يعيش المجتمع الدولي حالة من عدم الاستقرار لم يشهدها منذ الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الاتحاد السوفيتي، حيث تتعدد المشاكل السياسية بين الدول حتى وصلت إلى الحرب بالأسلحة والذخيرة هذا بالإضافة إلى التهديدات والتوترات التي تشوب العلاقات الدولية بين الدول وارتفاع احتمالية التدخلات العسكرية.
آخر هذه الأزمات هي الأزمة الروسية الأوكرانية التي تأخذ شكل الحرب التقليدية بين دولتين متناحرتين، ولكن هناك أزمة أخرى يقف العالم أمامها بقلق مشاهدا ما سيحدث وهي الأزمة الأمريكية الصينية، حيث تصاعدت حدة الخلافات بين الدولتين إلى ذروتها خلال السنوات الأخيرة وخاصة مع تفاقم الأزمة التايوانية الصينية وإرادة تايوان الاستقلال عن الصين بمساعدة وتشجيع أمريكي أمام الصين فترفض التخلي عن الجزيرة وتهدد باقتحامها عسكريا.
بايدن يحذر بالحل العسكري
وفي تطور كبير في الأزمة الصينية الأمريكية،حذر الرئيس الأمريكي، جو بايدن، من أن الصين "تلعب بالنار" في مسألة تايوان، وتعهد بالتدخل عسكريا لحماية الجزيرة إذا تعرضت لهجوم.
اعتبرت صحيفة ديبلومات الدولية، أن بايدن كشف الأمور فيما يسمى بــ "الغموض الاستراتيجي" حول تايوان، وقوله إنه سيتدخل لصالح الدفاع عن الدولة الجزيرة في حال غزوها من قبل الصين، مؤكدًا على أن هذا التزام أمريكي قاطع.
وقالت سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة ، ليندا توماس جرينفيلد ، في تصريحات صحفية، "فيما يتعلق بتايوان والصين، نحن ملتزمون بحماية أمن ودعم أمن شعب تايوان، وتبذل الصين جهودًا تجاه تايوان بسبب ما تراه يحدث في أوكرانيا ، لكن للتنبيه هذان نوعان مختلفان من المواقف بالنسبة لأمريكا".
ذكرت أن الدعوات المتكررة لإدارة بايدن لـوقف أي إمكانية لحدوث "حرب عالمية ثالثة" محتملة، هو لتفادي أي نوايا صينية من ناحية تايوان، مشيرة إلى الولايات المتحدة لم تتخل عن الدفاع عن أوكرانيا ودعمها عسكريًا دون التورط مباشرة بجنودها، لكن هذا قد لا ينطلي على الحالة في آسيا.
الصين ترد على الرئيس الأمريكي
وعلى الجهة الأخرى، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، وانغ وين بين، ردا على تصريحات الرئيس الأمريكي، إنه يتعين على الولايات المتحدة عدم الدفاع عن استقلال تايوان.
وأضاف أنه لا مجال للتهاون أو تقديم تنازلات في أمور تتعلق بسيادة الصين ووحدة أراضيها.
وشدد على أن بكين مستعدة للدفاع عن مصالحها الوطنية فيما يتعلق بتايوان، ولا ينبغي لأحد أن يسيء تقدير عزيمة الشعب الصيني الحازمة وإرادته القوية في الدفاع عن السيادة الوطنية وسلامة أراضي الصين.
ومن جانب آخر، دخلت روسيا على خط المواجهة الكلامية بين الولايات المتحدة والصين، حيث قالت عضو مجلس الاتحاد الروسي، أولجا كوفيتيدي، إن تصريح الرئيس الأمريكي جو بايدن بأنه مستعد للدفاع عن تايوان في حالة الغزو بالوسائل العسكرية يمكن أن يسبب الكثير من المتاعب للأمريكيين أنفسهم، لأن الصين لن تغفر مثل هذا التصعيد.
وتابعت كوفيتيدي: "يجب أن تكون الولايات المتحدة أكثر حرصًا في تصريحاتها، فهذا لا ينطبق فقط على الأزمة العسكرية الأوكرانية، ولكن أيضًا على قضية تايوان".
استبعاد التدخل العسكري
وفي هذا الإطار، استبعد رامي إبراهيم، الباحث في الشؤون الدولية، نشوب أي صدام عسكري بين الولايات المتحدة الأمريكية وجمهورية الصين الشعبية، بشأن أزمة تايوان في المستقبل القريب، مؤكدا أن تصريحات الرئيس الأمريكي جو بايدن، بأن بلاده ستدافع عسكريا في حال أقدمت الصين على غزو تايوان هي محاولة لكسب الوقت وتهديد مبطن لبكين من أجل تغيير موقفها من الحرب الروسية الأوكرانية.
وأكد إبراهيم في تصريحات لـ "صدى البلد"، أن الولايات المتحدة الأمريكية لن تدخل في حرب عسكرية مع الصين خاصة قبل انتهاء الحرب الروسية الأوكرانية، أو التأكد تماما من أنها استطاعت إنهاك روسيا واستنزافها اقتصاديا وعسكريا، حتى لا تعطي فرصة لتشكيل تحالف عسكري بين موسكو وبكين، ويدخل العالم في حرب عالمية ثالثة بين دول عظمى وكبرى تملك أسلحة الدمار الشامل.
وأوضح أن السياسة الأمريكية تدرك أهمية تايوان الاستراتيجية كخنجر في خاصرة الصين يمكن طعنها به إذا تجاوز الخطوط الحمراء التي ترسمها واشنطن، كما أن السياسة الأمريكية تتسم بالغموض فيما يتعلق بأزمة تايوان.
الطبيعة الخاصة لتايوان
وأشار إبراهيم إلى أن تايوان لها طبيعة خاصة منذ اعتراف الولايات المتحدة والكثير من دول العالم بجمهورية الصين الشعبية كيانًا واحدًا وشرعيًا، وهذا الاعتراف ترتب عليه خروج تايوان من الأمم المتحدة، وهى أحد الأعضاء المؤسسين وضمن الخمسة الدائمين، لكن سُحب مقعدها لصالح بكين، وأصبحت جزءا من الأراضي الصينية.
وأوضح الباحث في الشؤون الدولية، أن الصين كانت لديها ٣ جزر خارج سيطرتها وسيادتها، وهي "هونج كونج" التي كانت تحت الاستعمار البريطاني، و"ماكاو" التي كانت تحتلها البرتغال، واستطاعت استعادتهما وتبقى الجزيرة الثالثة وهي "تايوان" التي يسيطر عليها القوميون والتي تعد كابوسا استراتيجيا للصين.
وتابع: "الصين استمرت لفترة كبيرة تتحدث مع الحكم في تايوان بلغة القوة وتنفيذ هجمات متفرقة على الجزر الصغيرة المحيطة بتايوان، ثم عملت على فتح قنوات اتصال والدخول في مفاوضات أدت إلى اتفاق تهدئة أو تسوية بين الطرفين، ومع تولي تساي إينغ ون الرئاسة في تايوان توقعت بكين أن تجازف تايوان بإعلان استقلالها رسميًا، فكثّفت عملياتها العسكرية جوًا وبحرًا حول الجزيرة".
مخاوف الصين وصعوبة المهمة
ولفت إلى أنه مع دعم الولايات المتحدة لتايوان خشيت الصين أن يتم استدعاء الجيش الأمريكي لحمايتها ما يمنح واشنطن الفرصة لاختراق الصين التي تعمل على فرض سيطرتها الاقتصادية على العالم واستمرار معادلات النمو التي تحققها في التجارة العالمية.
وأكد إبراهيم أن عملية الغزو الصيني لتايون قد تكون صعبة للغاية في ظل الموانع المائية وعدم حدود برية ما يعني نقل الجنود الصينيين في سفن ما يجعل الجنود هدفا سهلا لتايوان، كما أن الطيران وحده لا يستطيع حسم المعركة، هذا إلى جانب حجم الأسلحة الضخم التي ترسلها أمريكا لتايوان، بالإضافة إلى أنها قد تقدم دعما عسكريا مباشرة إذا تطلب الأمر، وهي لديها قواعد عسكرية بالمنطقة تمكنها من توجيه ضربات جوية وصاروخية للقوات الصينية وهو ما تخشاه بكين التي لا تريد الدخول في أي حروب أو أعمال عسكرية قبل أن تمتلك الأدوات التي تمكنها من مجابهة أمريكا.