الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

سيناء

نهال علام
نهال علام

لا أقوى على ذلك.. هكذا قال "عقرب الثواني" مخاطباً "عقرب الدقائق" أثناء رحلتهما في براح الكون لضبط مقاديره، ليستكمل القدر ما سُطر في اللوح المحفوظ ويمضي النصيب في تنفيذ تعاليم الكتاب المكنون.

نظر "عقرب الدقائق" للثواني غاضباً وقال معاتباً اتعترض على ما كُتب عليك! 
فأجاب منكسراً حاشا وكلا، ولكن صيحات الثكلى من الأمهات والزوجات لازالت تعتصر قلبي ولو مضى عليها زمن وفات، الذاكرة لا تقوى على إسقاط تلك الذكريات.

ربت "عقرب الدقائق" على "عقرب الثواني" وقال بصوت غلفته الدموع.. هيا يا ولدي فمهما تلكأت لن يستقدمون ساعة ولا يستأخرون، كله مقدر ومكتوب..
مسح "عقرب الثواني" دموعه الغزيرة وقال بكلمات مريرة، 11 جدع ياخال لو رأتهم عيناك لطرب قلبك واستكان، زينة الشباب الجدعان، لو برحت مكانى فكل ما بعدي لن يشبه ما سبقني، قلبي وجعني، يموتوا ليه لجل الخيانة، ما تموت الخيانة والخوان!

مسح "عقرب الدقائق" على رأسه قائلاً: لا ياولدي هما رايحين للشهادة وموتهم ليس بسبب الخيانة ولكن لأنهم رجال حملوا الأمانة، أمضي فيما كُتب لك، أما الخوان فمن رحم خيانتهم سيتجرعون وعند الله سيجتمعون وفي الدنيا هم حفنة من القتلة المأجورين وهم زائلون…

مَضت الثواني مجبورة، دمعاتها مقهورة حتى جاءت الساعة التى لا يشفع فيها الحَذر، ووقع القدر، وغابت الشمس وتوارى القمر ، وسكتت ضحكات الرجال وسَكن صوت الرصاص واختلطت دمائهم العطرة بتراب الأرض الطاهرة، آخر كلماتهم كنا لكم عيناً ساهرة وذهبت أجسادنا لتبقى مصر خالدة، واليوم نتركها لكم أمانة فلتكن أرواحكم قاهرة لكل من تشتهى نفسه شبراً من أرضها الزاهرة، عشنا للسلام واستشهدنا من أجل السلام ولكم منا كل السلام..

عادت ريما لعادتها الأصيلة القديمة، وهى استهداف رجالنا أسود سيناء بخسة معهودة، وفي ثواني معدودة بات الوطن في حزن دفين على شبابه الزين الذين لقوا ربهم إثر محاولة يائسة من جماعات إرهابية بائسة لتفجير محطة رفع المياه غرب سيناء، رجال عقيدتهم أن الموت شرف مادام فداءً للعرض، والأرض عرض، والعرض كل ما يقع بين سماوات الوطن وأرضه، نشيدهم نموت ولا يبقى عليها خسيس وجبان، لذا لاقوا ربهم شجعان.

عملية إرهابية تحاول بها التنظيمات الغادرة بإيصال رسالة وهمية أنها لازالت حية، وبحسب تصريحات العقيد حاتم صابر خبير مقاومة الإرهاب الدولي وحرب المعلومات في أعقاب ثورة 30 يونيو تعرضت مصر لعدد 3.6 عمليات إرهابية وتناقصت إلى 212 عملية حتى تم إعلان العملية الشاملة سيناء في عام 2018 الذي شهد 8 عمليات وتراجعت العمليات بعد أن دكّ الجيش معاقلهم لتصبح عملية واحدة في 2019 وبالمثل في 2020 وجاء العام 2021 خالياً من العمليات الإرهابية، حتى حدثت تلك العملية التى نعتبرها استثناء لشهور طويلة من الاستقرار، بعد أسبوعين من تصريحات الرئيس قرب موعد إعلان سيناء خالية من الإرهاب.

سيناء جنة الله على الأرض بها أكبر مخططات للتنمية المصرية حيث افتتحت محطة رفع طلمبات السلام (وهي المحطة التي فشل الدواعش في تفجيرها)سبتمبر من العام المنصرم، بطاقة ٥.٦ مليون متر مكعب من المياه يوميا، وذلك لرفع المياه وضخها عبر 4 مواسير بسحارة السلام لنقل المياه من المسار الجديد للمصرف حتى قناة الدخول لمحطة المعالجة، ضمن مشاريع تنمية وتطوير سيناء واستصلاح 400 ألف فدان، كما جاءت خطة العام المالي الحالي بضخ استثمارات حكومية قدرها نحو 21.1 مليار جنيه لتنمية محافظتي شمال وجنوب سيناء مقابل حوالي 8.2 مليار جنيه خلال الميزانية السابقة بنسبة زيادة تبلغ حوالي 156%؜.

تنمية حقيقية تشهدها سيناء بعد سنوات طويلة من تجاهل التنمية الفاعلة، مما جعلها هدفاً سهلاً وحلماً متاحاً بأن تكون قبلة الإرهاب من كل حدب ومرتع للمرتزقة من كل صوب.
أرض الفيروز مرّت بمنعطفين أولهما ما قبل يناير 2011، حيث اكتفى النظام في ذلك الوقت بالاستثمارات الفندقية الفردية لإقامة بضع فنادق ومنتجعات في الأماكن السياحية مع الاهتمام بالحماية الأمنية وتأمين المناطق الحدودية دون توفير خدمات تنموية وحياتية لأهالي تلك المناطق.

أما بعد يناير 2011 عندما فتحت السجون ورفعَت الحدود وصولاً لحكم الإخوان الذي استقبل الوفود الهاربة من أفغانستان، وخاصة بعد مقتل زعيم القاعدة بن لادن في مايو 2011 مما تسبب في نزوح عدد كبير من هؤلاء القتلة لسيناء تزامناً مع حكم الخوان الذين استقبلوهم بالأحضان وفتحوا لهم الأبواب، فالإرهاب بحاجة دائمة لحضّانة تأويه ومفرخة يتكاثر فيها وسبب يستبقيه، ولم يكن هناك أفضل من ولاية سيناء المباركة من النظام والمخولة بحمايته، والمتربصة بأعدائه وجاهزة لتكون ميليشيات إعدام للخارجين عليه والمنددين به، وقد كان.

الارهاب فكرة لن تموت، فالأشرار لن ينتهوا من هذا العالم كما الأخيار وسيظل صراع الدم والسلام قائماً مدى الحياة، فالمساعي المبذولة  في كل الدول التى تكافح الإرهاب لن تمنع وجوده، ولكنها تحاول السيطرة على تواجده بعدم إتاحة الفرصة له لينمو ويتكاثر كالخلايا السرطانية، كما حدث في الأراضي المصرية، مما جعل التقارير العالمية تشيد بنجاحها في تفكيك البنية الأساسية للتنظيمات الإرهابية.

600 مليار جنيه تم إنفاقها على تلك البقعة الغالية لتنميتها وإعمارها، بين مشروعات زراعية وتطوير مناطق الجذب السياحية وتوفير بنية تحتية ومشروعات تنموية، فالقوات المسلحة بيد تنتزع الإرهاب ويدها الأخرى تنثر بذور الرخاء والسلام، فسيناء مخطط لها في ظل أعوام قليلة أن تكون ركيزة أساسية في سلة غذاء المصريين، لذا هي الشغل الشاغل لتجار الدين، تعطيل تلك الاستراتيجية التنموية هو حلمهم الجميل، ولكننا نرد لهم الصاع صاعين، ونحن نطهر ونستزرع ونعمر أرضنا الغالية.

تراب سيناء ممتزج بدم الأجداد وأحفادهم، مرّ عليه الأنبياء، لذا فهي أرض المقدسات، نفديها بولادنا ونفتديها بأرواحنا، وذلك هو المدد، فلو مات شهيد ألف غيره بيتولد، فسلام عليكي يا بلادي لكي قلبي وروحي وحياتي.