قال الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف ومفتي الجمهورية السابق، إن النبي ﷺ كان يُكثر الموعظة والوصية عسى أن ترق القلوب، وعسى أن تستقيم الأعمال، وأن يستجيب الناس لله رب العالمين.
كيف تستطيع أن تُقلع عن معصيتك؟
وتابع علي جمعة من خلال صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيس بوك:"ومما ترك لنا من وصية "إصلاح ذات البين"، والنبي ﷺ عظَّم إصلاح ذات البين، والصلح بين الناس، وإزالة الخصام، والنزاع، والصدام تنفيذًا لأمر الله سبحانه وتعالى {إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}؛ فالوفاق والصلح رحمة ؛ رحمةٌ في الدنيا ورحمةٌ في الآخرة، والفساد بين الناس، والإفساد بين الناس أعظم من الكبائر التي نهى عنها رسول الله ﷺ، وطلب الود، والصفاء بين الناس هو الذي يجعلك في نظر الله، وفي رحمته، وفي رضاه، يستجيب الله لك، ويؤيدك، وينصرك، ويُزيل الكآبة من نفسك، ويشرح صدرك، ويُنوِّر قلبك، ويغفر ذنبك، ويستر عيبك، أما إذا رضيت بالفساد بين الناس بينك وبين أخيك خرجت من نظر الله، وعُلِّقت إلى أن تعود، وأن تتوب، وأن تصلح ما بينك وبين أخيك.
وأوضح: هذه هى وصية رسول الله ﷺ لنا فإذا نحن أطعنا فقد أطعنا لأنفسنا، وإذا نحن أبينا فقد أبينا عليها لا يضر الله شيئًا؛ فالله سبحانه وتعالى هو الغني عني، وعنك، وعن العالمين؛ فهو رب العالمين، لافتاً إلى أن النبي ﷺ نهانا عن الهجر فقال: «لا يهجر أحدكم أخاه فوق ثلاث ليالي فيلتقيان فيُعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام».
وفي الحديث «فمن بدأ بالسلام فقد خرج عن العهدة فلو استجاب له أخوه فمعه، وإذا لم يستجب له أخوه فليس بهاجر» يعني الذي بدأ بالسلام فلم يستجب له أخوه ليس بهاجر، وأصبح الهجر منحصرًا في ذلك الذي أبى، النبي ﷺ فيما أخرجه مسلم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله ﷺ «تُفتَّح أبواب الجنة يوم الاثنين والخميس فيُغفر لكل من لم يشرك بالله شيئا» -من رحمة الله، من واسع مغفرته فهو الواسع سبحانه وتعالى، وهو الرحمن الرحيم- «إلا رجلٌ بينه وبين أخيه شحناء» -مشاكسة خصام صدام- «فيُقال» -أي ينادى في الملأ الأعلى، وتنادي الملائكة التي وكلها الله لتنظيم هذه الأعمال من فتح أبواب الجنان، من الغفران، من السجلات التي تكتب لمن لم يشرك بالله شيئا- «فيُقال أنظرا هذين حتى يصطلحا، أنظرا هذين حتى يصطلحا، أنظرا هذين حتى يصطلحا» وكأن المنادي يؤكد فيُعيد ثلاث مرات، ويكررها كما ورد في الحديث، والإنظار الإرجاء، التأجيل، التعليق علِّقوا هذين فلا يُحكم لهما بجنة حتى يُغيرا من حالهما، وحتى يصطلحا.
وأشار علي جمعة إلى أنه جاء عن ابن عمر فيما أخرجه الطبراني والبزار عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله ﷺ «أفضل الصدقة إصلاح ذات البين» فلو أصلحت بين اثنين كُتب لك من الصدقة ما الله به عليم، كيف ذلك؟ أخرج أبو الشيخ الأصبهاني عن أنسٍ رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «من أصلح بين اثنين أصلح الله شأنه» انظر الفضل، وانظر أبواب الرحمة، وانظر الوصايا التي تركها لنا رسول الله ﷺ، وكيف أنه يرسم لك البرنامج الذي تسأل عنه، يا رب أريد أن أكون مرتاح البال، وأكون سعيدًا، ومستجاب الدعاء كيف هذا؟.
«من أصلح بين اثنين أصلح الله شأنه» كلنا يريد أن يُصلح الله شأنه {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ}، ما عليك إلا أن تبدأ، أصلح بين الناس؛ فإن الدال على الخير كفاعله، «وأعطاه الله بكل كلمةٍ تكلمها عتق رقبة»، ما هذا الفضل العظيم؟ هناك يقول أفضل الصدقة الإصلاح بين الناس إصلاح ذات البين، ما قيمة هذه الصدقة يا رسول الله ؟ كل كلمة ستتكلم بها في الإصلاح بين الناس، وإصلاح ذات البين سيُعطيك الله بكل كلمة وكأنك قد عتقت رقبة، ليس هناك رق الآن، والرقبة ذهبت والحمد لله رب العالمين، وتحرر الناس، ولكن ما زال باب ثواب عتق الرقبة مفتوح أمامك أصلح بين الناس، أوليس هذا أجرٌ عظيم لا يتناسب مع المجهود الذي أبذله؟ نعم؛ فإنك تتعامل مع كريم، واسع، غفور، رحيم، ملك السماوات والأرض، ملك يوم الدين ومالكه، وثالثًا «ورجع وقد غَفر ما تقدم من ذنبه» صفحة جديدة كل ما تقدم من ذنبك غُفر، ابدأ صفحة جديدة مع الله.
وأردف قائلاً:"أيها العاصي الذي لا تستطيع أن تُقلع عن معصيتك أصلح بين الناس، وابدأ صفحةً جديدةً مع الله ، أيها العاصي الذي تشكو نفسك لنفسك وللناس وتقول غلبتني شهوتي، وغلبتني نفسي، ولا أستطيع أن أتوب، ولا أعرف ماذا أفعل فيها أصلح بين الناس، هكذا قد غُفر ما تقدم من ذنبك، وأنت قد تحررت منه، ابدأ حياةً جديدةً مع الله، وجدد عهدك بالله، وكن مع الصادقين ستجد نفسك قد تغيرت، وبعد أن كانت تعاكسك تؤازرك، وعندما تريد طاعة تساعدك، وعندما تريد معصية تنأى بك، وتنهاك، وتتعجب ما الذي حدث يا نفسي؟ حدث عهدٌ جديدٌ مع الله ، حدث أن غفر الله ما تقدم من ذنبك كما أخبرك سيدك رسول الله ﷺ".
وشدد على أن إفساد ذات البين كبيرة فعن أبي الدرداء فيما أخرجه الترمذي قال: قال رسول الله ﷺ: «أولا أخبركم عن عملٍ هو أفضل من الصلاة والصيام والصدقة» -نحن جميعًا نعرف فضل الصلاة، وأنها عماد الدين، وفضل الصيام، وفضل الصدقة - قالوا: بلى يا رسول الله ، قال: «إصلاح ذات البين؛ فإن إفساد ذات البين الحالقة لا أقول تحلق الشعر، بل تحلق الدين» فإذا تبين لنا هذا، وعرفنا مقام الإصلاح بين الاثنين سواءٌ مني بألا أهجر أخي، أو سواءٌ أن أدخل فأُصلح بين الاثنين ،علمت ما جُرم من أفسد بين الاثنين .
واختتم قائلاً:"بعد ذلك يشرح لنا رسول الله ﷺ فيما رواه الطبراني عن شيبة الحِجي عن عمه رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «ثلاثٌ يُصفِّين لك ود أخيك» اصطلحنا فبعد الصلح نحتاج إلى صفاء؛ فماذا نفعل؟ لابد أنه برنامجٌ شديد الصعوبة، أبدًا برنامج خفيف، لطيف، سهل على كل أحدٍ في الأمة، وعجيب غريب فبركة رسول الله ﷺ تحيط به «ثلاثٌ يُصفِّين لك ود أخيك أن تدعوه بأحب أسمائه» -سهلة فلو كان له اسمان اسمٌ يكرهه واسمٌ يحبه، لا تدعوه أبدًا باسمه الذي يكره، ادعه باسمه الذي يحب- ، «وإذا لقيته فسلم عليه» -عندما تلقاه لا تلقاه وكأنه كان معك، بل قل له السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، ولكن أكثر الناس لا يفعلون هذا «أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وقوموا بالليل، والناس نيام تدخلون جنة ربكم بسلام» - ، «وأن تُوسِّع له في المجلس» -عندما يأتي فسّح له حتى يجلس بجوارك، أو قم من مقامك حتى يجلس مكانك، وكأنك تؤثره به-؛ فالسلام، والتوسعة، والنداء بأحب أسمائه يُقربك من قلبه، ويصفو وده، بهذه السهولة وببركة رسول الله ﷺ ، وبركة طاعتك له، فأشيعوا هذه الثقافة ؛ثقافة الود والحب بين المسلمين.