الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الحوار الوطني

نهال علام
نهال علام

لكُلٍ مِنا أخطائه قلت أم عظُمَت، فنحن تلك النفس التى تتأرجح بين البأس واليأس، كُلنا نحمل ذات الهوى التى يتمايل على جناحي الهواء، خلقنا الكريم وهو عالم بأن تلك الروح التى لا يعلم سرها غيره جُبلت على الفجور والتقوى وتلك هي الحكمة، والخلق كلهم من ذوي الخطأ وبعضهم أصحاب خطيئة، والحساب يوم تغلق أبواب السماء، وإلى أن ندرك هذا اليوم فلنتراحم حتى لا تتزاحم علينا الخطايا، ولنظهر قدرًا من الإنسانية حتى تمضي الأيام، فكلنا في النهاية نسياً منسيًا.

نختلف فنتسامح، نُقدِم فنتقهقر، نتشبث فنتراجع، ولِما لا! ألم نتوجّه بالدعاء لرب القلوب أن يثبتنا على حبِه وهو الواحد الذي لا يتغير! فما بالك بحال الدنيا المُتغير، فتلك الحياة لا تقبل الثوابت ولا تعرِف من اليقين إلا حُب الله وبِر الوالدين وما يأتي بعدهما غير ثابت، ونحن أبناء المتغيرات، كُنا صِغاراً فأصبحنا كِباراً، أمسينا ليلاً فأضحينا نهاراً، بالأمس شتاءً واليوم ربيعاً وغداً سنستقبل الصيف ضيفاً راحلاً، فلا بقاء نعرفه ولا دائم نستأنسه.

وتِلك سُنة الحياة، أن لا نتشابه، فلكل منا بصمة أصبعه الفريدة، الغير متكررة على تلك الأرض الأثيرة، ٨ مليار شخص يتشاركون الكوكب دون أن يتشارك اثنان منهما نفس الچينات، فكيف نطلب التطابق في بصمة العقل، فبالاختلاف نتكامل، وبالفوارق الشخصية نتآلف، ولم تكُن الأرض لتُعَمر لو كنا على نفس النهج، عندما جاء الطوفان جمع نبي الله نوح زوجين من كل الكائنات الحية حتى لا تفقد الأرض أهم ما يميزها وهو تنوعها.

فلو لم يكن هناك ائتلاف بعد الاختلاف ما بقى على الأرض أحد، ومن آداب الاختلاف أن لا يؤدي للخلاف، ولكن إساءة التعبير واردة، وهذا لا يعنى أن نمتلك قلوباً جامدة تقدِر ولا تعفي، وأول الطريق هو أن نرى أننا لا مصير لنا إلا ذات الطريق، لذا لن يُضير أن نساعد من ضلّه، وكيف نعرف من تاه حتى عن ظِله إذا لم نحاوره، ونعرف ما يحيره، نستمع إليه فيستمع إلينا، وذلك ما يجعل الجميع رفقاء للطريق.

وهذا ما يُعرف بتبادل الآراء الذي لن نبلغه إلا عن طريق الحوار! وتلك هي المبادرة التي اطلقها الرئيس في حفل إفطار الأسرة المصرية في رمضان وهي الحوار الوطني والذي يُعد أحد أهم المبادرات الرئاسية، لما تحمل من رسالات قوية داخل الوطن وخارجه.

على الصعيد الداخلى بعد أن أصبح الاختلاف دافع للخلاف بدرجاته المختلفة بدءاً من التلاسن وحتى التشاحن والتراشق الذي أصبحنا نشهده في حياتنا اليومية في كافة المناحي سواء في الشارع أو على منصات التواصل الاجتماعي وحتى بين أفراد الأسرة، فثقافة الحوار داخل نسيج المجتمع أصبحت مهترئة وطريقة النقاش لم تعد مجدية وهى أزمة متغيرات ثقافية ليست فقط مصرية ولكن عالمية، لذا وجود منضدة للحوار يجتمع عليها الجميع من كافة الثقافات والأطياف والمرجعيات والأيديولوجيات المختلفة هو بمثابة وحدة ولم شمل لأطياف الوطن ذو مرة أخرى، فنحن أحفاد المصريين القدماء آي أبناء دستور الحياة الذي أصّل مفهوم الأُصول.

فلقد خلقنا الله بأذنين وفم واحد لنستمع أكثر مما نتكلم، نستوعب ما يدور حولنا لنبني عليه رؤية تتسق مع مبادئنا وأفكار غيرنا وتحترم الجميع، وكما هو حال مؤتمر الشباب الذي غير من مفهوم وقيمة مشاركة الشباب الفاعلة في رسم واجهة الوطن في الحاضر وخارطته في المستقبل، سيصبح هذا الحوار هو بمثابة القبلة التى ستؤسس لقيمة الحوار وأهميته.

والجميع استقبل تلك المبادرة بالترحيب وإن حاول البعض الترهيب، بأنها ستعيد إلى المشهد وجوه بائنة وبعضها قد يكون تورط في دماء أبنائنا الخالدة، ولكن هذا محض تفكير لم يستوعب كيف يُفكِر الرئيس، الذي لن يقبل أن يجمعه مكان بيد تلوثت بالدماء، وهذا ما بدا جلياً في الأيام الماضية مع محاولات طيور الظلام من الأخوان بالعودة للمنضدة وهو أمر لم يقبل النقاش من الإرادتين السياسية والشعبية، أما عن تلك الوجوه التى استنكر وجودها البعض، فهي في النهاية تمثل تيارات سياسية ولم تتلوث يداها بدماء أبنائنا النقية، وإن شاب رؤيتها الشوائب فالزمن كان أعظم دليل، وما تحقق على أرض الوطن خير برهان يجعل مراجعتهم لأفكارهم محل اهتمام.

مؤسسة الرئاسة واعية لما يحيط بها، والرئيس يرحب بالجميع طالما كان الوطن قبلته وترابه غايته، وهو ليس ببعيد عما يحدث في الشارع وعلى منصات التواصل الاجتماعي، وربما الأسبوع الماضي أثبت ذلك، فبعض ملاحظات الوطنيين الواعيين دخلت حيز التنفيذ بحزمة قرارات حازمة أصدرها الرئيس وحكومته، وفي اعتقادي أننا سنجد بين الحضور من يمثل رجل الشارع الفاهم، ومن رواد منصات التواصل الاجتماعي المتنورين.

الحوار الوطني خطوة عظيمة يجعل مِصر تستحق مكانتها الدولية العريقة، فمصر رمانة الميزان ورئيسها لم يدخر جهداً في محاولات التوفيق بين الأقطاب المتنافرة ومسعى السلام بين الشعوب هو دربه الدائم، فكيف لا ينتهج نفس النهج داخل وطنه، وهذا هو الوجه الآخر للحوار الوطني على الصعيد الخارجي، فالأوطان المستقرة هى الجاذبة للاستثمار والوجهة المفضلة للسياحة، فذلك أمن وآمان.

قال سقراط تكلم حتى أراك ولكن لم يدرك أن الزمن سيدور وتغلق الناس أذانها فيصبح الكلام دون رغبة في الاستماع هو محض هباء، لذا فلنتكلم وليستمع بعضنا لبعض ولنشارك بالأفكار ولنتبادل الرؤى، ولنمسح سوء الفهم ونرسي مبادئ تليق بالجمهورية الجديدة، فالحوار الوطني هو مفتاح أن نكون على قلب رجل واحد وإن لم نتشارك عقل هذا الرجل، فنتعلم أن نحترم الرأى والرأي الآخر الذي وإن شابه بعض اللغط لكن لم يتلوث بالدماء فنحن في حب الوطن سواء، مبادرة الحوار الوطني تتماشى مع مصر العظيمة التى اعتادت احتضان ابنائها واستيعاب أفكارهم وطموحاتهم وأصواتهم، فأهلاً بهذا الحدث الاستثنائي في ظل الصراع الذي يعيشه العالم فأم الدنيا تمد كلتا يديها بالسلام لكل من تاقت نفسه للسلام، ولا شرف أكثر من المشاركة في صناعة السلام.