الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

في يوم إفريقيا.. كيف كانت مصر الشرارة التي أشعلت ثورة الاستقلال للقارة؟

الثورة في إفريقيا
الثورة في إفريقيا ضد الاستعمار

منذ عقود والدولة المصرية تساند أشقاءها الأفارقة في أخذ حقوقهم ورد ممتلكاتهم التي أخذها منهم الاستعمار ودعمهم للاستقلال ووحدة أراضيهم بعيدا عن الوصاية الأجنبية، حيث عملت مصر في أيام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر خاصة بعد ثورة 23 يوليو التي كانت الشرارة التي قضت على الاستعمار الإنجليزي في القارة، على دعم الدول الإفريقية في الاستقلال عن الاحتلال والاستعمار ومساندتها سياسيا وعسكريا.

دعم مصر في استقلال الدول الإفريقية

ولعبت مصر في تلك الفترة دورا محوريا في كافة ملفات القارة، وكان لها السبق في مواجهة الاستعمار التقليدي الذي جاء بعد ذلك على رأس أجندة منظمة الوحدة والتي أنشأت له "لجنة التنسيق لتحرير إفريقيا"، واستأنفت مصر دورها في دعم حركات التحرير عبر ذلك الإطار التنظيمي الإفريقي الجديد. 

وكان لمصر قبل ذلك السبق في دعم حركات التحرير في إفريقيا قبل إنشاء المنظمة، وذلك لرؤية الرئيس جمال عبدالناصر وقتها أن الأمن القومي المصري مرتبط بأمن واستقلال باقي دول القارة السمراء.

وأعطت ثورة يوليو إشارة بداية صناعة دور إقليمي لمصر عربيًا وإفريقيًا استمرت آثاره الإيجابية، وتكثفت ﺟﻬﻮﺩ ﻣﺼﺮ ﻟﺤﺼﻮﻝ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻥ ﻋﻠﻰ ﺍﺳﺘﻘﻼله ﺑﻌﺪ ﻗﻴﺎﻡ ﺛﻮﺭﺓ ﻳﻮﻟﻴﻮ 1952، ﻭﻭﻗﻔﺖ ﻣﺼﺮ ﺑﺈﺻﺮﺍﺭ ﺃﻣﺎﻡ ﻣﻨﺎﻭﺭﺍﺕ ﺑﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺎ ﻟﺘﺴﻮﻳﻒ ﺣﻞ ﻣﺸﻜﻠﺔ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻥ، ﻣﻤﺎ ﻋﺠﻞ ﺍﻟﺘﻮﺻﻞ ﺇﻟﻰ ﺍﺗﻔﺎﻕ ﻓﺒﺮﺍﻳﺮ 1953 ﺑﻴﻦ ﻣﺼﺮ ﻭﺑﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺎ ﻭﻫﻮ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻟﻠﺴﻮﺩﺍﻥ ﺍﻟﺤﻖ ﻓﻰ ﺗﻘﺮﻳﺮ ﻣﺼﻴﺮه. 

وأصبحت بذلك ﺟﻤﻬﻮﺭﻳﺔ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻥ ﺍﻟﺪﻳﻤﻘﺮﺍﻃﻴﺔ ﺃﻭﻝ ﺩﻭﻟﺔ إﻓﺮﻳﻘﻴﺔ ﺗﺤﺼﻞ ﻋﻠﻰ ﺍﺳﺘﻘﻼﻟﻬﺎ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻟﺠﻬﻮﺩ ﻣﺼر، ﻓﻰ ﻳﻨﺎﻳﺮ ﺳﻨﺔ 1956، ﻭﻛﺎﻧﺖ ﺃﻭﻝ ﺩﻭﻟﺔ ﺗﻌﺘﺮﻑ ﺑﻬﺎ ﻫﻰ ﻣﺼﺮ، ﻛﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺃﻭﻝ ﺳﻔﻴﺮ ﻳﻘﺪﻡ ﺃﻭﺭﺍﻕ ﺍﻋﺘﻤﺎﺩﻩ ﻟﺪﻯ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻥ ﻫﻮ ﺳﻔﻴﺮ ﻣﺼﺮ.

دور ثورة 23 يوليو في استقلال إفريقيا

كما لعبت ثورة 23 يوليو دورا هاما في دعم حركات التحرر الإفريقي حيث كان عدد الدول المحررة قبل قيام الثورة أربع دول، وبفضلها تحررت ثلاثون دولة في عام 1963، وكانت نواة لمنظمة الوحدة الافريقية التي اتخذت من أديس أبابا مقراً لها، وأقامت الثورة علاقات وثيقة مع الدول الإفريقية المستقلة مثل غينيا وغانا ومالي، وقامت بتكوين كتلة الدار البيضاء في إطار دعم لومومبا في الكونغو، التي كانت الدول الاستعمارية قد قررت عدم السماح باستقلالها بسبب ثرواتها الضخمة من الماس.

وبدأت فكرة انطلاق فكرة التحرير الإفريقية من القاهرة في منتصف الخمسينيات، حيث وقفت ثورة يوليو بكل قوة مع ثورة الماوماو في كينيا، وساندت ودعمت بكل قوة زعيمها جومو كينياتا، ثم دعمت الكونغو حين أرسلت قوات مصرية إليها لحفظ الاستقرار، إضافة إلى موقفها المعادي والمناهض للنظام العنصري في جنوب إفريقيا، كما كان لمصر دور أساسي في دعم المؤتمر الوطني الإفريقي بزعامة نيلسون مانديلا، الذي كان يشيد بدور مصر وجمال عبدالناصر في تحرير جنوب إفريقيا من نظام الفصل العنصري .

دعم مصر في تأسيس كيان إفريقي موحد

كما شاركت مصر عام 1962 في تأسيس وتمويــــل "لجنة التنسيق لتحرير إفريقيا" والتي أنشئت بقرار من مؤتمر القمة الإفريقي الذى انعقد في أديس ابابا في مايو 1969، وأسهمت مصر عن طريق هذه اللجنة في تقديم المساعدات المادية والعسكرية لحركات التحرير الإفريقية، وقامت بفتح مراكز للتدريب العسكري فيها لكوادر هذه الحركات، خاصة حركات التحرير بأنجولا، وموزمبيق، وروديسيا (زيمبابوي) وجنوب إفريقيا.

وأتاحت مصر الفرصة لحركات التحرر الإفريقية لاتخاذ القاهرة مقراً سياسياً وإعلامياً لها ، حيث استضافت مصر قيادات وزعماء هذه الحركات وفتحت لهم مكاتب في (الرابطة الإفريقية) التي أنشئت عام 1955، ثم تحولت إلى الجمعية الإفريقية عام 1972، و بلغ عدد هذه المكاتب 19 مكتباً لحركات التحرير في بلدان شرق وغرب وجنوب القارة وتم إغلاق هذه المكاتب بعد تمام أدائها لمهامها وحصول شعوبها على الحرية والاستقلال. 

كما أنشأت مصر إذاعات موجهة لبلدان القارة الإفريقية ، لمساعدة شعوبها وحركات تحريرها ، باللغات الإفريقية المحلية السائدة فيها، وبلغ عدد اللغات الإفريقية المحلية التي يتم بث الإذاعات المصرية الموجهة بها 33 لغة.

تأسيس منظمة الوحدة الإفريقية

وتعتبر مصر من أبرز الدول المؤسسة لمنظمة الوحدة الإفريقية التي أنشئت عام 1963 وقد تحملت مصر مسئوليتها الإفريقية منذ المرحلة الأولى التي ولدت فيها المنظمة ، حيث تولت رئاستها- بقيادة الرئيس جمال عبد الناصر- خلال الدورة الأولى للقمة الإفريقية التي انعقدت بالقاهرة عام 1964، وكان لمصر دورها البارز في تبنى الدول الإفريقية لقضية فلسطين والشرق الأوسط وسجل التاريخ أن مصر أدخلت هذه القضية في إفريقيا وربطت القارة بها، وقبل عام 1960 كان عدد الدول الإفريقية الأعضاء في الأمم المتحدة دولتين هما ليبيريا وأثيوبيا أما بعد عام 1960 فقد أخذ عدد الدول يتزايد بالمنظمة الدولية حتى وصل في أوائل السبعينيات إلى 35 دولة، وكان لهذه الدول دور في تأييد الموقف المصري وقضية فلسطين في دورات الجمعية العامة للأمم المتحدة .

ونجحت مصر في الحصول على موافقة (منظمة الوحدة الإفريقية) على منح (منظمة التحرير الفلسطينية) ، صفة المراقب شأنها شأن حركات التحرير الإفريقية، كما نجحت في إدراج قضية فلسطين، والشرق الأوسط على جدول أعمال اجتماعات مجلس الوزراء الإفريقي في بندين دائمين وذلك بعد حرب عام 1967 على وجه الخصوص.

التقارب المصري الإفريقي

وفي هذا الصدد، قال الدكتور محمد عبد الكريم، الباحث السياسي والمتخصص في الشأن الإفريقي، إن مصر نجحت في السنوات الأخيرة بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، خاصة منذ مطلع العام 2019 وتولي مصر رئاسة الاتحاد الأفريقي، في تبني سياسات إفريقية أكثر واقعية وتفهمًا لحاجات الدول الأفريقية والمضي قدما نحو تعاون وتفاهم أكبر وعلاقات وثيقة تلبي حاجاتها بشكل عملي وليس الاعتماد على مواقف رسمية دون إتباعها بدعم وتعزيز عملي لها في شكل تعاون اقتصادي وأمني وعسكري واستخباراتي وسياسي. 

وتابع عبد الكريم في تصريحات لـ "صدى البلد"، تتضح هذه التغيرات الملموسة في توسع مصر في سياسة إقامة المشروعات التنموية المشتركة مع دول أفريقية، لاسيما في حوض النيل، مثل تنزانيا وجنوب السودان واوغندا وجيبوتي والكونغو وعدد من دول الساحل الأفريقي، كما بذلت مصر جهودًا كبيرة في الإصلاح المؤسساتي داخل "الاتحاد الأفريقي" لاسيما في ملف آلية مراجعة النظراء.

وأكمل: "كما عملت مصر أيضا على ملف تمتين علاقات الاتحاد الإفريقي بالقوى الدولية البارزة التي تعمد لعقد قمم مع دول القارة الأفريقية مجتمعة مثل اليابان والصين وروسيا والبرازيل، وعملت أيضا بقوة، قبل استفحال تداعيات جائحة كوفيد-19، على استكمال تفعيل منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية"، لافتا إلى أن مصر تمثل إحدى الدول الأفريقية القليلة، إلى جانب جنوب أفريقيا تحديدا التي تملك اقتصادًا معقدًا نسبيًا وقائما على تنوع قطاعي ملموس وليس اقتصادًا ريعيًا، على دفع المنطقة اقتصاديا ويعزز فرص الاندماج الاقتصادي البيني بين دول القارة الأفريقية.

الدعم المصري لتحقيق الأمن والاستقرار

وأشار عبد الكريم إلى أن الجهود المصرية لا تقتصر على المساهمة في تحقيق الأمن والاستقرار في عدد من نقاط الاضطراب بالقارة، مثل مالي وليبيا والصومال وجنوب السودان، بل تتعداها إلى تحقيق الأمن القاري بشكل شامل عبر مبادرة إسكات البنادق، وتقديم تدريبات موسعة لقوات مكافحة الإرهاب، وتوظيف القوى الناعمة والتعزيز الفعلي لشعار "حلول إفريقية للمشكلات الإفريقية" وتبني دبلوماسية هادئة إزاء مشكلات كثيرة تضرب القارة وتهدد أحيانًا مصالح الدولة المصرية، أملًا في التوصل لحلول وفق هذا الشعار وتفادي أية تصعيدات في الأزمات الأفريقية - الأفريقية. 

واختتم: "كما توظف مصر ما يمكن تسميتها بدبلوماسية شعبية عبر تمتين التعاون مع جماعات الشباب الأفريقي عبر أنشطة متنوعة تستضيفها مصر في جهود تذكر بحال القاهرة في خمسينيات القرن الماضي حينما كانت قبلة لشباب حركات التحرر الأفريقي".