تحل اليوم ذكرى رحيل أم المؤمنين وأفقه نساء الأمة السيدة عائشة رضي الله عنها - زوج خاتم الأنبياء والمرسلين. يقول الدكتور شوقي علام -مفتي الجمهورية، إنه على الرغم من صِغَر سن السيدة عائشة رضي الله عنها، فإنها كانت ذكيَّةً سريعة التعلُّم، ولذلك استوعبت الكثير من علوم النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى أصبحت من أكثر النساء روايةً للحديث.
روت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، أكثر من 2000 حديث عن النبي، ولا يوجد في نساء أمَّةِ محمد صلى الله عليه وآله وسلم امرأة أعلم منها بدين الإسلام، بل كانت لها استدراكات على بعض الصحابة فضلًا عن قوة مناقشاتها العلمية معهم.
وتابع، خلال لقائه الرمضاني اليومي ببرنامج "مكارم الأخلاق في بيت النبوة" مع الإعلامي حمدي رزق، الذي عُرض على فضائية صدى البلد: وإلى جانب علم السيدة عائشة رضي الله عنها بالحديث والفقه، كان لها حظٌّ وافرٌ من الشِّعر، وعلوم الطبِّ، وأنساب العرب، وقد استقت تلك العلوم من زوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم ووالدها، ومن وفود العرب التي كانت تقدم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
المبرأة بوحي السماء
تعد أم المؤمنين السيدة عائشة بنت أبي بكر الصديق “رضي الله عنها” من أكثر الرواة نقلاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ولدت في العام التاسع قبل الهجرة، كنيتها أم عبد الله، ولُقِّبت بالصِّدِّيقة، وعُرِفت بأم المؤمنين، وبالحميراء لغلبة البياض على لونها. وأمها أم رومان بنت عامر بن عويمر الكنانية -رضي الله عنها- التي قال فيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : "من أحب أن ينظر إلى امرأة من الحور العين، فلينظر إلى أم رومان".
وهي أم عبد الله، زوجة سيدنا رسول الله ﷺ، بنت الإمام الصديق الأكبر، خليفة رسول الله ﷺ أبي بكر عبد الله بن أبي قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي القرشية، التيمية، المكية، النبوية، أفقه نساء أمته على الإطلاق، وأمها هى: أم رومان بنت عامر بن عويمر بن عبد شمس بن عتاب بن أذينة الكنانية، ويلتقي نسبها مع سيدنا رسول الله ﷺ في جده السادس مُرَّة بن كعب.
لم تدرك السيدة عائشة رضي الله عنها الجاهلية، وكانت من المتقدمين في إسلامهم؛ فقد روى البخاري ومسلم عن عروة بن الزبير أن عائشة زوج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قالت: «لم أعقل أبوي إلا وهما يدينان الدين».
ويبلغ "مسند عائشة" ألفين ومائتين وعشرة أحاديث، اتفق لها البخاري ومسلم على: مائة وأربعة وسبعين حديثا، وانفرد البخاري بأربعة وخمسين، وانفرد مسلم بتسعة وستين.
تحكي السيدة عائشة رضي الله عنها “دخل مجموعة من أهل الحبشة المسجد يلعبون، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم :”يا حميراء أتحبين أن تنظري إليهم؟ فقلت: نعم، فقام بالباب، وجئته فوضعت ذقني على عاتقه، فأسندت وجهي إلى خده، قالت: ومن قولهم يومئذ : أبا القاسم طيبا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (حسبك) فقلت: يا رسول الله لا تعجل ، فقام لي، ثم قال: حسبك (فقلت: لا تعجل يا رسول الله، قالت : ومالي حب النظر إليهم ولكني أحببت أن يبلغ النساء مقامه لي، ومكاني منه) رواه النسائي وصححه الحافظ.
حب رسول الله
من أخص مناقب أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديقة بنت الصديق ما علم من حب رسول الله وشاع من تخصيصها عنده، ونزول القرآن في عذرها وبراءتها والتنويه بقدرها، ووفاة رسول الله سحرها ونحرها، وفي نوبته، وريقها في فمه الشريف لأنه كان يأمرها أن تندى له السواك بريقها، ونزول الوحي وهو في لحافها، ولم يتزوج بكراً سواها، وما حمل عنها من الفقه لم يحمل عن أحد سواها.
عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، قالت: لَمَّا أُمِرَ رَسولُ اللهِ ﷺ بتَخْيِيرِ أَزْوَاجِهِ، بَدَأَ بي، فَقالَ: «إنِّي ذَاكِرٌ لَكِ أَمْرًا، فلا عَلَيْكِ أَنْ لا تَعْجَلِي حتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْكِ»، قالَتْ: قدْ عَلِمَ أنَّ أَبَوَيَّ لَمْ يَكونَا لِيَأْمُرَانِي بفِرَاقِهِ، قالَتْ: ثُمَّ قالَ: «إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قالَ: {يَا أَيُّهَا النبيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا وإنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسوله وَالدَّارَ الآخِرَةَ فإنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب:28]، قالَتْ: فَقُلتُ: في أَيِّ هذا أَسْتَأْمِرُ أَبَوَيَّ؟ فإنِّي أُرِيدُ اللَّهَ وَرَسوله وَالدَّارَ الآخِرَةَ، قالَتْ: ثُمَّ فَعَلَ أَزْوَاجُ رَسولِ اللهِ ﷺ مِثْلَ ما فَعَلْتُ.
وقالت عائشة: ما غرت على امرأة ما غرت على خديجة، من كثرة ما كان رسول الله - ﷺ- يذكرها.
البراءة من حادثة الإفك
أنزل الله عز وجلّ في من آذى أُمّنا السيدة عائشة رضي الله عنها خاصّة قرآنًا يُتلى إلى يوم القيامة: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (11) لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ } [النور: 11، 12] إلى.... { أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [النور: 26] وقد أجمع العلماء قاطبة على أن من رمى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بما برأها الله منه فهو معاند مكذِّب للقرآن.
كما أن السيدة عائشة رضي الله عنها كانت سببًا لتقرير كثير من الأحكام؛ فقد كانت سببًا لتحريم إيذاء المؤمنين والمؤمنات كافة، ورميهم بالبهتان؛ قال سبحانه: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا}. [الأحزاب: 58] فلها فَضْلٌ على الأمَّة رضي الله عنها.
قالوا عن أم المؤمنين
كان الصحابة يسألون السيدة عائشة -رضي الله عنها- عن الفرائض؛ قال عطاء بن أبي رباح: «كانت عائشة رضي الله عنها من أفقه الناس، وأحسن الناس رأيًا في العامة». قال أبو موسى الأشعري: «ما أشكل علينا أصحاب محمد حديث قَطُّ، فسألنا عنه عائشة -رضي الله عنها- إلا وجدنا عندها منه علمًا».
وقال عروة بن الزبير بن العوام: ما رأيت أحدًا أعلم بالحلال والحرام، والعلم، والشعر، والطب من عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها.
وأخرج البخاري في صحيحه عن أبي موسى الأشعري أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «كَمُل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران، وآسية امرأة فرعون، وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام».
ذكر ابن سعد في طبقاته عن عباد بن حمزة أن عائشة -رضي الله عنها- قالت: يا نبي الله، ألا تكنيني؟ فقال النبي : "اكتني بابنك عبد الله بن الزبير"، فكانت تكنى بأم عبد الله.
وعن مسروق قال: قالت لي عائشة رضي الله عنها: لقد رأيت جبريل واقفًا في حجرتي هذه على فرس ورسول الله يناجيه، فلما دخل قلت: يا رسول الله، من هذا الذي رأيتك تناجيه؟ قال: "وهل رأيته؟" قلت: نعم. قال: "فبمن شبهته؟" قلت: بدحية الكلبي. قال: "لقد رأيت خيرًا كثيرًا، ذاك جبريل". قالت: فما لبثت إلا يسيرًا حتى قال: "يا عائشة، هذا جبريل يقرأ عليك السلام". قلت: وعليه السلام، جزاه الله من دخيلٍ خيرًا".
وعن هشام بن عروة عن أبيه قال: قالت لي عائشة: يا بن أختي، قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما يخفى عليَّ حين تغضبين ولا حين ترضين". فقلت: بمَ تعرف ذاك بأبي أنت وأمي؟ قال: "أما حين ترضين فتقولين حين تحلفين: لا ورب محمد، وأما حين تغضبين فتقولين: لا ورب إبراهيم". فقلت: صدقت يا رسول الله».
وفاتها
توفيت السيدة عائشة رضى الله تعالى عنها في 16 رمضان سنة سبع وخمسين من الهجرة، وقيل: إنها توفيت سنة ثمان وخمسين ليلة الثلاثاء 17 رمضان.
وقد أمرت أن تدفن ليلاً فدفنت بعد الوتر بالبقيع، وصلى عليها الصحابي الجليل أبو هريرةـ ونزل في قبرها خمسة: عبد الله وعروة ابنا الزبير، والقاسم بن محمد وعبد الله بن محمد بن أبي بكر، وعبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق.