الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

اليوم بين سطور التاريخ

صدى البلد

البحث الدائم يجعلك ترى هذا العالم بمنظور مختلف، وربما كل منا له بحثه في مجاله، وشغفه ونهمه في المعرفة، التي تخص مجال بحثه، والأرجح أن الباحث لا يستطيع الاستمرارية، إلا إذا كان محبا لمجال البحث الذى هو بصدده، فإن كان تكليفا، لا ننتظر منه أن يضيف دائماً.

عندما بدأ شهر يونيو، كتبت لكم عن قدسية هذا الشهر في مصر، الذى ارتبط برحلة العائلة المقدسة المباركة، ولكن بين سطور التاريخ، يعد هذا الشهر الأهم والأجمل والأحدث في التغيير، فما إن انتهت رحلة العائلة المقدسة، وسُجلت في الكتب السماوية، وفي التاريخ، إلا واستمر يونيو في تقديم أحداث، لتغيير مجرى ومسار التاريخ، القديم والحديث، ربما لو سألت أحدا ماذا تعرف عن شهر يونيو؟ لقال إنه شهر بداية الصيف، أو مواليد هذا الشهر من برج الجوزاء، ومن الممكن أن تجده يتحدث ببراعة، عن ذكرياته أو ما يميز هذا الشهر، في الصيف، وذكر لك أفضل الأماكن، لتستمتع بطقس يونيو، أو ذكر لك مميزات برج الجوزاء، وكيف تتعامل معه، وما يميزه وما يعيبه، وكل ما سبق لا يعيب أبداً المتحدث به ، ولكن هذا نهمه وما يحب أن يعرفه. 

أردت اليوم أن أتحدث عن الثامن عشر من شهر يونيو بالأخص، وما مدى ارتباطه بالتاريخ، وعن تاريخ مصر بالتحديد، من الأقدم فالأحدث، فكان هذا اليوم، من عام 1805، تنصيب محمد علي باشا على حكم مصر، بعد تزكيته من رجال الدين، وبالأخص تزكية الشيخ عمر مكرم.

ولكنه ترك للتاريخ تجربة تستحق أن تدرس، فهو لم يتحدث العربية، ولم يولد بمصر، ولكن عمل على عزتها وبناء قوتها، وتطويرها اقتصادياً، فهو منشئ اقتصاد القطن الذى ساهم لسنوات طويلة في جعل مصر محل اهتمام وثقل في العالم، وصاحب نظام الرى، الذى استمر حتي سنوات قليلة ماضية، والأهم أنه أول من زود الجيش بأبناء الطبقات الفقيرة من المصريين، بعد أن كان محرماً عليهم. 

عمل محمد علي على التنمية وبناء المشروعات الضخمة، وخلق امبراطورية بالمقاييس المصرية، أسس صناعة حديثة على النهج الغربي، وأنشأ نظاما في إدارة الدولة، توسع شرقاً وغرباً وزاحم الإمبراطورية العثمانية، وكاد أن يقضي عليها، ويبني خلافة مقرها مصر، لكن وقفت ضده جميع القوى العاليمة، تضامناً مع رجل أوروبا المريض "الدولة العثمانية"، إلى أن أستقر محمد علي باشا على حكم مصر حتى وفاته عام 1849، وفي 18 يونيو 1953 ألغي النظام الملكي في مصر بعد ثورة 23 يوليو، وأُعلنت مصر جمهورية، ما أنهى قرناً ونصف القرن من حكم سلالة محمد علي باشا.

وارتبطت روح القومية في المنطقة بمصر الناصرية، وظهرت أحلام الوحدة السياسية، هي السائدة في العالم العربي، ودعمتها الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج، وازدهرت فترة إعادة أمجاد الحضارة العربية، وليطبع هذا اليوم من شهر يونيو في ذاكرة التاريخ المنصفة، كان في الثامن عشر من يونيو عام 1956 خروج آخر جندى بريطاني من قناة السويس، بعد صراع يعد الأشرس من نوعه  اندلع فور إعلان الرئيس الراحل جمال عبد الناصر قرار تأميم شركة قناة السويس، فواجهت مصر سحب تمويل الولايات المتحدة للسد العالي، وتجميد الأموال المصرية في فرنسا وإنجلترا، وجمدت الولايات المتحدة أموال شركة القناة لديها، وشنت القوى الدولية العدوان الثلاثي على مصر، وفي النهاية انتصرت مصر، وتمصرت شركة قناة السويس. 

وفي يونيو الحديث عام 2014 في الثامن منه، نُصب الرئيس عبد  الفتاح السيسي على حكم مصر، بعد ثورة 30 يونيو 2013، ليأخذنا إلى جمهورية جديدة، في البناء والتنمية للإنسان والمؤسسات، لدولة برمتها وعظمتها، أيضاً سُطرت بدايتها في شهر يونيو، وكأنه كُتب على يونيو أن يعيد الأمجاد للتاريخ، وأن يصاحب العظماء برحلات الأقوى والأمجد من نوعها.