الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

انهيار القيم على مذبح منصات التواصل

علاء ثابت
علاء ثابت

قال الكاتب الصحفي علاء ثابت، رئيس تحرير جريدة الأهرام، إن ظهور منصات التواصل الاجتماعى كان ثورة فى الاتصالات وحرية التعبير، واتساع قاعدة من يكتبون ويدلون بآرائهم فى مختلف القضايا مهما كانت مستوياتهم الاجتماعية والعلمية، حيث فتحت آفاقاً عريضة لوصول الآراء والمعلومات لقطاع واسع وبسهولة وسرعة مذهلة، وأصبحت منصات التواصل من أهم وسائل الإعلام الجديدة، ولكن يحدث للأسف أن نتعامل مع تطور علمى وتقنى مذهل، دون أن نحسن استغلاله.


وأضاف ثابت فى مقاله المنشور اليوم الجمعة بجريدة "الأهرام" أن الفوائد التى تتيحها منصات التواصل كثيرة جدا، فيمكن عن طريقها تبادل الخبرات، فيعرض الأشخاص تجاربهم المتميزة للاستفادة منها، سواء فى الحقل العلمى أو السياسى أو الاجتماعى أو الخدمى، وحتى طرق الطهى والوجبات الجديدة، والهوايات المختلفة، لكن للأسف يتكرر كثيرا أن نتعامل مع التقنيات الجديدة بطريقة مغايرة للهدف منها، ونترك أو نهمش إيجابياتها، ونركز على التعامل مع عيوبها، فكل تطور علمى تكون له أوجه مختلفة، منها الكثير المفيد، ومنها الآثار الجانبية الضارة.


وأكد رئيس تحرير جريدة الأهرام أنه فى مجتمعاتنا نترك أو نهمش الجوانب المفيدة، وتنتشر لدينا التعاملات السلبية، ويمكن بنظرة متفحصة إلى الكثير من منشورات التواصل الاجتماعى أن نجد نسبة عالية جدا من الاستعمال السيئ للتطور العلمى والتقنى، ونجد نسبة بسيطة للغاية من المنشورات تهتم بتبادل الخبرات أو التعرف على جوانب اجتماعية وسياسية واقتصادية بطريقة علمية، تراعى دقة المعلومات، ونشر الحقائق المفيدة، ونجد أيضا نسبة كبيرة من الاستخدام السلبى لمنصات التواصل، منها على سبيل المثال أنها زادت من معدل التحرش، ولهذا تكتب نسبة كبيرة من السيدات والفتيات عبارة «لا للتواصل عبر الخاص»، ورفض قراءة الرسائل عبر «الشات» أو الرد عليها بل، كثيرات يغلقن التواصل الخاص، لأنه غالبا ما يكون وسيلة للتحرش بأشكاله المختلفة.

إلى نص المقال:

انهيار القيم على مذبح منصات التواصل

كان ظهور منصات التواصل الاجتماعى ثورة فى الاتصالات وحرية التعبير، واتساع قاعدة من يكتبون ويدلون بآرائهم فى مختلف القضايا مهما كانت مستوياتهم الاجتماعية والعلمية، حيث فتحت آفاقا عريضة لوصول الآراء والمعلومات لقطاع واسع وبسهولة وسرعة مذهلة، وأصبحت منصات التواصل من أهم وسائل الإعلام الجديدة، ولكن يحدث للأسف أن نتعامل مع تطور علمى وتقنى مذهل، دون أن نحسن استغلاله.


فالفوائد التى تتيحها منصات التواصل كثيرة جدا، فيمكن عن طريقها تبادل الخبرات، فيعرض الأشخاص تجاربهم المتميزة للاستفادة منها، سواء فى الحقل العلمى أو السياسى أو الاجتماعى أو الخدمى، وحتى طرق الطهى والوجبات الجديدة، والهوايات المختلفة، لكن للأسف يتكرر كثيرا أن نتعامل مع التقنيات الجديدة بطريقة مغايرة للهدف منها، ونترك أو نهمش إيجابياتها، ونركز على التعامل مع عيوبها، فكل تطور علمى تكون له أوجه مختلفة، منها الكثير المفيد، ومنها الآثار الجانبية الضارة.


وفى مجتمعاتنا نترك أو نهمش الجوانب المفيدة، وتنتشر لدينا التعاملات السلبية، ويمكن بنظرة متفحصة إلى الكثير من منشورات التواصل الاجتماعى أن نجد نسبة عالية جدا من الاستعمال السيئ للتطور العلمى والتقنى، ونجد نسبة بسيطة للغاية من المنشورات تهتم بتبادل الخبرات أو التعرف على جوانب اجتماعية وسياسية واقتصادية بطريقة علمية، تراعى دقة المعلومات، ونشر الحقائق المفيدة، ونجد أيضا نسبة كبيرة من الاستخدام السلبى لمنصات التواصل، منها على سبيل المثال أنها زادت من معدل التحرش.


ولهذا تكتب نسبة كبيرة من السيدات والفتيات عبارة «لا للتواصل عبر الخاص»، ورفض قراءة الرسائل عبر «الشات» أو الرد عليها بل، كثيرات يغلقن التواصل الخاص، لأنه غالبا ما يكون وسيلة للتحرش بأشكاله المختلفة.


وإذا أردنا أن نتجاوز هذه الآفة فعلينا عدم التطفل أو التحرش، وأن نرضى للنساء والفتيات المشاركات فى منصات التواصل ما نرضاه لأخواتنا وبناتنا وأمهاتنا، وأن نحترم خصوصيات الآخرين، ولا نتعامل عبر الشات إلا مع المقربين أو الأشخاص الموثوق فى احترامهم للقيم، لأن استمرار كتابة عبارة «لا للتواصل على الخاص» فيها إدانة للمجتمع، وكشف عن مستور عيوبنا، وأننا أصبحنا نستخدم التكنولوجيا فى غير محلها وفائدتها، وبلغ الأمر حد الشكوى العلنية من كثيرات، بل إن البعض غادر منصات التواصل أو اضطر إلى المشاركة مع عدد محدود للغاية من الأصدقاء المعروفين، ورفض قبول صداقات غير معروف أصحابها بشكل مباشر، مما أهدر الكثير من الأهداف الإيجابية للتواصل الاجتماعى.


وهناك أمثلة أكثر خطورة وهى استخدام منصات التواصل لإطلاق الشائعات أو النيل من آخرين، ونشر معلومات مغلوطة، ولا يقتصر ذلك على ما أصبح يسمى «الذباب الإلكترونى» الذى بدأت تستغله جهات وجماعات سياسية فى تحقيق أهداف تمس السلم الاجتماعى، وتنشر الشائعات التى تسبب الفتن والضغائن، بل ظهر استخدام سلبى لمنصات التواصل فى النيل من منافسين أو تثير خلافات اجتماعية أو شخصية، وتخوض فى السيرة الشخصية أو تلقى بالتهم جزافا أو تخترع أخبارا ملفقة، أو تنشر صورا أو فيديوهات مسيئة، وعانى كثيرون من تلك الآفة الجديدة التى أصبحت تنتشر على منصات التواصل، بهدف التشهير أو الابتزاز الشخصى، وراح كثيرون ضحية هذا النوع السيئ والخطير على المجتمع، لأنه يضرب القيم الأصيلة والراقية فى الصميم، وينشر نوعا جديدا من التدنى والنميمة، والتى كانت موجودة على نطاق ضيق، ثم وجدت لها ساحة أوسع وأسهل، فأخذت فى استغلالها.


وللأسف فإن مثل هذه النميمة تحظى بالقراءة والمتابعة والانتشار، لأن للنميمة جاذبيتها، خاصة إذا تعلقت بشخصيات معروفة، وأصبح لدينا أعداد كبيرة ممن أدمنوا واحترفوا هذا النوع من النميمة والتعرض للجوانب الشخصية، لأنهم يجدون أنها تحظى بقراءات أعلى، وأنها تحقق لهم متعة ما ولو كانت متدنية وعلى حساب سمعة آخرين، حتى لو تسببت فى مآس وآلام لمن تلوكهم تلك المنشورات، وفى كثير من الأحيان يتعالى من تطولهم تلك النميمة والإساءة الشخصية عن نفى ما يتم نشره من أكاذيب أو افتراءات، لأنهم يرون أن الرد عليها سوف يوسع انتشارها، أو يظن البعض أن الرد عليها يعنى أنها حقيقية أو على الأقل فيها جزء من الحقيقة، كما أن تجاهلها يؤدى أيضا إلى الاعتقاد أنها حقيقية ظنا أن التجاهل اعتراف ضمنى بها أو عجز عن مواجهتها.


وهناك نوع ثالث من الاستخدام المتدنى لمنصات التواصل، وهو استخدامها فى تصفية حسابات مع زملاء أو رؤساء فى العمل، والمعروف أن معظم الأعمال فيها منافسات أو خلافات تنشب داخل محل العمل، وبدلا من حلها بطرق ودية أو وفقا للأعراف والتقاليد المهنية أو عبر الطرق المعتادة وفقا للوائح والقوانين المنظمة للعمل، فإن البعض يترك تلك القنوات الطبيعية، ويلجأ إلى الطعن فى الزملاء أو الرؤساء عبر منصات التواصل، ويترك القنوات الطبيعية والأعراف المؤسسية، وهذه الوسيلة المنحرفة تجر إلى تسميم أجواء العمل، والإضرار به، لمجرد أن يحقق شخص أو بضعة أشخاص مآرب خاصة، ويصبح النشر على منصات التواصل وسيلة ابتزاز أو انتقام، تحطم الأعراف والتقاليد والقوانين المنظمة للعمل، وتهدر الكثير من الوقت، وتضرب الصورة العامة لمكان العمل، وتحولها إلى ساحة معارك بواسطة سلاح الشائعات وإلصاق التهم دون دليل، وتؤدى إلى حالة من الفوضى، وتتجاوزه أحيانا إلى أجواء تنافر وانقسام ووسيلة متدنية للنيل ممن يعملون بجد، وغالبا ما يلجأ المقصرون والفاشلون لنشر هذا التدنى، لأنهم يجدون فيه وسيلة للتحقق من خلال الإساءة والافتراء.


إننا بحاجة إلى مراجعة أنفسنا، والانتباه إلى أن هذا الاستخدام السلبى للتكنولوجيا المتقدمة لا يمكن أن يقودنا إلا للتدهور الأخلاقى والقيمى، ويضر بمناخ العمل، ويجرنا نحو التدهور فى مستوى الإنتاج ومستوى الأخلاق، وتتحول القيم النبيلة والأعراف والتقاليد الإيجابية إلى ذبيحة على منصات التواصل.


وبينما الشائع فى المجتمعات المتقدمة الاستخدام الإيجابى لمنصات التواصل من أجل توسيع وتطوير القدرات والخبرات والمعلومات، فإن الاستخدام السلبى لهذه التقنية المتطورة يقودنا إلى التردى الأخلاقى القيمى وتراجع الإنتاج بسبب من يرون فى التشويه والنميمة أداة لتحقيق ذواتهم المتدنية، ولهذا فعلينا أن نتجنب هؤلاء أو أن نسعى إلى تنبيههم إلى خطورة ما يقترفونه، وألا ندعهم يستفيدون من التخريب وجر المجتمع إلى التخلى عن القيم الإيجابية.