قال مرصد الأزهر في تقرير له إن التمويل يمثل عصب القوة لأي تنظيم إرهابي حيث يعد عاملًا مهمًّا في توفير الأسلحة والمعدات واستقطاب العناصر المجندة لخدمة أهداف التنظيمات وتمويل هجماته الإرهابية. وتمثلت انتهاكات تنظيم داعش الإرهابي منذ إعلان دولته المزعومة في عام ٢٠١٤م في تنفيذه العديد من عمليات الخطف والاغتصاب، والتعذيب والاسترقاق، والابتزاز والقتل لجني الأموال من هذه الممارسات، إضافة إلى استيلائه على نسبة كبيرة من الحقول النفطية في سوريا والعراق.
وكشف مسؤولون في الاستخبارات الأمريكية أن تنظيم داعش الإرهابي سيطر على قرابة 60% من آبار النفط في سوريا ونسبة تصل إلى 5% من الآبار العراقية في أثناء مدة سيطرته. وما إن سقطت المعاقل الرئيسية لتنظيم داعش الإرهابي في سوريا والعراق في عام 2017م، إلا وبدأ في البحث عن مصادر تمويل أخرى كي تصبح بديلة عن تلك المصادر التي كان يعتمد عليها وقت سطوته ونفوذه، حيث انخرط التنظيم في سوق العملات المشفرة للتغلب على الأنظمة المالية العالمية الأمنية التي تتعقب مصادر التمويل.
وفي هذا السياق، أوضحت دراسة قام بها "المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب" في نهاية عام ٢٠٢١م أن العالم الرقمي وأدواته المتطورة والآمنة قد عززا قدرة تنظيم داعش الإرهابي على ترويج أفكاره المتطرفة، وحذَّرت من استخدام التنظيم لعملة "البيتكوين" وهذا العالم الرقمي لتجنيد الشباب وتمويل عملياته.
وتابع المرصد أنه للحديث بصورة متعمقة حول مدى استفادة التنظيمات الإرهابية من هذه العملات المشفرة، ذكر السياسي والصحفي الأرجنتيني "جوستافو سييرا" في دراسة له نشرتها جريدة "إنفوباي" الأرجنتينية، في يونيو 2021م، أن العملات المشفرة خلقت دائرة تمويل جديدة للتنظيمات الإرهابية في الشرق، حيث تعمل هناك دوائر مصرفية لتنظيمي "داعش" و"القاعدة"، وهناك العشرات من المكاتب المتخصصة في تبادل "البيتكوين" وغيرها من العملات الافتراضية، مؤكدًا أن هذه التنظيمات الإرهابية تستخدم تلك العملات منذ حوالي (٦) سنوات، كما أنها تجري معاملات أكثر تعقيدًا يصعب اكتشافها، لأنها تسمح لهم بادخار الأموال وتحويلها دون سلطة أو رقابة يمكنها تتبع هذه العمليات أو إغلاق الحسابات وتجميد الأموال.
وفي هذا الإطار أفتى أحد عناصر تنظيم داعش، في وثيقة "البيتكوين وصدقات الجهاد"، بجواز هذه العملة الرقمية، وشدد على ضرورة استعمالها لتمويل الأنشطة الإرهابية للتغلب على الأنظمة المالية العالمية، والتي وصفها بالكافرة، حيث يواجه المتبرع المتعاطف مع التنظيم صعوبات في التحويل لشخص قد يكون موضوعًا على لائحة الإرهابيين والمطلوبين.
كما كشف "المؤشر العالمي للفتوى" (GFI) التابع لدار الإفتاء المصرية في أواخر 2018م أن 85% من فتاوى داعش تحث على إنفاق الأموال لخدمة التنظيم. فهذا هو نهج التنظيم الدائم، إذ إنه يستخدم حكم "الجواز" في أكثر من 70% من فتاويه عندما يتعلق الأمر بالتمويل والعملات الرقمية والاستيلاء على الأموال وتدمير المنشآت والمؤسسات تحت مسمى "الجهاد" وإعلاء كلمة الدين والدفاع عنه، وفق توصيفهم وأهوائهم.
وإذا ما رجعنا إلى الرأي الشرعي للمؤسسات الدينية والهيئات الرسمية في هذا الشأن، فقد أفتت العديد من الدول الإسلامية والعربية، مثل: جمهورية مصرالعربية والمملكة العربية السعودية، وغيرهما، بحرمة استخدام تلك العملات الرقمية المشفرة والمتاجرة بها، لما يترتب على تداولها من فساد، حيث أفتت دار الإفتاء المصرية بعدم شرعية تداول عملة "البيتكوين" والتعامل من خلالها بالبيع والشراء والإجارة وغيرها، لعدم توافر المعايير الشرعية المعتبرة في العملات، لما تشتمل عليه من الضرر الناشئ عن الغرر والجهالة والغش في مصرفها ومعيارها وقيمتها، فضلًا عن المخاطر العالية المترتبة على ممارستها على الأفراد والدول.
من جانبه، يؤكد مرصد الأزهر لمكافحة التطرف على خطورة التعامل بهذه العملات؛ لاستخدام البعض لها في دعم وتمويل التنظيمات الإرهابية. ويشير إلى أن من جملة المخاطر المترتبة على تداول هذا النوع من العملات هو خلق سوق اقتصادي عالمي موازٍ للاقتصاد الرسمي المعترف به دوليًّا، بما يهدد الاستقرار الاقتصادي للدول. كما يحذر المرصد من انتشار مثل هذا النوع من العملات المشفرة وخطورته من حيث صعوبة تعقبه والسيطرة عليه بما يهدد أمن المجتمعات واستقرارها. ولذلك يدعوا المرصد إلى ضرورة التكاتف الدولي لوضع آليات أمنية صارمة لوقف هذه العملات، مما يساهم في تجفيف منابع تمويل الإرهاب بكل صوره والقضاء على أشكاله كافة.