الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

قوة التجاهل

يارا زكريا
يارا زكريا

في معظم أيام حياتك تواجه تأثيرات متنوعة للمشاعر بين سعادة وحزن وضيق وفرج وغيرها، لذا تحتاج إلى بناء جسر من «الطاقة الإيجابية» من نفسك أولاً ثم الآخرين كي تستطيع أن تكمل حياتك بشكل متوازن بعيداً عن سيطرة أي «طاقة سلبية» تعود بك إلى الخلف، هذه الطاقة السلبية تستدعي «قوة تجاهل» لكل ما يؤذيك نفسيا ومن ثم يؤثر عليك جسدياً فيعيق تفكيرك بما لا يُفيد ويهدم.

يجنبك التجاهل للمواقف السلبية بقدر كبير الكثير من مشكلات الحياة أو تداعيات لا تسمن ولا تغني من جوع بل قد تعكر صفو يومك، خاصة إذا كان سبب أو أسباب هذه «الطاقة الهدامة» يتعلق بالأقدار التي تستلزم الرضا والتسليم والتعامل بواقعية، وكذلك حزنك من إهمال وعدم تقدير كافٍ كنت تنتظره من آخرين حتى في «أتفه الأمور» كعدم وضع “لايك” أو “شير” عبر وسائل التواصل (هذا الأمر يضايق بعض الأشخاص المهتمين جداً بالسوشيال ميديا، والذين قد يصل بهم الأمر إلى تهديد بحظر من لا يتفاعل مع منشوراتهم، علما أنه ليس بالضروي أن يكون قد رآها الجميع، فالصفحة الرئيسية في التطبيق التفاعلي لا تظهر جميع الأصدقاء».

ويحافظ التجاهل المستحق لبعض السلبيات، خاصة من الغرباء، على علاقتك بالجميع؛ لأنه يبني بينك وبينهم جسراً من اللطف في التعاملات، فتشعر أنك تسير بـ «نهج الإحسان» حتى النهاية قدر استطاعتك، فلا يوجد عزيزي وعزيزي القارئة كمال إلا للخالق وحده - عزوجل- لذا ضع نصب عينيك أنك إذا أحسنت للغير وأحسن لك أيضاً، لنا الجزاء عند الكريم - سبحانه- وإن أساء فتفوق عليه في الإحسان، والله لن يضيع لك جزاءً حسناً في ذلك، اقتناعاً بأنه لا تصرف «حسن» بدون فائدة دنيوية وأخروية.

الأحزان تحتاج إلى تجاهل وصبر، وإلا ما الفائدة إن فعلت العكس، حتى وإن كانت محاولاتك المستمرة إقناع عقلك الباطن بأن الأمور ستسير على ما يرام، وهنا أتذكر موقفا لا أنساه وكلما مر في ذهني أثر في طريقة تعاملي مع الأحزان والمنغصات، فلا يدوم الشعور بها، وهو خاص بشخصية شهيرة في مجال عملها تتمتع بقدر كبير من الثقافة والجمال، حيث جلست ذات يوم أثناء تأديتها عملها مع عدد من الأشخاص الذين لم يكونوا على معرفة بكواليس حياتها، ليفاجأوا بمدى الألم الكبير الذي أصابها عندما فقدت زوجها وابنها البكري في حادث أليم واحد، ورغم ذلك رضيت بقضاء الله وتجاهلت حزنها ما استطاعت بكل المحاولات، حيث كانت الضحكات والاهتمام الكبير بالذات لا يفارقانها.

التجاهل للمنغصات ليس أحد أساليب الأشخاص العاديين في التعامل، وإنما هو نهج لكبار المفكرين والفلاسفة، أمثال الدكتور مصطفى محمود - رحمه الله-، والذي أجاد تجاهل كل الشائعات التي طاردته منذ صغره، فرغم أنها كانت تسبب له مشاعر حزن، إلا أنها كانت في ذات الوقت دفعة قوية له للأمام وفقط، وكانت من أبرز الشائعات التي تجاهلها الفيلسوف الكبير كما ذكر في مذكراته أنه «مصاب بمرض عقلي نقل على أثره لمستشفى الأمراض النفسية، وأنه بدل ديانته للمسيحية بعدما رأى مناما فيه ابنته مريضة»، لكن كانت من أغرب الشائعات والتي صدمت الطبيب والكاتب الشهير أن دكتورة وكاتبة صديقة له ذكرت في كتاب عن شخصيته حمل عنوان: “مصطفى محمود سؤال الوجود”، أنه على علاقة بالجن ويستعين بهم في حل مشاكل أصدقائه، وأنه أصبح صديقه ويحقق له المعجزات، مما دفعه للتواصل معها لتبرير ما قيل، لكنها أنكرت قصدها لما نشر حيث حرف مفهومها.

في الختام: «اهتم بالمسرات وتجاهل المنغصات طالما لا فائدة من الاهتمام بشأنها، فلا شيء يدوم في هذا العالم، ولا حتى متاعبنا، كما أن ترك مسافة في العلاقات الإنسانية مثل حفظ مسافة بين العربات أثناء السير، فهي الوقاية الضرورية من الصدامات المُهلكة، ولا يدوم سوى الطيب، كما لا تنسَ أن من قوانين علم النفس أن التجاهل يعيد كل شخص إلى حجمه الطبيعي مهما كان، ويقيك من الطاقة السلبية الهدامة، ويحفظ لك صحتك النفسية ومن ثم الجسدية».