الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الرذيلة والفراغ

صدى البلد

قالوا قديما فى الأساطير إن الفراغ شعر بالوحدة والملل والضجر، فتمنى أن يجد من يؤنسه، وإذا بالرذيلة تجرى إليه وتلهث وتعرض عليه مصاحبته والبقاء معه، وتتعهد له بأن لن يمل أبدا منها وأنه سيكون فى أقصى مراحل السعادة والونس لأنهما معا سيكون لهما مريدون كثر، وبالتالى فستمتلئ أوقاتهما بهؤلاء المريدين ولن يشعروا أبدا بالملل والتعاسة. 

وعانق الفراغ الرذيلة واصطحبها معه فى كل خروجاته وطاف بها العالم كله، وبالفعل أصبح الفراغ سعيدا لا يشعر بالملل، والرذيلة هى الأخرى منتشية بكثرة من يتبعون خطاها ويمتثلون لأوامرها.

وتوالت العصور والسنين إلى أن وصلنا إلى هذا الزمن وهذه المرحلة، وأصبح الفراغ والرذيلة قوة ضخمة وأصبحت أدواتهما متنوعة وكثيرة، وأهمها وسائل التواصل الاجتماعى أو أن شئت تسميتها بوسائل الخراب الاجتماعى والمجتمعى. 

فقد سهلت هذه الوسائل أو الأدوات عمل الفراغ والرذيلة، وفتحت له جميع الأبواب المغلقة وفرشت الورود والرياحين أمام المتابعين والمريدين، واستطاعت أيضا أن تخلق نوعا جديدا من السلوكيات ألا وهو الاكتفاء بالمشاهدة والرضا بعيش لحظة الموقف من خلال اللقطة أو الصورة أو الكادر فقط، فمهما كان الموقف أخلاقيا أو وطنيا أو معيبا ومهيبا ويتطلب التدخل، فقد جعلت وسائل التواصل الاجتماعى مدعومة بالفراغ والرذيلة؛ حالة الخنوع هى الأساس وما دونها هو الفرعى. 

فالمواطن يرى ما لا يرتضيه كافر أو فاجر، ويكتفى بأن يصور المشهد ويرفعه على الوسائل المتبع عليها اتباع الأعمى للبصير، أحداث جسام كان من الممكن ألا تصل إلى ما وصلت إليه إذا تدخل المشاهد أو المتابع المكتفى بالتقاط الصور، ولكن للأسف فركوب التريند والشهرة واعتلاء المشهد بالطبع كلهم يجعلوه يفكر ألف مرة قبل أن يتدخل ويفض الاشتباك أو حتى يجرى اتصالا بالجهات المعنية أو يصرخ بأعلى صوته طالبا النجدة ومساعدة الواقع تحت تأثير الخطر والخطير الذى يهدده ويفنى حياته. 

كل هذه الأشياء يحول بينها وبين تحقيقها رغبة المواطن بأن يصبح نجم السوشيال ميديا وحديث الناس والوسائل التواصلية الاجتماعية الحديثة. 

الرذيلة والفراغ اتفقا على هدف ووجدا ضالتهما فى مواطن هذه المرحلة المحاصر من كل الجهات بعوامل الانهيار من غياب القدوة، وانشغال الأبوين فى العمل، والغلاء، والثورة التكنولوجية التى فتحت أبواب الحصول على كل الموبقات بسهولة ويسر، وأيضا أضف إلى كل ذلك الفوضى فى الفتاوى الدينية وعدم وجود مرجع واحد يستفتى منه البشر ويكون صائبا راجحا. 

هذا المواطن الذى لا يملك أسلحة فكرية ولا تراثية ولا حتى رجاحة دينية لن يقف صامدا أمام هذا العالم الغازى القاهر لكل ما هو أصيل وطيب، وحتى إذا حاول مواصلة الصمود فماذا سيفعل من حصاد الدراما التى أظهرت له البلطجى نموذجا يحتذى به قادرا على أخذ حقه، وأن يصبح غنيا مرهوب الجانب، وفى المقابل، ظهر الطيب فى الدراما ذليلا مقهورا حزينا يائسا مأسوفا عليه.

واكتملت الدائرة ضيقا على هذا الجيل بما يسمعه من أغانى الخبط والرزع والألفاظ النابية وتسميتها بفن المهرجانات، ويتبارى فيها أسماء توابل وآلات ومسميات غريبة عجيبة. 

كيف لجيل نما وكبر وهو محاصر بفراغ ورذيلة وفن هابط وأغانٍ مشمئزة وغلاء فاحش وأسر مفككة، كيف له أن يصبح ذا شأن؟ وهل تنضج الورود بسقياها ماء مراحيض؟ وإن حدث ونضجت فهل سيكون شذاها عطرا أم قذرا؟ القادم سيئ فى ظل هذه التوابع المرافقة للفراغ والرذيلة إلا إذا...