الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

إلى الأقوياء

دكتور/ عمرو الحديدي
دكتور/ عمرو الحديدي

أشرقت شمس يوم جديد على قاهرة المعز ، تحمل في توهجها اللطيف دفئاً إلى أجساد ، أنهكتها دوائر الدهر، تدفعهم الحياة  دفعاً ليسعو في الرزق و تسوقُ إليهم بلا  رفق ,  أقداراً مفرحةً أو موجعةً، تقلب أحوالهم , حتى يتبدى لذي اللب حكمة ,  أنها  بكل ما فيها ,  محنة، وأن سعينا الدائم نحو السعادة، يجود علينا بنسمات، تخبرنا أن السعادة  كامنة في السعي ذاته، وأن المحنة خُلقت لتظهر المِنحة، كما خلق الليل ليظهر النهار، ولا تزال الحياة ماضيةً ، تُزيل الماضي وتذيبه , وتلملم جراحه , وتدفعنا نحو الطموح والتقدم . 

كانت الشَّمس في ذلك اليوم خفيفة الحدة، كنتُ أتأهَّب للنزول إلى العيادة في المستشفى الجامعي، قابلني صديقي علاء وهو زميلى في القسم، وكان معي طيلة فترة الدراسة فى كلية الطب، وقد ارتسمت على ملامحه الحزن والضيق.

أخبرني أن مريضا قد توفاه الله , وقد كان نوبتجيا فى هذا اليوم , وقد تأثر كثيرا لوفاته، فقد كانت تربطه به علاقة قوية، شعرت فى عينيه ما أشعر به فى تلك المواقف القاسية , التي تتطلب أفئدة صلدة، حتي تعبرها. 

استوقفني إعلانا فى التلفاز، كان يسعي إلى  جمع تبرعات لاستكمال بناء مستشفى خيري يقوم على علاج الأورام، ولفت نظرى استخدام كلمة " محارب السرطان " أكثر من مرة , وظللت أفكر في هذه العبارة، هل يجب أن نضع هؤلاء المرضي فى خانة " المحاربين " فنثقل أعبائهم ونجعلهم فى حالة حرب ؟ أم الأفضل أن نهون عليهم بحذر، وأن ندعهم يمارسون حياتهم بارتياحية كما باقى البشر. 

بل الأهم أن نجعلهم يعرفون حقيقة هذا المرض،وأنه ليس عقابا إلهيا، أو بسبب " عمل من أعمال الدجل " – كما قالت لي إحداهن ذات يوم ! ولعل قربي من مرضي الأورام يجعلنى أفهم حقيقة تساؤلاتهم، لماذا أنا ؟ وأنا أصلي وأصوم وأتقرب إلى الله، وكيف أتعامل مع المحيطين حينما أفقد شعري ؟ وهل بدأ العد التنازلى لخروجي من باب الحياة، ومن سيربي الأبناء ؟ وكيف يربيهم ؟ هل سيشردون من بعدي ؟ 

وحينما تفكر قليلا عزيزي القارىء تدرك لا محالة، أنها تساؤلات واقعية ومنطقية، يسألها 150 ألف مريض سنويا، ربما أكثر أو أقل، فالإحصائيات لدينا " ليست بالدقة التي ننشدها " ولا نعرف عدد مرضي الأورام بالتحديد فى مصر !. 

ومع دعم الدولة لمرضي الأورام، وتكاتف القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني، يظل التوجيه الإعلامي للمجتمع ضئيلا تجاه هذه القضية، فالناس يجب أن تدرك أن الورم أو السرطان متعدد الأنواع والمراحل والدرجات , وأن هناك مرضى يتم شفاؤهم فعلا , وأن ليس كل المرضى يموتون ! 

منذ عدة أشهر، حضرت إطلاق دواء جديد لمرضي أورام الثدي, فى أحد الفنادق المصرية، الأمل يزداد كل يوم، والأبحاث الجديدة تنشر كل يوم , والمجال يتطور بشدة , حتي كدت أشفق على طلاب الماجستير والدكتوراه فى التخصص من فرط الأبحاث والدراسات وأسماء الأدوية التي تنشر كل يوم !

ومع إيماني التام بأن إصابة أي إنسان بالسرطان هو بحد ذاته فاجعة كبرى، تزلزل كيانه، وتمحو كل أحلامه وتطلعاته، مأساة حقيقية لا تجيد الأقلام وصفها، ومستقبل غامض لا يضاهيه غموض، وألم عميق يدب جذوره في غياهب الحزن والمرار، وانكسار يعتري كيان المرء بلا مقاومة أو نزاع، وظلام يتبدى في الأفق دون مواربة، إلى أن الحياة ربما تستحق أن نتخطي هذه العقبات. 

ويبقي الأمل فى حياة أفضل، ننشد من خلالها سعادة تطمئن بها قلوبنا. 
حفظ الله الوطن .