الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

من حديثه تعرفه.. خطاب التمكين أهم ما قال الراحل الشيخ خليفة بن زايد.. وكلماته رسمت خارطة طريق الإمارات لأجيال مقبلة

الشيخ خليفة بن زايد
الشيخ خليفة بن زايد

الشيخ خليفة بن زايد في خطاب التمكين:

الاتحاد ثمرة غرس طيب لآباء مؤسسين ولم يكن هبة أو منحة
الأمم تحافظ على هويتها وخصوصيتها من وعيها بتاريخها وحفاظها على تراثها
أصبحنا محط أنظار العالم وتبوأنا مكانة متميزة على الخريطة الاستثمارية العالمية
أكدنا دائما أن الإنسان هو هدف التنمية وغايتها وفي الوقت ذاته أداتها ووسيلتها

 

 

 

تولى رئيس الإمارات الراحل الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئاسة دولة الإمارات في نوفمبر 2004، عقب وفاة والده مؤسس ورئيس الإمارات الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان.

ودشن الراحل الشيخ خليفة بن زايد، مرحلة فارقة في تاريخ دولة الإمارات عنوانها "التمكين"، شرعت خلالها حكومة البلاد في البناء على إرث المؤسس الشيخ زايد بن سلطان، والإضافة إليه بما يضمن للإمارات نهضة شاملة في ميادين الحياة كافة.

وفي 2 ديسمبر 2005، ألقى الشيخ خليفة بن زايد "خطاب التمكين"، في الذكرى الرابعة والثلاثين لقيام اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة، والذي يُعد الخطاب المركزي والتأسيسي في مسيرة الشيخ خليفة بن زايد وقيادته للإمارات.

وفيما يلي نص "خطاب التمكين" كما أوردته وزارة الدولة الإماراتية لشؤون المجلس الوطني الاتحادي:

أيها المواطنون الكرام

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إن الثاني من ديسمبر 1971م، الذي نحتفل اليوم بذكراه الرابعة والثلاثين، هو يوم مشرق بدأت به مسيرة الخير التي عمّت بلادنا . يوم توحدت فيه كلمتنا، وإرادتنا، فكانت دولة الإمارات العربية المتحدة، وما تنعم به من استقرار سياسي، واقتصاد قوي، وإنسان متعلم، ورخاء ورفاهية وأمن، وعلاقات دبلوماسية، وتجارية وثقافية وإنسانية تمتد عبر القارات شرقا وغربا، لتؤسس لعلاقات إقليمية ودولية سليمة، قائمة على مبادئ الحكمة والاعتدال والتوازن ومناصرة الحق والعدل وعدم التدخل في شؤون الغير إلا بالخير.

وفي هذا اليوم الطيب المبارك، تستعيد – احتفاء وتقديرا وعرفانا – سيرة الراحلين من بناة هذا الاتحاد، نذكر بالخير كله والدعاء أجزله مؤسس الدولة المغفور له الوالد الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والمغفور لهم الوالد الراحل الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، والوالد الراحل الشيخ خالد بن محمد القاسمي، والوالد الراحل الشيخ راشد بن حميد النعيمي، والوالد الراحل الشيخ محمد بن حمد الشرقي، والوالد الراحل الشيخ أحمد بن راشد المعلا، ”طيب الله ثراهم جميعا وجعل الجنة مثواهم“، والرحمة والمغفرة لكل من أسهم بوضع لبنة في هذا البناء الشامخ.

فهذا الاتحاد الذي نعيشه اليوم، واقعا حضاريا وسياسيا واجتماعيا واقتصاديا ما كان هبة أو منحة، وما كان مناله سهلا يسيرا. لقد جاء ثمرة غرس طيب لآباء مؤسسين، حملوا الفكرة في القلوب أملا، وتدبروها جهدا ورعاية حتى صارت واقعا حيا معاشا. اسهموا بتفان في ترسيخ دعائم هذه الدولة، وأرسوا نظاما يستند إلى حكم القانون وسيادته، وأنشأوا منظومة حكومية اتحادية قادرة على التطور، ومواكبة متطلبات العصر ومقتضياته. فلهم منا خالص الوفاء، والتقدير والامتنان، لما أسهموا به في بناء هذه الدولة. وندعو بالرحمة للراحلين منهم، وموفور الصحة وطول العمر للذين ما يزالون يرقون هذا الوطن، بجهدهم وفكرهم.

إن سيرة هؤلاء الرجال مكون مهم في منظومة مقومات القوة التي يستمد منها هذا الوطن عزته وأمنه وقدرته على مواجهة التحديات. فأمة لا تحتفي بروادها وعظام الرجال منها، أمّة لا مستقبل لها، ولا خير فيها. فالأمم تحافظ على هويتها، وخصوصيتها من وعيها بتاريخها، وحفاظها على تراثها، وتمثلها لسير بناتها. وتحقيق هذه الغاية، يتطلب منا عملا منظما جادا تشارك فيه جميع المؤسسات الثقافية ، والتربوية ، والأكاديمية، تعريفاً للأجيال وخاصة الشباب منهم، بإرث بلادهم الحضاري والثقافي، ومدى ما أسهم به روادها، في بناء هذا الصرح المتين.

فالاتحاد الذي نحتفل بذكراه اليوم، هو ولاءً ، وانتماءً، ومسؤوليةً، وهويةً وطنيةً، وبذلً، وعطاءً، وواقعً حياتي معاش. انه استثمار في الإنسان، وهو مشروع نهضة، وبرنامج عمل مستمر، استكمالاً لما بدأه الرواد، وتأسيسا لنهضة تطلق طاقات الشباب، وتحفظهم لعمل خلاق مبدعٍ.

إن تمتين مسيرتنا الاتحادية، وزيادة تماسكنا الوطني، والاستمرار في نهج التنمية المستدامة يتطلب تعزيز التعاون الخلاق القائم حالياً بين أجهزة السلطتين الاتحادية والمحلية، نحو مزيد من التنسيق المثمر بما يحقق الصالح العام، في إطار من الثقة المتبادلة والتعاون الوثيق. كما يتطلب من كل المؤسسات الاتحادية القيام بالدور الوطني المناط بها في التصدي للتحديات ، ومواجهة المشكلات والهموم الوطنية الملحة، بكل المسؤولية والشفافية.

إن المرحلة القادمة من مسيرتنا، وما تشهده المنطقة من تحولات وإصلاحات، تتطلب تفعيلا أكبر لدور ”المجلس الوطني الاتحادي“، وتمكينه ليكون سلطة مساندة، ومرشدة، وداعمة للمؤسسة التنفيذية. وسنعمل على أن يكون مجلساً أكبر قدرة وفاعلية، والتصاقاً بقضايا الوطن، وهموم المواطنين، تترسّخ من خلاله قيم المشاركة الحقّة، ونهج الشورى. وأنه من خلال مسار متدرج منتظم قررنا بدء تفعيل دور المجلس الوطني عبر انتخاب نصف أعضائه من خلال مجالس لكل إمارة، وتعيين النصف الآخر، بادئين مسيرة تكلل بمزيد من المشاركة والتفاعل من أبناء الوطن.

أيها المواطنون الكرام.

إننا اليوم، على مشارف مرحلة جديدة غايتها تكريس مبادئ سيادة القانون، وقيم المساءلة، والشفافية، وتكافؤ الفرص، وتحقيقا لهذا فإن المرحلة الجديدة تتطلب إعادة بناء، وإعادة ترتيب، وإعادة تأهيل للنظم والهياكل الحكومية القائمة، من حيث بنيتها ووظيفتها.

وقد شرعنا بالفعل في التهيئة لمرحلة التمكين بسن التشريعات، واتخاذ الإجراءات المنظمة لما هو قائم من الدوائر والمؤسسات، والأنشطة، والعلاقات، بضبط المترهل منها، وتقويم المعوجّ، ودفع الباطل، والتخلص من المعوق، والتحرر من عبء ما انقطع منه الرجاء، وتحسين الإنتاج والخدمات، وتوجيه الجهد دعما وتطويرا وتحفيزا للمؤسسات والهياكل، والأنشطة، والكوادر الواعدة، تهيئة للظروف المؤهلة لانطلاق واع نحو آفاق القرن الحادي والعشرين.

ولقد آن الأوان لمؤسساتنا السياسية، والدينية، والثقافية، والإعلامية، والتعليمية، ومنظمات المجتمع المدني أن تتحمل مسؤولياتها في غرس قيم العمل داخل المجتمع، وتغيير النظرة السلبية المرتبطة بالعمل المهني واليدوي، والتأكيد على مفهوم العمل باعتباره مسؤولية، وقيمة إنسانية، حضارية، ودينية .

كما آن لهذه المؤسسات أن تعمل على تنويع مهارات المواطن، ورفع مستوى إنتاجيته، وتشجيع الاستثمار في مجالات التنمية البشرية، وتطوير الخدمات التطوعية، وترسيخ مفهومها، وأهميتها لدى أفراد المجتمع، والارتقاء بوسائلها وأساليب أدائها بتشجيع وتسهيل قيام جمعيات تطوعية متخصصة تعنى بتنمية المجتمع وزيادة اهتمام الجهات التعليمية والإعلامية، والثقافية، والرياضية، للقيام بالمزيد من الجهد في توعية المواطن، ودعوته إلى الخدمات التطوعية، وترسيخ أهمية العمل التطوعي في مناهج التربية الوطنية في مراحل التعليم المختلفة. وهي مرحلة تتطلب من وسائل الإعلام تبني قضايا الوطن، والاهتمام بقضايا مواطنيه ونشر الوعي بمفهوم العمل كقيمة دينية وإنسانية واجتماعية وحضارية مهمة لبناء الإنسان وتطور المجتمع، وذلك في مناخ من الحرية المسؤولة، والمهنية المتطورة، التي تتوخى الدقة والموضوعية، وتحترم الحقيقة، وعقل الإنسان.

أيها المواطنون الكرام

إن ما يشهده العالم من تحولات عميقة – على مستوى الأفكار والمناهج والتقنيات والعلاقات – يدفعنا الى الوقوف عند تجربة الأربعة والثلاثين عاما الماضية، تقييما، وتقويما، وتحديثا، وتطويرا، وإعادة لترتيب سلم أولوياتنا، بما يمكننا من المضي قدما في مسيرة التقدم والرفاه، ونحن أكثر وعيا، وثقة، وتمكنا.

فعلى المستوى الاقتصادي، ورغم أن القطاع النفطي ما يزال هو المحرك الرئيس للدورة الاقتصادية، إلا أننا متفائلون بتوجهنا الاقتصادي، وما حققه من إنجاز على مستوى الأداء والقدرة التنافسية، وتنويع وتوسيع قاعدة الإنتاج. فالناتج المحلي الإجمالي الذي لم يزد عن 6.5 مليار درهم في نهاية العام الأول لإعلان دولة الاتحاد، يتوقع أن يبلغ مع نهاية العام الجاري 424 مليار درهم بنسبة زيادة ستصل الى 6423 % عما كانت عليه في نهاية العام الأول لإعلان دولة الاتحاد. كما حققت القطاعات غير النفطية نجاحات فائقة بزيادة حجمها وارتفاع نسبة إسهامها في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تزيد عن 67 %، محققة العام الماضي 256 مليار درهم، ويتوقع أن تصل بإنتاجها الإجمالي مع نهاية العام الجاري الى 287 مليار درهم. وبات القطاع الخاص يستحوذ على 43 % من الاستثمارات المنفذة في الدولة، وخاصة في الصناعات التحويلية، والتجارة، والعقارات وغيرها.

فنتيجة للاستقرار السياسي، والأمني، والتشريعي، وسياسة الانفتاح التي تتبناها الدولة، وتشجعها، وما وفرته من بنية تحتية متطورة، ومناخ استثمار سليم، وما تمنحه من امتيازات وتسهيلات للقطاع الخاص، أصبحنا محط أنظار العالم ، وتبوأنا مكانة متميزة على الخريطة الاستثمارية العالمية. ومن المنتظر أن ترتفع الاستثمارات مع نهاية العام الى 85 مليار درهم نتيجة لزيادة المشروعات الصناعية، والعقارية، والسياحية التي تشهدها مختلف إمارات الدولة.

إننا ننظر للقطاع الخاص كشريك أساسي للدولة في خططها للنهوض بالمجتمع والارتقاء بحياة المواطنين، ومواجهة التحديات الجديّة التي تطرحها التطورات العالمية على مختلف الأصعدة. وستستمر الدولة في سياستها المشجعة لهذا القطاع ليتمكن من إنشاء المشروعات القادرة على توفير المزيد من فرص العمل، ودفع عجلة الإنتاج وزيادة الصادرات والإقلال من الواردات، وخاصة السلع الاستهلاكية التي يمكن إنتاج مثيلاتها محلياً.

إن هذه النجاحات الاقتصادية لا يمكن النظر إليها بمعزل عما بذل من جهد، وما أتفق من مال، تأسيسا لبنية تحتية راقية المواصفات، عالية الجودة. فنحن اليوم نمتلك 6 مطارات دولية، وتسع موانئ بحرية، وخمسة عشر منطقة حرة، وشبكة مواصلات حديثة يبلغ طول الطرق الخارجية منها 4000 كيلومتر، وشبكة اتصالات واسعة ومتطورة قائمة على أحدث ما توصلت إليه التقنية الحديثة في العالم، إضافة الى المدارس والجامعات والمعاهد الفنية الحكومية والخاصة، والخدمات الطبية، والترفيهية المتطورة، وغيرها.

وسيستمر سعي الدولة في توسيع قاعدة الاقتصاد وتنويعه، وزيادة كفاءته مستفيدة من التحسن في أسواق النفط عالميا، وفي بيئة الاستثمار محليا، والمشاريع العديدة لتنشيط السياحة كمصدر جديد للدخل. وسنعطي أولوية قصوى لتنمية القوى العاملة من خلال التوسع في برامج التعليم التقني، والفني، والتدريب المهني، وتمكين القوى المواطنة المدربة من العمل في مختلف القطاعات الاقتصادية، والاستمرار في دعم جهود التوطين في القطاعات الاقتصادية كافة، والتركيز على استقدام العمالة الوافدة المؤهلة والنادرة، ودراسة إمكانية المواءمة بين نظام التأمينات الاجتماعية، ونظام التقاعد المدني لجعل العمل بالقطاع الخاص أكثر جاذبية للمواطنين.

أيها المواطنون الكرام 

لقد حرصت الدولة منذ قيامها في الثاني من ديسمبر 1971م، على تسخير كل الإمكانيات المتاحة لتنمية الإنسان باعتبار ذلك ضرورة وطنية، فوفرت الدولة كل الإمكانات لبناء المواطن القادر والمؤهل والصالح، وركزت على النهوض بالمرأة وتمكينها لتضطلع بدورها الطبيعي كمشارك فاعل في علية التنمية الشاملة، وسخّرت القدرات الاقتصادية لبناء مقومات المجتمع بتوفير السكن المناسب، وتشييد المدارس والكليات والجامعات، والمؤسسات الثقافية، وتحسين الخدمات الصحية والاجتماعية، وبناء وتطوير المرافق العامة، بهدف توفير حياة أفضل لجميع المواطنين والمقيمين على أرض الدولة.

لقد أكدنا دائما أن الإنسان هو هدف التنمية وغايتها، وأنه في الوقت ذاته أداتها ووسيلتها، وبقدر ما تكون هذه الأداة فاعلة، ماهرة، تكون قادرة على تحقيق التنمية. وسنستمر في العمل على النهوض بمواردنا البشرية، وتطوير قدراتها العلمية، ومهاراتها الفنية، وخبراتها التقنية، وذلك بتوفير وتطوير بنية تعليمية تستجيب لاحتياجات التنمية الشاملة في مختلف جوانبها الاقتصادية والاجتماعية والسكانية، وسنعزز دور المعرفة ورأس المال البشري في تطور الاقتصاد وتقدم المجتمع، وفي توثيق الربط بين العملية التعليمية والحاجات التنموية والأمنية، وذلك تهيئة لمناخ ملائم لإعداد إنسان مبدع معتز بهويته، قادر على البذل والعطاء، والإسهام بفاعلية في صناعة المستقبل.

إن إعادة التوازن للتركيبة السكانية المختلة، وإصلاح هيكل سوق العمل في الدولة لن يتم دون إصلاح حقيقي لنظم التعليم وبرامج التدريب والتأهيل، بإعادة النظر في مضمونها وغاياتها. وستكون من اولويات المرحلة القادمة تفعيل ودعم المؤسسات الوطنية المعنية بالتخطيط للتعليم والتدريب، كما ستستمر الدولة في تحمل مسؤوليتها تجاه مواطنيها بتطوير البنى التحتية، وتحديث الخدمات والمرافق العامة في كل إمارات الدولة، وتحقيق المزيد من الرعاية الصحية والاجتماعية، وتوفير السكن الملائم لكل أسرة مواطنة على امتداد الوطن.

أيها المواطنون الكرام 

إن سياستنا الخارجية في دوائر اهتمامها الأربع – الخليجية  والعربية  والإسلامية  والعالمية – ترتكز على قواعد ثابتة ومبادئ وأسس واضحة، أساسها الاحترام المتبادل وحسن الجوار، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للآخرين، وإقامة العلاقات على أساس المصالح المتبادلة، وتنمية روح التعاون، وحل المشكلات والنزاعات بالطرق السلمية، والالتزام بالمواثيق العربية والإسلامية والدولية، والوقوف الى جانب الحق والعدل، والمشاركة في تحقيق الأمن والسلم الدوليين.

فعلى الصعيد الخليجي، سنستمر في التشاور والتنسيق مع إخواننا أصحاب الجلالة والسمو قادة الدولة الخليجية، دعما لمسيرة مجلس التعاون لدول الخليج العربية، الذي يشارف عامه الخامس والعشرين، بزيادة فاعليته في دعم الأمن الإقليمي، وبناء صرح التكامل السياسي، والاقتصادي والاجتماعي، بما يحقق آمال وطموحات شعوبنا في الاستقرار والازدهار. ونتطلع بكل ثقة الى أن تتكلل بالنجاح جهود إخواننا أصحاب الجلالة والسمو قادة دول المجلس في قمتهم السادسة والعشرين التي تستضيفها العاصمة أبوظبي يومي 18 و19 من ديسمبر الجاري، وأن تأتي قراراتهم تعزيزا لخطوات العمل الخليجي المشترك، وتصديا للتحديات الكبيرة برؤية موحدة، وإرادة جماعية، تفعيلا لدور المجلس في المنطقة التي يعمل من خلالها وفي إطار النظام الإقليمي العربي.

وإننا في هذه المناسبة  نثمّن السعي المخلص لقادة دول مجلس التعاون الخليجي، في تأكيد حق دولة الإمارات العربية المتحدة في جزرها الثلاث، ودعمهم لنا في السعي من أجل وضع آلية للمفاوضات المباشرة بيننا وجمهورية إيران الإسلامية، بما يسهم في إحقاق الحق، وتوطيد العلاقات الجماعية بين دول المنطقة، على أسس صلبة، حرصا منا على تحقيق السلم والأمن والاستقرار الإقليمي، والدولي .

وعلى الصعيد العربي، ما نزال نعمل على دعم العمل العربي المشترك من خلال جامعة الدول العربية، ومؤسساتها ومنظماتها المتخصصة، ونحرص على تعزيز علاقاتنا الثنائية مع كل الدول العربية الشقيقة. ومن هنا فإننا نؤكد مجددا على وحدة العراق أرضا، وشعبا، ونشعر بعميق الألم والقلق من استمرار تدهور الأوضاع الأمنية، واستمرار التفجيرات، وأعمال العنف، والإرهاب والخطف، والقتل التي تستهدف الأبرياء، كما نأمل أن تكون العملية السياسية التي شهدها العراق، سواء بإقرار مسودة الدستور، أو بالنجاح الذي حققه الاجتماع التحضيري لمؤتمر الوفاق الوطني، وصولا الى الانتخابات التشريعية التي ستجري منتصف هذا الشهر، ومؤتمر الوفاق الذي سينعقد على أرض العراق الشقيق في وقت لاحق، مخرجا وسبيلا لبناء العراق الجديد، والحفاظ على وحدة أراضيه، ونأمل ألا يطول غيابه عن الساحة العربية والدولية، فالعراق الآمن والمستقر هو إضافة للأمن القومي العربي، ودعم للاستقرار والسلام العالميين.

وفيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، فإننا نتابع باهتمام الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة، ونتطلع الى أن يكون هذا الانسحاب خطوة تتلوها خطوات للانسحاب من كافة الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة، لتمكين الشعب الفلسطيني من بناء دولته المستقلة، وعاصمتها القدس الشريف، في إطار مبادئ الشرعية الدولية وقراراتها ومبادرات السلام الدولية وفي مقدمتها خطة خارطة الطريق ومبادرة السلام العربية، اللتان تعدان الإطار الحقيقي للسلام العادل والشامل للقضية الفلسطينية، وحل النزاع في منطقة الشرق الأوسط. لقد كانت مبادرتنا ببناء مدينة في رفح على أنقاض إحدى المستعمرات الإسرائيلية مساهمة منا في تخفيف المعاناة عن إخواننا أبناء الشعب الفلسطيني المناضل والصامد، الى جانب المشاريع العديدة السابقة التي قمنا بها في الأراضي الفلسطينية.

إننا نبارك الجهود البناءة التي بدأت تظهر في السودان الشقيق، بتوقيع اتفاق السلام، ووقف الاقتتال، ونؤكد مساندتنا لجميع الجهود المبذولة عربيا ودوليا، لإعادة تعمير ما دمرته الحرب، وندعو للأشقاء في هذا البلد الشقيق بالأمن والسلام والازدهار.

وعلى الصعيد الإسلامي، فإن علاقاتنا مع الدول الإسلامية تنطلق من أسس ثابتة، قوامها التعاون، واحترام الجوار، ومدّ يد العون للدول الإسلامية في محنها وآلامها، وجمع الصف الإسلامي لمواجهة ما يحيط بالعالم الإسلامي من مخاطر انطلاقا من عقيدتنا وديننا الحنيف، والتزاما بهذه المبادئ، وتضامنا من الإمارات – قيادة وشعبا – مع الشعب الباكستاني الشقيق، جاءت توجيهاتنا بالتحرك العاجل لتقديم المساعدات المادية والعينية وفرق الإنقاذ، لإغاثة ضحايا، ومنكوبي الزلزال الذي أصاب جمهورية باكستان الشقيقة. إننا نشعر بالاعتزاز للدور المشرف الذي تقوم به قواتنا المسلحة بوجه خاص ، وهيئة الهلال الأحمر ومختلف الجمعيات الأهلية، من عمل وما تبذله من جهود لمساعدة اشقائنا في باكستان ، وتخفيف المعاناة عنهم.

لقد عبرنا عن إدانتنا الشديدة للتفجيرات الإرهابية التي استهدفت عددا من الدول الشقيقة والصديقة، وخاصة جمهورية مصر العربية والمملكة الأردنية الهاشمية، والمملكة المتحدة، وعبّرنا عن تضامننا التام مع هذه الدول وشعوبها ووقوفنا الى جانبها في مواجهة هذه الموجة الإجرامية العمياء، مؤكدين على ضرورة الوقوف وقفة حازمة للتصدي لها بصورة شاملة وجذرية وحاسمة، ليس فقط لأنها تزعزع الأمن والاستقرار، بل لأنها تتنافى مع كل القيم والمبادئ الإنسانية.

وعلى الصعيد الدولي، نتطلق من ثوابت راسخة، نحرص من خلالها على تعزيز علاقتنا على أساس من الاحترام المتبادل والتفاهم والحوار والتعاون، ونبذ كافة أشكال الإرهاب، والعنف، والتطرف، والالتزام بالقوانين والمواثيق والمعاهدات الدولية، ونقف مع كل دعوة للسلام يمكنها أن تجنب العالم الوقوف على فوّهة بركان يمكن أن ينفجر في أية لحظة.

أيها المواطنون الكرام 

في ذكرى هذا اليوم المبارك أتقدم بالتهنئة والتحية لإخوتي أصحاب السمو أعضاء المجلس الأعلى حكام الإمارات الذين حملوا الأمانة وتحملوا المسؤولية وانتقلوا بالاتحاد من مجرد حلم ورغبة الى واقع ومبادئ وسياسات تعبر عن حضورها وفاعليتها في كافة مناحي الحياة. كما أتقدم بالتهنئة لأبنائنا البواسل قادة وضباط وضباط صف وجود قواتنا المسلحة المرابطين على الثغور حماية للوطن برا وجوا وبحرا والتهنئة والتحية الى العاملين بقوات الأمن والشرطة وكافة الأجهزة الأمنية الساهرة على أمن هذا الوطن ومواطنيه وإلى شعب الإمارات الأبي وإلى المقيمين معنا من أبناء الدول الشقيقة والصديقة الذين أسهموا معنا بإخلاص مقدر في بناء هذه الدولة .

إن الإنجازات الكبيرة التي حققناها خلال السنوات الماضية والسمعة الطيبة التي اكتسبناها تحتم علينا الحفاظ عليها وصونها وإثراءها برص الصفوف وترسيخ روح الاتحاد تجمعنا في تلك المصلحة المشتركة وتضمنا راية الولاء للوطن ويظللنا التعاون الخير والمثمر قيادة وشعبا على أسس مبادئ ديننا الحنيف وتراثنا التليد وعاداتنا وتقاليدنا العريقة لتحقيق المزيد من التنمية والرخاء ونسأل الله أن يبارك خطانا ويلهمنا التوفيق والسداد لما فيه التقدم والازدهار لوطننا الغالي ومواطنينا الأوفياء وأجيالنا القادمة.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.