, وتحقيق مراد الله منا فيهم.