الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

معايير الكسب الحلال.. كيف تنظر الشريعة الإسلامية لظاهرة المستريح وتوظيف الأموال؟

ظاهرة المستريح
ظاهرة المستريح

تنامت في الآونة الأخيرة ظاهرة المستريح وكثرت ضحاياها، ولعل آخرها ما شهدته محافظة أسوان بصعيد مصر. 

ورغم عدم معقولية ما يروج له المستريح واستحالته من الناحية الاقتصادية، وقع العديد من المواطنين في فخ النصب والاحتيال، ومن المنظور القانوني فإن كثيرا ممن أوهموا بالثراء السريع ومضاعفة الأرباح قد لا يجدوا في أغلب الحالات بصيص أملٍ في عودة أموالهم بالقريب العاجل، إلا أنه من الناحية الشرعية كشف علماء وفقهاء المؤسسة الدينية الإسلامية الحكم الشرعي لظاهرة المستريح وحكم من يودع أمواله بها رغبة في الثراء.

وأجمع العلماء على عدم معقولية ما ينادي به المستريح من الناحية العملية والعلمية، لذا فإن من وقعوا في حبالهم لا عذر لهم من الناحية الشرعية وسيُسألون أمام المولى تبارك وتعالى عن أموالهم من أين اكتسبت وفيما أنفقت، كما أن التأصيل الفقهي والقاعدة الفقهية تؤكد أنه لا عذر لجاهل.

نتاج طمع وكسل 

أرجع الشيخ عبد الحميد الأطرش، رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف، انتشار ظاهرة المستريح إلى عدة عوامل مختلفة، أهمها النتاج الطبيعي لما يحياه الناس من طمع ورغبة في الثراء السريع، وعدم السعي والجد في طلب الرزق وتحري الحلال منه.

وقال الأطرش، في تصريحات خاصة لـ “صدى البلد”: “المستريح عملية نصب واحتيال، لا أساس لها من الصحة، فـ”كلما كان طماعا.. أبشر يا نصاب"، مشيراً إلى أن ما حدث نتيجة الطمع والنصب، وعدم تمكن الوزارع الديني من النفوس، فإن الله سيسأل عن المال من أين اكتسب وفيما أنفق وعلينا أن نتقي الله في الحالتين.

وتابع: “كون الفرد يطمع فهذه نهايته”، لافتا إلى أن التكالب على المستريح يأتي نتيجة الترويج له إعلامياً ومادياً وجهلاً، فليس من المعقول أن تأتي الخمسة بعشرة حتى ولو كان من سيعطى المال تاجراً في أمور غير مشروعة، إلا أن الطمع هو السبب الرئيسي في التفاف الناس حوله وتمكينه من هدفه.

لا يعذر بجهل

وأوضح أنه في محافظة البحيرة، ادعت امرأة أنها تشفي المرضى وحصلت أموالاً طائلة حتى اكتشف أمرها، وهذا هو أسوأ استغلال لظاهرة الجهل المنتشر، محذراً الناس من الوقوع في مثل هذه الأعمال فالدين يحب المسلم الفطن وعندما يكرمك الله بأموال أحسن استثمارها ولا تبحث عن الثراء وتتعجله، فكما أن القانون لا يحمي المغفلين، هناك قاعدة شرعية أن الجاهل لا يعذر بجهل فالجهل ليس عذرا.  

معايير الكسب الحلال

الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، حذر بدوره من ظاهرة توظيف الأموال بشكل عام خارج نطاق المؤسسات الاقتصادية المعتمدة، قائلاً إن الحفاظ على المال أحد المقاصد الخمسة التي اتفق عليها العلماء، وهي أعمدة أساسية دعا الإسلام للحفاظ عليها.

وأوضح المفتي في بيان له، أن الداعين لتوظيف الأموال خارج نطاق المؤسسات الاقتصادية المعتمدة من الدولة، هم من ضعاف النفوس يستغلون البسطاء وغير البسطاء تحت مبررات كثيرة لتنمية المال، لأغراض شخصية وتحت إغراءات كثيرة ليست قائمة على دراسات اقتصادية منضبطة، بخلاف المعاملات المالية الرسمية المختلفة، بدءًا من البنك المركزي إلى أصغر مؤسسة معتمدة تقوم على دراسات اقتصادية دقيقة.

وشدد مفتي الجمهورية على أن معايير الكسب الحلال تغيب عن عمل القائمين على توظيف الأموال بطرق خفية أو ما يُعرف بالمستريَّحين لأنهم يلحقون الضرر بالاقتصاد الرسمي، بالإضافة إلى عدم وجود ضمانات عندهم لأصحاب الأموال، فضلًا عن خداع بعضهم لأصحاب الأموال بالتخفي وراء مظلة أو صبغة إسلامية.

ولفت مفتي الجمهورية إلى أن هناك فرقًا بين الشخصية الاعتبارية كالبنوك والدولة وبين الشخصية الفردية في المعاملات المالية، حيث إن القرض المُحرَّم هو الذي يقوم على التربح والخروج بعقد القرض عن طبيعته، ولهذا صنفه الفقهاء على أنه من عقود الإرفاق، أما البنك فلا؛ لأن عمل البنوك لا يقوم على الاقتراض من الناحية الاستثمارية، وإنما القصد الوكالة عن المودع في استثمار ماله، فالعلاقة ليست علاقة قرض بين البنك والمودع، بل هي علاقة استثمار، فما يأخذه العميل في إطار الربح حلال.

وأكد المفتي أن الذي استقرت عليه الفتوى في دار الإفتاء المصرية، بعد دراسات مستفيضة، أن السحب والإيداع في البنوك هو من باب عقود التمويل المستحدثة لا القروض التي تجر النفع المحرَّم، ولا علاقة لها بالربا.

لا تدليس ولا جهالة

وأضاف مفتي الجمهورية أن عقود التمويل الاستثمارية بين البنوك والهيئات العامة وبين الأفراد والمؤسسات، التي يتقرر التمويل فيها بناءً على دراسات الجدوى للمشروعات والاستثمارات المختلفة، لا تُعد من الربا المحرَّم؛ بل هي عقودٌ جديدةٌ تحقق مصالح أطرافها، لافتا إلى أن «الذي عليه الفتوى أنه يجوز إحداث عقود جديدة مِن غير المسمَّاة في الفقه الموروث، ما دامت خاليةً من الغرر والضرر، محققةً لمصالح أطرافها».

وأشار إلى أن العلماء قصدوا إلى إظهار الرضا الصحيح من العقد، حيث إن العقود الأصل فيها الرضا، لقول الله سبحانه وتعالى: {إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} بمعنى لا تدليس ولا نزاع ولا جهالة ولا غش، وغيرها من الضوابط والمعايير التي رسختها المذهبية الفقهية وهي الموافقة للشرع الشريف.

أسس علاقة الاستثمار والتمويل

وعن الاقتراض من البنوك، أوضح  المفتي جوازه ومشروعيته عند الضرورة، بحيث تعد الحياة شاقة بدونه، وهذه المشروعية أتت من الحاجة الشديدة، مشددًا على عدم نسيان مسئولية أفراد المجتمع تجاه بعضهم البعض.

ونبَّه مفتي الجمهورية على جواز العائد الثابت المحدد سلفًا للمتعاملين في هذا الشأن الاستثماري، وأنه «مشروع لا شيء فيه؛ وهو أوفق لمقاصد الشرع الكلية، وأرفق بمصالح الخلق المرعيَّة، فضلًا عن عدم وجود ما يحرِّمه من النصوص الشرعية».

وأكد أن العلاقة بين البنوك والمتعاملين معها يتم تصويرها على أنها من باب «التمويل»، وإذا كانت تمويلًا فليست الفوائد حرامًا؛ لأنها ليست فوائد قروض، وإنما هي عبارة عن أرباح تمويلية ناتجة عن عقود تحقق مصالح أطرافها، ولا علاقة لها بالربا المحرم الذي وَرَدَت حُرْمته في صريحِ الكتابِ والسُّنة، والذي أجمَعَت الأمةُ على تحريمه، وبناءً على ذلك أردف المفتي قائلًا: “وعليه، فإنه يجوز التعامل مع البنوك، وأخذ فوائدها شرعًا، والإنفاق منها في جميع وجوه النفقة الجائزة من غير حرج”.

الحفاظ على المال

 وتابع مفتي الجمهورية: “والذي استقرت عليه الفتوى بدار الإفتاء المصرية وقرره مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف: أن الإيداع في البنوك ودفاتر التوفير وشهادات الاستثمار ونحوها، هو من باب العقود المستحدثة التي يبرمها أطرافها بقصد الاستثمار، وليست من باب القروض التي تجر النفع المحرم، ولا علاقة لها بالربا، وهي جائزة شرعًا؛ أخذًا بما عليه التحقيق والعمل من جواز استحداث عقود جديدة إذا خلت من الغرر والضرر”.

وعن استشهاد البعض بقول بعض العلماء بحرمة فوائد البنوك منذ سنوات طويلة قال إنه في السنوات الأخيرة اتفق أغلب العلماء، وبعد بحث ودراسة، على أنها لا حرمة فيها، وهذا الاجتهاد المنضبط قد درج عليه العلماء والفقهاء، مثلما أوجب الفقهاء قديمًا الضمان على الصنَّاع أصحاب الحرف، اجتهادًا؛ حماية لأموال الناس، حتى لا يتسلَّط الصنَّاع على أموالهم أو أغراضهم قيد التصنيع عندهم والتي يزعمون ضياعها أو سرقتها أو تلفها، وقد رأى الفقهاء أنهم غير ضامنين، خلافًا لما كان يراه الصحابة والتابعون من أنهم ضامنون، فهذا اجتهاد تطلَّبه تغيُّر الحال وتبدل النيات، حيث إن تغيير الفتوى يكون نتيجة فهم جديد للواقع وليس تحولًا عن الشرع.

وعن ادِّعاء البعض بأن هناك ازدواجية في التفريق بين حكم ما تقوم به البنوك وبين ما يقوم به القائمون على توظيف الأموال من الأفراد، قال مفتي الجمهورية إن البنوك شخصيات اعتبارية تختلف أحكامها عن الشخصية الفردية عند التعرض لقضية الربا وغيرها، مستدلًّا بنظام الوقف الذي تختلف أحكامه عن التعاملات الفردية، كعدم حصول الزكاة في أموال الوقف بعكس الأموال الأخرى المملوكة للأشخاص، وفق الضوابط الشرعية.

وطالب جموع المصريين مشجعًا إياهم على الإقبال على عمليات الادِّخار والاستثمار في البنوك تحت مظلة الدولة لدعم الاقتصاد المصري، ولدعم المشروعات الوطنية النافعة التي تخدم عامة المجتمع وتفيده.

ضريبة الفتاوى السلفية

اتهم الشيخ خالد الجندي، عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، فتاوى السلفيين بالتسبب فى انتشار قضايا النصب على المواطنين، المعروفة إعلاميا باسم المستريح، لافتا إلى أنه وصل الأمر أن قام أحدهم بتزوير بطاقة تموين باسم رئيس الجمهورية.

وقال خالد الجندي، خلال حلقة برنامج "لعلهم يفقهون"، المذاع على فضائية "dmc": “واقعة تزوير بطاقة تموين رئيس الجمهورية من المفروض أن تسجل في موسوعة جينيس” وأكد أنه لم يكن ليصدقها لولا أن الرئيس بنفسه هو من تحدث عنها.

وتابع خالد الجندي: "سمع وزير النقل الفريق كامل الوزير يتحدث أن لديه 600 جرار دون عجل وأن العجل تمت سرقته على مدار سنوات، وهو الآن يطلب من البرلمان الموافقة على استيراد عجل لتشغيل هذه الجرارات".

كما علق على مستريح أسوان الذي كان يعمل سائق توك توك، واستطاع بالنصب على الناس أن يجمع نصف مليار جنيه متسائلًا: "إلى متى يا شعبنا نصدق من ليس منا؟".

وعرض خلال الحلقة فتوى للشيخ مصطفى العدوي يحرم فيها وضع الأموال بالبنوك لما فيها من ربا، وربطها بين واقعة قيام مواطن بوضع أمواله بداخل فرن البوتاجاز، واحتراقها كاملة بعد إشعال زوجته للفرن، مؤكدًا أن ذلك بسبب هذه الفتوى وأن هذا الشيخ تسبب في ضياع أموال الناس.

آثم مجرم

في حين قال الدكتور مبروك عطية، أحد علماء الأزهر الشريف، إن كل من وضع أمواله عند المستريحين آثم مجرم لأنه ضيع ماله.

وأضاف مبروك عطية، خلال برنامج “يحدث في مصر” مع الإعلامي شريف عامر، أن الشيخ محمود شلتوت، شيخ الأزهر الأسبق، قال: "من سعى لتحريم أموال البنوك سعى لتخريب اقتصاد الأمة".

وتابع: “العناية بالمال واجبة وضياعه مكروه عند الله”، منوها إلى أن الحياة مجموعة من الفواتير وآثم من أضاع ماله.