الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

مصر بلا غارمين

نهال علام
نهال علام

قالوا قديماً من راقب الناس مات هماً، ومع ازدياد هموم الإنسان بسبب متطلباته المتزايدة وأحلامه المتصاعدة أصبح جزاء المراقبة أن يموت غماً، فقد أصبح السلوك الإنساني أكثر عجباً وأشد ألما، ألم لا يرتد في وجه أصحابه فقط، بل هو كالقنبلة تنطلق صوب كل المحيطين وخاصة المقربين، وهنا دعني أحدثكم عن الغارمين!

في غالبيتهم العظمى هم من حرثوا الأرض صباحاً ليستظلوا بثمارها مساءً، على باب الله كحال الكثيرين، ولكن كانوا فريسة لعدم التفكير السليم، أو صيد ثمين لحفنة من معدومي الضمير.

سنوات طويلة وخلف القضبان أعداد كبيرة من ضحايا القسط والكمبيالة وإيصالات الأمانة، لم يلتفت لهم أحدًا ولم يمسح عِبراتهم شخص، فقط بعض المحاولات الفردية التي تأتي إثر المعارف الشخصية لأصحاب القضايا المنسية، فهل يتخيل البعض أن بعض الغارمين كانت ديونهم لا تصل لرقم من ثلاث أصفار! وأحياناً كانت تكلفة القضية وكلفة أقامة الشخص داخل السجن لقضاء فترة عقوبته تتجاوز أضعاف مضاعفة لمبلغ الغُرم!

ولكن لأن لدينا رئيس جمهورية ذو مرجعية إنسانية، تبنى المبادرة الرئاسية " مصر بلا غارمين " في عام 2015 تلك المبادرة التي أعادت آلاف الغارمين لحضن الحياة، لذا تعد المبادرة من أهم ركائز السلم المجتمعي في أرض الوطن لما لها من أبعاد عديدة، مثل البعد الإجتماعي حيث أن غالبية المتورطين بفعل الغُرم وخاصة الغارمات كان السبب توفير جهاز البنات اللازم لتزويجهن، ولها أيضاً بُعد أمنى فذلك الغارم وتلك الغارمة ماهم إلا أطراف تعول أسرها فتخيل حال تلك الأسر بعد أن فقدت سندها!

وبلا شك المبادرة لها بعد ديني فكل الأديان السماوية تدعو للتكافل والتراحم وإماطة الأذى عن مستقبل البشر، ومن أهم آثارها البعد النفسي للأسر التى وجدت نفسها خلف قضبان الفضيحة والمهانة في أعقاب دخول عائلها السجن وإن كانت التهمة الاستدانة!

ولتتكامل أركان المبادرة تم تشكيل اللجنة الوطنية لرعاية الغارمين والغارمات، لتضع إستراتيجية قومية لتحقيق رؤية الرئيس بأن تكون سجون مصر بلا مسجونى الغُرم. 

والجدير بالذكر أن اللجنة تقوم بتنظيم ندوات تثقيفية للغارمين الذي تم الإعفاء عنهم وتسديد ديونهم قبل التوجه لمنازلهم، لرفع الوعي القانوني لديهم تجنباً لهذا الخطأ مستقبلاً وحتى لا يقدِم أي منهم على ذات الفِعل مرة أخرى، آملاً أن الدولة ستتدخل لإخراجه مرة ثانية من تلك الورطة.

ومُنذ أيام قليلة عقدت الرئاسة اجتماعاً بحضور رئيس الوزراء ووزيرة التضامن لبحث آخر مجهودات اللجنة الوطنية للحد من ظاهرة الغُرم ووجه الرئيس السيسي بحصر أعداد المسجونين الفعليين من الغارمين والغارمات، ودراسة حالاتهم، تمهيداً للإفراج عن دفعة منهم مع حلول عيد الفطر المبارك.
ووجه الرئيس بأهمية صياغة رؤية متكاملة للقضاء على الغُرم وتفعيل الإجراءات من أجل التعامل مع هذا الملف من خلال التدخلات الاستباقية،  ووضع الضوابط اللازمة لإقرار حالات الغارمين.

وبالإضافة إلى تكثيف الجهود لتوفير حزم من أدوات التوعية والاستشارات المالية البسيطة، وكذلك صياغة آليات آمنة للإقراض الميسر، ودراسة المشروعات المتعثرة، وتوفير الدعم المهني والتقني لها، والتدريب على كيفية إدارتها، إلى جانب مد مظلة برامج الحماية الاجتماعية للمستحقين من أسر الغارمين والغارمات، ووضع ضوابط وإجراءات لمتابعة مؤسسات الإقراض.

سيدي الرئيس لا أملك أرقاماً موثقة ولكن وفقاً لتقديرات بعض التقارير الحقوقية فإن أعداد الغارمات تصل إلى 30 ألف سجينة، وهو ما يمثل  ما بين 20- 25% من السجناء في مصر وسبب الغُرم للغالبية العظمى منهم هو تجهيز الفتيات وفي ظل النزعة المجتمعية للمغالاة في متطلبات الزواج، أدى إلى حصولهم على قروض غير آمنة لشراء مستلزمات الزواج المبالغ فيها!

وهنا يكمن بيت القصيد، منظومة الزواج المعقدة التي يؤدي الانغماس في تفاصيلها الزائلة للمزيد من الزيجات المهلهلة.

فالأسر تنشغل عن النظر في مدى التوافق بين طرفي الزيجة للتركيز في مدى التكافؤ بين النيش والشاشة السينمائية التى قد يزيد عرضها عن عرض آي حائط في المنزل، لكن تلك أمور شكلية فالمهم أن تتربع الشاشة بشموخ على إحدى عربيات الجهاز وسط العشر بطاطين والأربعة وعشرين ملاية والمائة فوطة!

لذا أقصر طريق لردم طريق الغُرم ضبط منظومة الزواج بالقانون، فكل تلك المتطلبات لسببين، أولهما الفشخرة الإجتماعية التي يجب أن تحارب بالوعي والتثقيف ومراجعة الأنماط الشرائية والعادات المجتمعية البالية والمتصاعدة.

وثانيهما لكتابة (قايمة) باهظة تضمن حقوق البنات القانونية، لذا لما لا تكون هناك قوانين تقنن وضع القائمة المزعومة فربما ذلك سيكون رادع للأسر شعور أن ( فلوسهم) ستذهب أدراج الريح ولن تسعد البنت ولا تستريح بعائلها المسجون ومقتنياتها المهدورة.

وهنا يجب أن يتخذ الإعلام التوعوي دوراً فاعلاً في تنبيه أهالينا البسطاء بخطورة الإقراض الغير آمن والتوقيع أو البصم على الوصولات الغير محددة القيمة، قديماً كان هناك إعلان عبقري عن أهمية الحفاظ على الختم كان يقوم به المطرب الشعبي الرائع الراحل محمد العزبي فلما لا نعيد التجربة فلازالت رسالة الفن من أقصر طرق صناعة الوعي.

كما أن الغارمات والغارمين المعفي عنهم هم أفضل من يقدم حملات للتوعية في نطاقاتهم الصغيرة فمع أعدادهم الكبيرة ستصل الرسالة بصدق التجربة لتلك الفئات المستهدفة بالتوعية، من الممكن أن يتم تدريبهم وتثقيفهم للقيام بذلك الدور الحيوي.

إن انشاء صندوق لتمويل مصاريف الزواج على شاكلة صندوق تمويل المشروعات الصغيرة سيحد من أثر الديون المهلكة التى تمنح بلا ضابط ولا رابط، بشرط أن يتقدم للحصول على القرض راغبي الزواج أنفسهم وليس عائلهم، فذلك قد يكبح جناح متطلباتهم إذا كانوا هم الملزمين بسداد ديونهم.

وعلى المجتمع ككل أن يراجع نفسه، فلقد اجتمعت الدلائل على أنه كلما تعقدت متطلبات الزواج كانت الزيجة كالزبد الذي يذهب جفاء، فالمنقولات زائلة ولن يبقى إلا الشخصيات الغير زائفة، فالزواج مشروع اجتماعي عماده المودة والرحمة وليس بالصيني والأركوبال ومامن مشروع بنى على غير عقل واستدام، فيا أهالينا الكرام احفظوا ماء وجوهكم بالزواج في حدود الستر، وليس بالبحث عن موجبات العقوبة والحبس، ويا فتيات اختاروا شركاء أعماركم بنفس الشغف الذي تبحثن به عن المفروشات والخزف.