الفرق بين الحكم الشرعي والرأي الفقهي.. يختلط على الكثير الحكم الشرعي من الرأي الفقهي ولا يستطيعون التفريق بينهما، وأجمع أهل العلم على أنَّ القرآنَ الكريمِ والسنة النبوية هما مصادر التشريع الإسلامي، ودليل ذلك قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إني قد تركتُ فيكم ما إن اعتصمتُم به فلن تَضِلُّوا أبدًا، كتابَ اللهِ، و سُنَّةَ نبيِّه)، فالسنة النبوية هي المصدر الثاني من مصادر التشريع كما أنها تمثل التطبيق العملي لما أنزله الله سبحانه وتعالى في القرآن؛ وذلك لأن مهمة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الأساسية هي: التبليغ، والبيان ، وتبليغ القرآن يكون بتلاوته على الناس، وبيانه بالقول إن لزم الأمر، وبالتطبيق العملي للأوامر التي تحتاج إلى التطبيق العملي، كأركان الإسلام الخمسة، وغيرها من شرائع الإسلام. لذا يقدم موقع صدى البلد الفرق بين الحكم الشرعي والرأي الفقهي.
الفرق بين الحكم الشرعي والرأي الفقهي
إن الشرع في الأصل يتكون من نصوص الكتاب أو السنة، والحكم الفقهي يكون بفهم الكتاب والسنة وما استنبطه العلماء منهما، فنحن لا نطبق الآية ولكن نطبق ما فهمناه من الآية وهو ما يسمى “الحكم الفقهي”، وكل التراث الإسلامي يعتبر أحكاما فقهية، أما الحكم الشرعي فهو المادة الخام، أي الدليل والنص، فالنصوص الشرعية تنقسم إلى قطعية الدلالة والتي ليس فيها اجتهاد، وهناك النصوص الظنية والتي تحتمل أكثر من معنى وهذا يستنبطه علماء المسلمين، وهذا هدفه الرحمة والتسهيل والسعة على الخلق، والفتوى لا بد فيها من معرفة الحكم ومعرفة الواقع أو الحالة التي نعيش فيها، وكيفية إنزال هذا الحكم على الواقع الذي نعيش فيه، وبعض الناس ليست لديها الملكة التي تمكنه من إنزال الحكم على الواقع الذي نعيش فيه، والمفتي يكون بمثابة الفقهي.
الفرق بين الحكم الشرعي والحكم الفقهي
رد الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية الأسبق، على سؤال بشأن الفرق بين الحكم الفقهي والحكم الشرعي، قائلًا: «هذه مصطلحات منحوتة يأتي بها البعض، ويعني بها شيئًا في ذهنه، لكن لأ أثر لها في المنهجية والمنقول لنا من العلم الموروث».
وأضاف «جمعة»، خلال لقائه مع برنامج «والله أعلم»، المذاع عبر فضائية «سي بي سي»، أنه لا يوجد فرق بين الحكم الشرعي والحكم الفقهي، مشيرًا إلى أهمية الإبداع وإحياء النظريات القديمة من أجل الاستفادة منها في التعامل مع مقتضيات العصر.
ونوه في هذا السياق إلى إحيائه نظرية اللحظة اللطيفة، ونظرية ذهاب الحكم بذهاب المحل، متابعًا: «كي نستفيد ونعيش عصرنا ونفهم مصرنا وننفع العباد والبلاد ولكن من داخل الجماعة العلمية وليس من خارجها».
مصادر التشريع الاسلامي المتفق عليها
أجمع أهل العلمِ على أربعةٍ من مصادر التشريع الإسلامي، وهي القرآن الكريم، والسنة النبوية، وإجماع المجتهدين بعد وفاة النبيِّ، والقياس.
1)الكتاب
أجمع أهل العلم على أنَّ القرآنَ الكريمِ يعدُّ أحد مصادر التشريع الإسلامي، ودليل ذلك قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إني قد تركتُ فيكم ما إن اعتصمتُم به فلن تَضِلُّوا أبدًا، كتابَ اللهِ، و سُنَّةَ نبيِّه)، فيعرَّف القرآن الكريم على أنَّه كلام الله -عزَّ وجلَّ- المنزلَ على نبيِّه محمد -صلى الله عليه وسلم- بواسطة جبريل، المتعبد بتلاوته، المنقول إلينا بالتواتر، والمجموع بين دفتي المصحف الشريف، المبدوء بسورة الفاتحة والمختوم بسورة النَّاس. مثال على حكم من القرآن: حرَّم الله -عزَّ وجلَّ- على الرجل وطئ زوجته في كتابه المجيد، حيث قال: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ ۖ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ۖ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ).
2) السنة
أمَّا ثاني مصادر التشريع التي أجمع عليها أهل العلمِ فهي السنة النبوية، واستدلوا بقول الله -تعالى-: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ)، وذكر مثالٍ على أحد الأحكام الواردةِ فيها: التعريف: تعرَّف السنةُ النبوية على أنَّها كلُّ ما صدر عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من قولٍ، أو فعلٍ، أو تقريرٍ، أو صفةٍ، من غير القرآن الكريم. مثال على حكمٍ من السنة: حرَّم الله -عزَّ وجلَّ- في السنة النبوية الجمع بين البنت وعمتها في زواجٍ واحد، ودليل قول ذلك قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا يُجْمَعُ بيْنَ المَرْأَةِ وعَمَّتِها، ولا بيْنَ المَرْأَةِ وخالَتِها).
3) الإجماع
وثالث هذه المصادر هو الإجماع، وقد اتفق أهل العلمِ على حجيةِ هذا المصدر، ومن أدلتهم قول الله -تعالى-: (وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) ومثالٍ على أحد أحكامه: تعريفه: يُعرَّف الإجماع على أنَّه اتفاق المجتهدين من أمةِ النبيِّ محمد -صلى الله عليه وسلم- في عصرٍ من العصورِ على حكمٍ شرعيٍ. مثال على حكم ثبت بالإجماع: أجمع أهل العلم على تحريم الحشيش والأفيون.
4) القياس
رابع المصادر التي أجمع عليها أهل العلمِ هو القياس، ودليله قول الله -تعالى-: (فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ)، والاعتبار هنا؛ يعني القياس، والأمرُ في هذه الآية للوجوبِ، وبذلك يكون القياسُ أحدُ مصادر التشريعِ،مثالٌ على حكمٍ ثابتٍ في القياس: تعريفه: إثباتُ حكمٍ لم يرد فيه دليلٍ شرعيِّ بناءً على حكمٍ وردَ في دليلٍ شرعيِّ لاشتراكِ هذين الأمرينِ بعلةٍ واحدة. مثال على حكم ثبت بالقياس: حرَّم الفقهاء القاتَ قياسًا على تحريم الحشيش والأفيون.
مصادر التشريع الإسلامي المختلف فيها
1)الاستحسان
يُعدُّ الاستحسان أحد مصادر التشريع عند الحنفيةِ والحنابلةِ، ودليلهم في ذلك قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (فما رَأى المُسلمونَ حَسنًا؛ فهو عندَ اللهِ حَسنٌ)، وذهب المالكية والشافعية إلى عدم حجيةِ هذا المصدر، وفيما يأتي ذكر تعريف الاستحسانِ ومثالٍ على حكمٍ ثبت فيه عند القائلين به: تعريفه: عدول المجتهد عن حكمٍ كليٍ إلى حكمٍ استنائيٍ لدليلٍ رجَّح هذا العدول، أو عدوله عن مقتضى قياس جليٍ إلى مقتضى قياس خفي.مثال على حكم ثبت بالاستحسان عند القائلين به: جواز الاستصناعِ استحسانًا استثناءً من قاعدة حرمة العقدِ المعدوم.
2) المصلحة المرسلة
عدَّ فقهاء المالكيةِ والحنابلة المصلحةَ المرسلةِ مصدرًا من مصادر التشريع، استدلالًا بفعل الصحابةِ الذين شرعوا أحكامًا لتحقيق مصالح العبادِ بالرغم من عدمِ ورود دليلٍ شرعيٍّ عليه، وذهب الحنفية والمالكية إلى عدم اعتبار المصالح المرسلة مصدرًا مستقلًا من مصادر التشريع، وفيما يأتي بيان تعريف المصالح المرسلة وذكرِ مثالٍ على حكمٍ ثبت فيه: تعريفها: هي كلُّ مصلحةٍ لم ينصِّ الشارع الحكيم على حكمٍ لتحقيقها، ولم يأتِ أيُّ دليلٍ شرعيٍّ على اعتبارها أو إلغائها. مثال على حكم ثبت بالمصلحة المرسلة: اتخاذ عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- السجون.
3) العرف
عدَّ الحنفيّة، والمالكيةُ، وابن القيم من فقهاء الحنابلة إلى اعتبار العرفِ مصدرًا مستقلًا من مصادر التشريع، ودليلهم في ذلك قول الله -تعالى-: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ)، بينما ذهب الشافعي إلى عدم اعتباره مصدرًا مستقلًا من مصادر التشريع،وفيما يأتي بيان تعريف العرفِ وبيانِ مثالٍ على حكمٍ ثابتٍ فيه: تعريفه: هو ما استقرَّ من العادات في النفوسِ وتلقته الطباع السليمة بالقبول. مثال على حكم ثبت بالعرب عند القائلين به: جواز تقسيم المهر إلى معجلٍ ومؤجلٍ بحسب العرف.
4) الاستصحاب
عدَّ المالكيّة، والحنابلة، وأكثر الشافعية أنَّ الاستصحاب عند عدم وجودِ الدليل يعدُّ مصدرًا من مصادر التشريع الإسلامي، مستدلين بالقاعدة الأصلُ في الأشياء الإباحة مالم يرد دليل على التحريم، وخالفهم الحنفية في ذلك حيث ذهب إلى أنَّ الاستصحاب ليس حجةً شرعية، وفيما يأتي بيان تعريفه وذكر مثالٍ على حكمٍ ثبت بالاسنصحاب عند القائلين به: تعريفه: هو الحكمُ الشرعي الثابت في الزمن الماضي، وبقائه في الزمن الحاضر، حتى يرد دليل على تغييره. مثال على حكم ثبت بالاستصحاب عند القائلين به: الحكم بحياةِ المفقود حتى يرد ما يُثبت وفاته.
5) سد الذرائع
عدَّ فقهاء المالكية والحنابلة سدَّ الذرائع مصدرًا من مصادر التشريع، ودليلهم في ذلك ورود عددٍ من النصوص الشرعية التي حرمت أمورًا؛ لأنَّها تؤدي إلى الحرام، وذهب الحنفية والشافعية إلى عدم اعتبار سدِّ الذرائع مصدرًا من مصادر التشريع، وفيما يأتي بيان تعريفه وذكر مثالٍ عليه:تعريفه: هو منع ما كان مباحًا لأنَّه وسيلةً إلى الحرام. مثال على حكم ثبا بسد الذرائع عند القائلين به: منع الشرع الحنيف سبَّ الأوثان والأصنام؛ إذ أنَّ ذلك مفضيًا إلى سبِّ عبَّادهم للذات الإلهية.
6) قول الصحابي
عدَّ الحنفية والمالكية قولَ الصحابي مصدرًا من مصادير التشريع، وأنَّه مقدمٌ عندهم على القياس، ودليلهم في ذلك قول الله -تعالى-: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ)، بينما ذهب الشافعية والحنابلة إلى عدم اعتبار قولِ الصحابي حجةً، وبناءً على ذلك فيجوز للمسلمين مخالفةَ أقوالهم، وفيما يأتي بيان تعريف قول الصحابي، مع ذكر مثالٍ عليه: قول الصحابي: يُعرَّف قول الصحابي على أنَّه آراء واجتهادت المسلمين الذي لازموا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حياته وماتوا على الإسلام. مثال على حكم ثابت من قول الصحابي: قول ابن عمر برفع اليد في صلاة الجنازة.
7) شرع من قبلنا
ذهب فقهاء الحنفيّة، والحنابلة، وبعض فقهاء المالكيّة، والشافعيّة إلى أنَّ شرعَ من قبلنا مصدرًا من مصادر التشريع، مستدلين بقوله -تعالى-: (أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۖ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ)، وفيما يأتي بيان المقصود بشرع من قبلنا الذي عدَّه البعض مصدرًا من مصادر التشريع، كما سيتمُّ ذكر مثالٍ على حكمٍ شرعيٍّ ثبت بشرع من قبلنا عند القائلين فيه: تعريفه: هو الحكمُ الشرعيِّ الذي قصَّه القرآن الكريم أو السنة النبوية المطهرة من شريعة الأنبياء السابقين، ولم يقم دليلٌ من القرآنِ الكريم أو السنة على إقراره أو إلغائه. مثال على حكم ثبت عن شرع من قبلنا: رجم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لليهودي بعد رجوعه إلى التوراة. لم تقتصر مصادر التشريع على المصادر الأربعة المتفق عليها بين الفقهاء، بل هناك أيضًا سبعُ مصادرٍ أخرى تبيانت آراء الأئمة الأربعة في اعتبارها وحجيتها، وهي الاستحسان، والمصالح المرسلة، والاستصحاب، والعرف، وشرع من قبلنا، وسدُّ الذرائع وقول الصحابي.