الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

صلاح منتصر كما عرفته

عبد المعطى أحمد
عبد المعطى أحمد

فى أغسطس 1976أعتدت – فى وقت فراغى -  أن أذهب إلى نقابة الصحفيين للقاء أصدقائى وزملائى فى حديقة النقابة قبل بناء المبنى الشامخ الحالى الذى شيده نقيبنا المرحوم الأستاذ ابراهيم نافع طيب الله ثراه,وفى إحدى المرات تصادف أن وجدت صديقى الأستاذ المرحوم مصطفى ثروت الصحفى بوكالة أنباء الشرق الأوسط جالسا فى الحديقة  الذى فاجأنى بسؤالى: "تحب تروح الأهرام؟"وعلى الفور أجبته:"طبعا أحب. حد يكره يروح الأهرام".

وكنت فى تلك اللحظة أعمل محررا فى دسك جريدة الجمهورية,وكان عمرى المهنى فيها خمس سنوات ونصف فقط, واستطرد صديقى مصطفى قائلا:روح للأستاذ حسن الشرقاوى لأن الأهرام محتاج محرر "دسك مان" شاطر لصياغة المادة الصحفية, وفعلا تركته متوجها فى الحال إلى الأهرام, حيث التقيت الأستاذ حسن الشرقاوى الذى كان وقتها سكرتيرا عاما للنقابة والأخ الأكبر لزميلى فى قسم الصحافة جامعة القاهرة المرحوم الأستاذ نبيل الشرقاوى, فأخذنى من يدى متوجها إلى غرفة الأستاذ صلاح منتصر الذى قابلنى بترحاب شديد وابتسامة هادئة, وقدمنى إليه, ثم انصرف, وسرعان ما صحبنى الأستاذ صلاح إلى صالة التحرير بالأهرام حيث الهدوء الرهيب والنظام الصارم والتى لم أكن قد دخلتها من قبل, وأجلسنى فى قسم دسك الأخبار المحلية, وأعطانى خبرا اقتصاديا من خمس صفحات لزميلى وصديقى الأستاذ أسامة غيث, وكان محررا فى القسم الاقتصادى بالأهرام ,وطلب منى الأستاذ صلاح إعادة صياغته على ثلاثة أعمدة للصفحة الأولى للأهرام دون استبعاد أى معلومة, وخلال عشر دقائق سلمته الخبر,فقرأه,ثم وبسرعة غير متوقعة قال لى:"طلباتك إيه؟",كانت مفاجأة لى,قلت:"ماليش طلبات تقصد إيه حضرتك؟"قال:"عاوز مرتب كام"؟ أحسست فى تلك اللحظة أننى حاجة مهمة وكفاءة هائلة, وشعرت بالفخر والثقة بالنفس,ثم قلت متلعثما ومرتبكا:"اللى تشوفه حضرتك", وكنت فى هذه المرحلة بجانب عملى فى الجمهورية أعمل فى جريدة "الكورة والملاعب" التى تصدر عن دار التحرير للطبع والنشر ورئيس تحريرها الأستاذ المرحوم حمدى النحاس رحمة الله عليه, وكنت أتقاضى مكافأة قدرها عشرون جنيها شهريا.

كما كنت أعمل فى جريدة "العمال" التى يصدرها الاتحاد العام لنقابات عمال مصر ورئيس تحريرها الأستاذ المرحوم أحمد حرك رحمه الله, وأتقاضى عشرين جنيها شهريا,وكنت أعمل أيضا فى جريدة التعاون برئاسة الأستاذ المرحوم ممدوح رضا وأتقاضى عشرين جنيها شهريا أيضا, وكان الأستاذ صلاح يدون بالقلم ما أقوله ثم قال:يمكن ضم مرتب الجمهورية على الكورة والملاعب فيكون سبعين جنيها مارأيك؟ سكت برهة وقلت:"لو يبقى المرتب ثمانين جنيها ياريت",فابتسم ابتسامة هادئة كعادته,وقال:"لن نختلف"وطلب منى الحضور يوميا حتى يتم التعيين,الذى تم فعلا بالمبلغ الذى تمنيته.

هكذا عرفت صلاح منتصرالأستاذ والإنسان,وأحد مشايخ الصحافة الكبار,وأحد أعمدة الأهرام والصحافة المصرية,وكاتبا ذا قيمة وقامة كبيرة,وأحد شرفاء المهنة الذى قضى أكثر من نصف قرن فى بلاط صاحبة الجلالة قدم خلالها الكثير من المبادرات,وخاض الكثير من المعارك الصحفية,وحافظ على علاقة ودية مع القراء والزملاء,وظل يعطى حتى آخر لحظة استطاع فيها أن يمسك القلم ليكتب"مجرد رأى".

أحببت فى صلاح منتصردماثة الخلق, وإقباله على الحياة,وتشبثه بقلمه حتى الرمق الأخير,وتعلمت منه الكثير فى مسيرة عملى الصحفية والمهنية, وكان رحمه الله سندا قويا لى ,فقد نشر لى مقالا فى زاوية "وجهة نظر" بعنوان "بالتفاؤل نشق طريقنا"  ولم يكن قد مضى على تعيينى سوى شهورا قليلة فى إطار التوجيه الذى كان المرحوم يوسف السباعى رئيس مجلس إدارة الأهرام وقتها قد وجهه بإعداد جيل من شباب الصحفيين لكى يكتبوا مقالات بصفحة الرأى فى المستقبل.

كان أستاذى ومعلمى صلاح منتصر بسيطا فى تعاملاته مع زملائه وحتى مع تلاميذه,ولن  أنسى عندما كان يستشيرنى فى بعض الكلمات فى اللغة العربية وأنا مازلت صحفيا صغيرابالنسبة له!.
وكان رحمه الله شديد الوفاء لزوجته الصحفية بالأهرام "نادية عبدالحميد" التى أنهكها المرض العضال, وكنت أرى دموع زملائى وأساتذتى تتوزع بينهما إشفاقا عليها, وهى تلقى تحاياها الباسمة عليه من شدة صبره ووفائه, وإيمانه بالصبر على البلاء حتى توفاها الله.
لقد صدمنى خبروفاته,وأصابنى بالحزن والهم,واعتصرقلبى الألم والغم,وكلمات الرثاء مهماقيلت وكتبت لاتعبر عن المشاعرنحوهذا الرجل,فله فى رقبتى دين من النصح والإرشاد, وقصص وحكايات تملأ صفحات وصفحات.

اليوم نفقد, وغدا نفقد, واليوم ندفن وغدا ندفن, واليوم نحزن, وغدا يحزن علينا, ولايبقى غير وجهه سبحانه وتعالى, فيارب حسن الخاتمة.

رحم الله صلاح منتصر,وحفظ الله الأهرام مدادا لاينقطع للصحافة المصرية والعربية,وإنا لله وإنا إليه راجعون.