هل مر شريط حياتك بإحدى هذه المحطات ؛ والد صارم لا يقبل النقاش ، والدة تخنقك بحبها الجارف المتملك ، مدرس يعتقلك فى نظام حديدي ، مرشد أو رجل دين يرى فى كل خروج عن تفسيراته حراما أو تهلكة ، مدير عصبي قاس يريدك خائفا ممتثلا لأوامره ، شريك حياة لا تستقيم علاقة معه إلا لو قبلته متسلطا غيورا وربما متلصصا ؟
هى ممارسات القوة الخشنة على الغير التى تمنح صاحبها شعورا بالسيطرة أو الثقة الظاهرية أو الأمان أوالنجاح أو الزهو و العظمة ، وهى ممارسات تورث التوتر والصراعات ، ولا توفر ضمانا لاستمرار فاعليتها والنجاح فيها على حساب الغير ، ينتج ضحايا يحلمون بالانتقام أو بتكرار التجربة مع غيرهم فى الأسرة أو العمل أو الشارع بشرط أن يكونوا هم الجناة على ضحايا آخرين ، سيكون عليهم أن يقبلوا نفس مشاعر القهر والخوف فى تلك الدائرة المفرغة.
لكن ماذا عن " الطرف الأقوى " ؟ وهل تخفى القوة الغاشمة خوفا من الفشل أو توترا وقلقا أو قلة حيلة وتناقضات داخلية أو عجزا عن فهم النفس والآخرين أو الافتقار لاحترام كرامة ومشاعر وحرية الغير ؟ وهل تكفل بافتراض فاعليتها سلاما أو سكينة للفرد ؟ وكيف يقوم مجتمع على سيادة القوة دون تضامن ، دون قواعد، دون حقوق ، دون محبة واحترام وتسامح وحرية وسلام ؟
قد تكون شعرت فى محطات حياتك بكراهية أو نفور من تلك الأمثلة ، ولكن هؤلاء قد يكونوا بدورهم ضحايا لآخرين فى تجارب مسيرتهم ، دون أن يستوعبوا الدرس أو تنضجهم المعاناة ، فجعلوا تبادل الأدوار لاحقا تعويضا عن كرامة وحرية افتقدوها بعد أن داستها أقدام القهر والجهل أو الظلم والهوان أو الخوف و اليأس ، وكأنهم لا ينتصرون لمعني أو لقيمة بل لطموحات شخصية ضيقة ، يرضون ان تحققت ، وينقلبون على أنفسهم ان أفشلها آخرون.
هل دار بخلد " الجناة " أن السيطرة على الآخر بديل للسيطرة على متناقضات النفس وسلبياتها ودليل على ضعف الثقة والافتقار للصدق مع النفس والآخر ولاحترام قيم الحرية والكرامة ؟
وهل يستطيع الجانى أن يحلم بأن يمتلك يوما ما قوة منبعها الفطرة الصافية والمنطق المتماسك وسيادة العقل والقيم الأصيلة النابعة من الذات والمشاعر الصادقة واحترام الحرية والكرامة والقانون والحقوق ؟ حين يحقق صفاء النفس سلام المجتمع وأهداف الفرد ، حين تكون القدوة محرك النجاح والتقدم والسعادة ، حين يؤدى التجرد والصدق الى شمول الرؤية والانتصار للمعنى ، حين تكفل المعاملات مصالح الكل الحقيقية ، حين يقود فهم حقيقة النفس والآخرين الى عمق الاخوة والاحترام والتضامن و محبة الكل فى واحد.
تلك هى القوة الناعمة ، فهل نريدها لانفسنا ؟ وهل تستحق مخاطر التجربة ؟ وهل نملك الإيمان بنبل الهدف والأمل والمثابرة لتحقيقه؟
الإجابة هى اختيارك .. وعلى مسؤليتك .