غاصت عيناها الصغيرتان في السحب، وتحولت أصابعها إلى حصان ذي قدمين يداعب زجاج النافذة يسابق تلك الغيوم التي انعكست على عيني طفلة بريئة كمجسمات تشكل لوحة بارزة قد تكشّفت في السماء.. لمحتُ في عينيها نظرة مليئة بالتساؤلات، هل أرى ما تراه هناك؟
نعم يا صغيرتي، إنني أمر بتلك اللوحة يوميًا، أفضل الصمت على الخوض معك فيما يعانيه العالم من آلام، ارتسمت على ملامح السماء، وشاخت فيها السحب كعجوز حلت مكان رعونتها خصلاتها البيضاء.
إن غيوم السماء تعكس مآسي الأرض.. فأرى هناك شهيدة حملت قلمها في وجه عدو خسيس ترصد لها، وبدلًا من أن تعكس عدستها جرمه، فضحت دماؤها شناعة ماضيه وحاضره.
وأرى طفلًا يصرخ من التعذيب في سجون الاحتلال، والمسلمين يحترقون في أرجاء الأرض، والمسيحيين يقاسون التنمر، والسُمر يدفعون أرواحهم في النضال ضد العنصرية، وفوق كل هذا وذاك حربًا واسعة تلوح في الأفق مهددة بتشويه نفس الأفق بجشاعتها ونوويتها ومجاعات لم ولن تنتهِ.
(رفعت يدها لتشير إلى مجموعة من السحب قد انزوت بين طيات السماء الفسيحة)
أما هؤلاء يا صغيرتي، فطيور مهاجرة راحت تسبح في السراب، انتشلتها أمواج الزمان كجثث خاوية هزمتها لقمة العيش، وحطمتها الآمال الزائفة على حدود الدول، وقد صغُرت عليهم الأرض بما رحُبت.
وهناك وراء تلك السحابة.. يقف الجهل مع الانحطاط وبرفقتهما الفقر والفيروسات مصوبين بنادقهم نحونا، متأهبين لنا، وكاشفين عن أنيابهم لأجيال قادمة.
سرق براءتها التيك توك، وحطمت طفولتها التكنولوجيا المقيتة، التي تجعل أبًا يصرخ ويرفع يده على صغيره لإبعاده عنها، وفي يده الأخرى يحمل الهاتف الذي لا يشيح بنظره عنه مهما حدث.
عم الصمت لبرهة.. (كانت تنظر إلي نظرة بلهاء امتزجت بالحزن والغضب في آن واحد)، ثم جاء ردها كالصاعقة، قالت: "إن كل ما أراه هناك هو قطة وحصان" أما ما ترينه أنت فلا أريد معرفته، يا ليتك التزمت الصمت، والآن أعطني هاتفي"!.